الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4273 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : حلبت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة داجن ، وشيب لبنها بماء من البئر التي في دار أنس ، فأعطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القدح ، فشرب وعلى يساره أبو بكر ، وعن يمينه أعرابي ، فقال عمر : أعط أبا بكر يا رسول الله ! ; فأعطى الأعرابي الذي عن يمينه ، ثم قال : " الأيمن فالأيمن " ، وفي رواية : " الأيمنون الأيمنون ، ألا فيمنوا " متفق عليه .

[ ص: 2750 ]

التالي السابق


[ ص: 2750 ] 4273 - ( وعن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال : حلبت ) : بصيغة المفعول ، ( لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة داجن ) : وهو الشاة التي ألفت البيوت واستأنست ولم تخرج إلى المرعى من دجن بالمكان إذا أقام به ، ولما كان من الأوصاف المختصة بالإناث ما احتيج إلى إلحاق التاء في آخره ، مع أنه صفة للشاة ، ونظيره : طالق وحائض . ( وشيب ) : بكسر أوله أي خلط ( لبنها بماء من البئر التي في دار أنس فأعطي ) : بصيغة المفعول ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القدح ) : منصوب على أنه مفعول ( فشرب ) : أي منه ( وعلى يساره أبو بكر - رضي الله عنه - وعن يمينه أعرابي ) : الظاهر أن الجمع بين " عن " و " على " تفنن في العبارة ، وقد حققه الطيبي وقال : فإن قلت : لم استعمل " على " هنا و " عن " أولا ؟ قلت : الوجه فيه أن يجرد عن وعلى عن معنى التجاوز والاستعلاء ، ويراد بهما الحصول من اليمين والشمال ، ولو قصدت معناها ركبت شطاطا الكشاف في قوله تعالى : ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، المفعول فيه عدي إليه الفعل نحو تعديته إلى المفعول به ، فكما اختلفت حروف التعدية في ذلك اختلفت في هذا ، وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس ، وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط ، فلما سمعناهم يقولون : جلس عن يمينه وعلى يمينه وعن شماله وعلى شماله قلنا : معنى على يمينه أنه تمكن من جهة اليمين على المستعلى عليه ، ومعنى عن يمينه أي جلس متجافيا عن صاحب اليمين ، ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره كما ذكرناه في قوله تعالى .

( فقال عمر : أعط أبا بكر ) : لعل عمر - رضي الله عنه - كان قبالته فأراد أن يناوله فقال : أعط أبا بكر - رضي الله عنه - ( يا رسول الله فأعطى الأعرابي الذي على يمينه ) : وفي نسخة : عن يمينه ( ثم قال : الأيمن فالأيمن ) : بالرفع فيهما أي يقدم الأيمن فالأيمن ، وفي نسخة بنصبهما أي أناول الأيمن فالأيمن ، ويؤيد الرفع قوله : ( وفي رواية : " الأيمنون فالأيمنون ، ألا ) : للتنبيه ( فيمنوا ) : بتشديد الميم المكسورة أي إذا كان الأمر كذلك فيمنوا أنتم أيضا وراعوا اليمين وابتدئوا بالأيمن فالأيمن . قال النووي : وضبط الأيمن بالنصب والرفع ، وهما صحيحان ، النصب على تقدير أعطي الأيمن ، والرفع على تقدير الأيمن أحق أو نحو ذلك ، والرواية الأخرى : الأيمنون ترجح الرفع وفيه بيان استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام ، وأن الأيمن في الشراب ونحوه يقدم ، وإن كان صغيرا ومفضولا ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم الأعرابي ، والغلام أي على ما سيأتي ، وأما تقديم الأفاضل والأكابر فهو عند التساوي في باقي الأوصاف ، ولهذا يقدم الأعلم والأقرأ على الأسن والنسيب في الإمامة للصلاة ، وقيل : إنما استأذن الغلام دون الأعرابي أدلاء على الغلام ، وهو ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وتطييبا لنفسه بالاستئذان نفسه ، لا سيما والأشياخ أقاربه ، ومنهم خالد بن الوليد - رضي الله عنه - وفي بعض الروايات : عمك وابن عمك ، وفعل ذلك استئناسا لقلوب الأشياخ وإعلاما بودهم وإيثار كرامتهم وإنما لم يستأذن الأعرابي مخافة إيحاشه ، وتألفا لقلبه لقرب عهده بالجاهلية ، وعدم تمكنه من معرفة خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتفقوا على أن لا يؤثر في القرب الدينية والطاعات ، وإنما الإيثار ما كان في حظوظ النفس ، فيكره أن يؤثر غيره موضعه من الصف الأول مثلا . وفيه أن من سبق إلى موضع مباح ، أو من مجلس العالم والكبير ، فهو أحق به ممن يجيء بعده ، وأما قول عمر - رضي الله تعالى عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم : أعط أبا بكر إنما قاله للتذكر لأبي بكر مخافة من نسيانه ، أو إعلاما لذلك الأعرابي الذي على اليمين بجلالة أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - ( متفق عليه ) . وفي الجامع الصغير : " الأيمن فالأيمن " مالك وأحمد والستة عن أنس - رضي الله عنه .



الخدمات العلمية