الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4424 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال : أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : " غيروا هذا بشيء ، واجتنبوا السواد " . رواه مسلم .

التالي السابق


4424 - ( وعن جابر قال : أتي ) : أي جيء ( بأبي قحافة ) : بضم القاف وهو والد الصديق ، واسمه عثمان بن عامر قرشي تيمي ، أسلم يوم الفتح وعاش إلى خلافة عمر ، ومات سنة أربع عشرة ، وله تسع وتسعون سنة ، روى عنه الصديق ، وأسماء بنت أبي بكر . ( يوم فتح مكة ) : أي أول ما أسلم ( ورأسه ولحيته كالثغامة ) : بضم المثلثة وبالغين المعجمة في الأصول المصححة ، وكذا ضبطه ميرك شاه . " وقيل بتثليث أوله ، وهو كذا في بعض النسخ ، لكن في القاموس : الثغام كسحاب نبت فارسيته " درمثه " واحدته بهاء ، والرأس صار كالثغامة بياضا ، وفي النهاية : هو نبت شديد البياض زهره وثمره يشبه به الشيب ، وقوله : ( بياضا ) : تمييز عن النسبة التي هي التشبيه ذكره الطيبي وغيره . ( قال النبي - صلى الله عليه وسلم : " غيروا هذا ) : أي البياض ( بشيء ) : أي من الخضاب ( واجتنبوا السواد ) : قال ابن الملك : قيل هذا في حق غير الغزاة ، وأما من فعل ذلك من الغزاة ليكون أهيب في عين العدو لا للتزيين فلا بأس له ، روي أن عثمان والحسن والحسين خضبوا لحاهم بالسواد للمهابة . ( رواه مسلم ) ، وأخرجه أحمد من حديث أنس قال :

[ ص: 2817 ] جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا . . إلخ . وزاد الطبري وابن أبي عاصم من وجه آخر عن جابر : فذهبوا به وحمروه وروى أحمد والنسائي عن الزبير ، والترمذي عن أبي هريرة بلفظ : غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود . وفي رواية أخرى لأحمد وابن حبان عن أبي هريرة ولفظه : غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود والنصارى ، وفي رواية أخرى لأحمد عن أنس ولفظه : غيروا الشيب ولا تقربوه السواد . قال النووي في الخضاب أقوال ، وأصحها أن خضاب الشيب للرجل والمرأة يستحب وبالسواد حرام ، وقد سبق عن الإمام محمد أنه قال في موطئه : لا نرى بالخضاب بالوسمة والحناء والصفرة بأسا ، وإن تركه أبيض فلا بأس به ، كل ذلك حسن ، وفي الشرعة : الخضاب سنة ثبت قولا وفعلا . قال شارحه : أما الأول فلحديث أبي هريرة السابق ، وأما الثاني فلما قال ابن عمر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصفر لحيته بالورس والزعفران ، وسيأتي ، وفي مجمع الفتاوى : اختلفت الرواية في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هل فعل الخضاب في عمرة ؟ ، والأصح أنه لم يفعل ، يعني الأصح أنه لم يفعل الخضاب في لحيته لعدم الحاجة إليه ، وأما خضاب رأسه بالحناء فهو مشهور وقيل : كان فعله غير مرة لدفع الصداع والحرارة . قلت : ويؤيده ما ورد في الخضاب من الأحاديث منها : اختضبوا بالحناء ; فإنه يزيد في شبابكم وجمالكم ونكاحكم ، رواه البزار وأبو نعيم في الطب عن أنس . ومنها : اختضبوا بالحناء ; فإنه طيب الريح يسكن الروع . رواه أبو يعلى والحاكم في الكنى عن أنس ، ومنها : اختضبوا وافرقوا وخالفوا اليهود ، رواه ابن عدي عن ابن عمر ، وسيأتي لهذا بحث .




الخدمات العلمية