الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4515 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله . رواه مسلم .

التالي السابق


4515 - ( وعن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء ) : بالرفع منونا ( الداء ) : بالنصب . وفي نسخة بالإضافة ، وفي رواية : فإذا أصاب دواء داء بالتنوين ( برأ ) : بفتحتان ، وفي نسخة بكسر الراء ويجوز ضمها ففي النهاية يقال : برأت من المرض برأ بالفتح ، وأبرأني الله تعالى من المرض إبراء وغير أهل الحجاز يقولون : برئت بالكسر برءا بالضم ، وفي القاموس : برأ المريض يبرأ ويبرؤ برأ ، بالضم ، وبروأ ، وبرؤ ، ككرم وفرح ، برأ وبرأ وبروأ : نقه ، ( بإذن الله ) : أي بتيسيره وإرادته ، وإنما قيده به لئلا يتوهم أن الدواء مستقل في الشفاء ، وفسرته رواية الحميدي : ما من داء إلا وله دواء ، فإذا كان كذلك بعث الله - عز وجل - ملكا معه شراب ومعه ستر ، فجعله بين الداء والدواء ، فكلما شرب المريض من الدواء لم يقع على الداء ، فإذا أراد الله برأه أمر الملك فرفع الستر ، ثم يشرب المريض فينفعه الله تعالى به . ( رواه مسلم ) . وكذا أحمد ، وروي عن علي مرفوعا : " لكل داء دواء ودواء الذنوب الاستغفار " ، قال النووي : فيه إشارة إلى استحباب الدواء ، وهو مذهب السلف وعامة الخلف ، وإلى رد من أنكر التداوي فقال : كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي ، وحجة الجمهور هذه الأحاديث ، واعتقدوا أن الله تعالى هو الفاعل ، وأن التداوي أيضا من قدر الله تعالى ، وهذا كالأمر بالدعاء وبقتال الكفار ، ومجانبة الإلقاء باليد إلى التهلكة ، مع أن الأجل لا يتأخر والمقادير لا تتغير اهـ .

وحاصله أن رعاية الأسباب بالتداوي لا تنافي التوكل ، كما لا ينافيه دفع الجوع بالأكل وقمع العطش بالشرب ، ومن ثم قال المحاسبي : يتداوى المتوكل اقتداء بسيد المتوكلين ، وأجاب عن خبر : من استرقى أو اكتوى برئ من التوكل ، كما سيأتي أي : من توكل المتوكلين - السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب - فجعل بعض التوكل أفضل من بعض ، وفيه أنه ينافيه ما قيل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى مقتضيات بمسبباتها قدرا وشرعا ، فتعطيلها يقدح في التوكل ، والحاصل أن مرتبة الجمع أولى من مرتبة التوحيد الصرف ، فالأحسن في تأويل الحديث ما قاله ابن عبد البر : أنه برئ من التوكل إن استرقى بمكروه أو علم شفاءه بوجود نحو الكي ، وغفل عن أن الشفاء من عنده تعالى ، وأما من فعله على وفق الشرع ناظر الرب الدواء متوقعا من عنده الشفاء قاصدا صحة بدنه للقيام بطاعة ربه ، فتوكله باق بحاله استدلالا بفعل سيد المتوكلين إذ عمل بذلك في نفسه وغيره ، هذا وإن أردت الاستيفاء ، فعليك بكتاب الإحياء .




الخدمات العلمية