الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4516 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " الشفاء في ثلاث : في شرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو كية بنار . وأنا أنهى أمتي عن الكي " . رواه البخاري .

التالي السابق


4516 - ( وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : الشفاء في ثلاث ) : أي في إحدى ثلاث ( في شرطة محجم ) : بكسر الميم وفتح الجيم وهي الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة عند المص ، ويراد به هنا الحديدة التي يشرط بها موضع الحجامة والشرطة فعلة من شرط الحاجم يشرط إذا نزع ، وهو الضرب على موضع الحجامة ليخرج الدم منه ، كذا ذكره الطيبي ، وحاصله أن الشرطة كضربة ضرب بالشرط على موضع الحجامة فهو فعلة من الشرط وهو الشق ، وقيل : الشرطة ما يشرط به ، والمحجم بكسر الميم قارورة الحجام التي يمص بها ، والمحجم بالفتح موضع الحجامة ، وسيأتي أحاديث في فصل الحجامة ، ومن جملتها وصية الملائكة .

( أو شربه عسل ) : أي وحده أو مخلوطة بماء أو غيره ، وقال تعالى : فيه شفاء للناس وتقدم أنه في المعنى كأنه معجون مركب ، فيكون نافعا لكل مرض على ما يشير إليه إطلاق الشفاء لعموم الناس . ( أو كية بنار ) وجه حصر الشفاء في الثلاث أن الأول استفراغ خلط الدم إذا هاج ، ولعل وجه التخصيص بإخراج الدم ; لأن وجوده أضر من سائر الأخلاط ، ولكثرة وجوده في البلاد الحارة ، ووجه تقديم الاستفراغ لأنه أسهل من المسهل ، وأقرب دفعا ومبادرة قبل استقراره في المعدة ، والثاني دفع الأخلاط والمواد الفاسدة بالإسهال ، والثالث الخلط الباقي الذي

[ ص: 2862 ] لا تنحسم مادته إلا به ، ولذا قيل : آخر الطب الكي . ( وأنا أنهي أمتي عن الكي ) : ولعل النهي محمول على التنزيه ، فإنه مبالغة في تعاطي الأسباب ، وهو لا ينافي التوكل والاعتماد بظاهره ; ولذا خص في الحديث : من اكتوى واسترقى فقد برئ من التوكل ، ولم يقل من تداو ، بل قال : " تداووا يا عباد الله ; فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم " على ما رواه أحمد والأربعة وابن حبان والحاكم ، عن أسامة بن شريك . وجاء حديث النهي عن الكي بانفراده على ما رواه الترمذي والحاكم عن عمران ، والطبراني عن سعد الظفري بضم ، نعم إذا كان الكي متعينا في ذلك الداء خرج عن موضع الكراهة ، وعليه يحمل ما وقع لبعض الصحابة كما سيأتي والله أعلم . ثم رأيت في كلام بعض الشراح صريحا أن ذلك عند عدم القدرة على المداواة بدواء آخر ، والنهي قبل بلوغ ضرورة داعية إليه ، أو في موضع يعظم خطره ، أو الكي الفاحش ، وإليه الإشارة بقوله : أو كية واحدة غير فاحشة ، وقيل النهي تنزيهي اهـ .

قال الخطابي : الكي داخل في جملة العلاج والتداوي المأذون فيه ، والنهي عن الكي يحتمل أن يكون من أجل أنهم كانوا يعظمون أمره ، ويرون أنه يحسم الداء ويبرئه ، وإذا لم يفعل هلك صاحبه ، ويقولون : آخر الدواء الكي ، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك على هذا الوجه ، وأباح استعماله على معنى طلب الشفاء والترجي للبرء بما يحدث الله من صنعه فيه ، فيكون الكي والدواء سببا لا علة . قال الطيبي : ويؤيده تخصيص ذكر الأمة أي : أنا أنهاهم لئلا يعدوا الكي علة مستقلة . ( رواه البخاري ) : وكذا ابن ماجه .




الخدمات العلمية