الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
447 - وعن يعلى رضي الله عنه ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز ، فصعد المنبر ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : " إن الله حيي ستير يحب الحياء والتستر ; فإذا اغتسل أحدكم فليستتر " . رواه أبو داود والنسائي ، وفي روايته قال : " إن الله ستير ، فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوار بشيء " .

التالي السابق


447 - ( وعن يعلى ) : رضي الله عنه ، وهو يعلى بن أمية ، أو يعلى بن مرة ، وهما صحابيان ذكرهما المصنف في أسماء رجاله ، لكن كان عليه أن يقيده هنا والله تعالى أعلم . ( قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل ) : أي : من غير سترة ( بالبراز ) : بفتح الباء أي : بالفضاء الواسع عريانا ( فصعد ) : بكسر العين أي : طلع ( المنبر ، فحمد الله ، وأثنى عليه ) عطف تفسيري ، أو الحمد بمعنى الشكر ( ثم قال : ( " إن الله حيي " ) بياءين ; الأولى مخففة مكسورة ، والثانية مشددة ، أي : كريم معامل عبده معاملة الحيي بالعفو والصفح ، ( " ستير " ) : فعيل للمبالغة ( " يحب " ) أي : من عبده ( " الحياء " ) : فإنه من الإيمان ( " والتستر " ) أي : الذي يقتضيه الحياء ، وفي نسخة : السترة ، قال الطيبي : يعني : إن الله تبارك وتعالى تارك للقبائح ساتر للعيوب والفضائح ، يحب الحياء والتستر من العبد ; لأنهما خصلتان تفضيان به إلى التخلق بأخلاق الله تعالى . قيل : هذا من باب التعريض ، وصفه الله تعالى بذلك تهجينا لفعل الرجل ، وحثا له على تحري الحياء والتستر ، كما وصف حملة العرش بالإيمان في قوله تعالى : ويؤمنون به حثا للمؤمنين على الاتصاف بصفات الملائكة المقربين ( فإذا اغتسل أحدكم ) : أي : أراد الغسل في فضاء فليستتر ) أي : فليجعل لنفسه سترة كيلا يراه أحد . قال ابن حجر : في هذا إرشاد لنحو المغتسل بمحل لا يراه الناس بأن لا يعود لذلك استحياء من الله ، ومن ثم قال أئمتنا : يحرم كشف العورة في الخلوة لغير حاجة ; لأن فيه ترك الحياء من الله تعالى . وأرد عليهم : إن الله تعالى لا يخفى عليه شيء ، فيستوي بالنسبة لاطلاعه وعلمه المستور ، وردوه بأنه تعالى وإن أحاط علمه بهما إلا أنه يرى المستور على حالة تقتضي الأدب ، وشتان ما بينهما . ( رواه أبو داود ) وسكت عليه ، قاله ميرك . ( والنسائي ) وفي روايته قال : ( " إن الله ستير ، فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوار " ) : أمر من التواري بمعنى التستر ، ( " بشيء " ) من الثوب أو الجدار أو الحجر أو الشجر . قال ابن حجر : وحاصل حكم من اغتسل عاريا أنه إن كان بمحل خال لا يراه أحد ممن يحرم عليه نظر عورته حل له ذلك ، لكن الأفضل التستر حياء من الله تعالى ، وإن كان بحيث يراه أحد يحرم عليه نظر عورته ، وجب عليه التستر منه إجماعا

[ ص: 432 ] على ما حكى ، ووهم بعض من لا علم عنده وقال : الواجب على ذلك غض البصر عنه ، فلا يلزمه التستر . وهذا كلام ساقط ; لأن وجوب الغض لا يبيح التكشف ، ولا يقاس هذا بما حكي من الإجماع على أن للنساء أن يخرجن سافرات الوجوه وعلى الرجال الغض ، أما أولا فذاك لحاجة المشقة في ستر الوجه في الطرقات ، وأما ثانيا فهذا يتسامح فيه ما لا يتسامح به في ذلك ; لأن وجه المرأة ليس بعورة ، ولذا أباح النظر له مع أمن الفتنة كثيرون بخلاف العورة الكبرى التي هي السوأتان ، فإنه لم يقل أحد بحل نظرها وكذا بقية ما بين السرة والركبة عند من يقول بأنه عورة ، فوجب ستر الكل حذرا من تطرق نظر محرم إليه ، فيكون متسببا له بعدم تستره ، والتسبب في الحرام ولو من الغير حرام .




الخدمات العلمية