الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4603 - وعن الربيع - رضي الله عنه - مثله ، وزاد : والله ما جعل الله في نجم حياة أحد ، ولا رزقه ، ولا موته ، وإنما يفترون على الله الكذب ويتعللون بالنجوم .

التالي السابق


4603 - ( وعن الربيع ) أي : ابن زياد ، يروي عن عمر وأبي بن كعب ، ويروي عنه قتادة وأبو نضرة ، كذا قيل ، ولم يذكره المؤلف في أسمائه . ( مثله ) أي مثل ما تقدم عن قتادة ( وزاد ) أي : الربيع على ما سبق ( والله ما جعل الله في نجم حياة أحد ) أي : ولادته أو طول بقائه . ( ولا رزقه ) أي : مالا ولا جاها ( ولا موته ، وإنما يفترون ) أي : المنجمون ( على الله الكذب ويتعللون بالنجوم ) أي : ويجعلون طلوع نجم مثلا علة لشيء مما ذكر ، أو المعنى : يتسترون في كذبهم بتعلقهم بالنجوم .

قال الطيبي : واعلم أن الشيخ أبا القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري - رحمه الله - في كتابه المسمى بمفاتيح الحجج في إبطال مذهب المنجمين ، أطنب فيه وذكر أقوالهم . قال : وأقربها قول من قال : إن هذه الحوادث يحدثها الله تعالى ابتداء بقدرته واختياره ، ولكن أجرى العادة بأنه إنما يخلقها عند كون هذه الكواكب في البروج المخصوصة ، وتختلف باختلاف سيرها واتصالاتها ومطارح أشعتها في جهة العادة من الله تعالى ، كما أجرى العادة بخلق الولد عقيب الوطء وخلق الشبع عقيب الأكل ، ثم قال : هذا في القدرة جائز ، لكن ليس عليه دليل ولا القطع به سبيل ; لأن ما كان على جهة العادة يجب أن يكون الطريق فيه مستمرا ، وأقل ما فيه أن يحصل التكرار ، وعندهم لا يحصل التكرار ، وعندهم لا يحصل وقت في العالم مكرر على وجه واحد ; لأنه إذا كان في سنة : الشمس مثلا في درجته من برج ، فإذا عادت إليها في السنة الأخرى ، فالكواكب لا يتفق كونها في بروجها كما كانت في السنة الماضية ، والأحكام تختلف بالقرائن والمقابلات ، ونظر الكواكب بعضها إلى بعض ، فلا يحصل شيء من ذلك مكررا ، واتفقوا على أنه لا سبيل إلى الوقوف على الأحكام ، ولا يجوز القطع على البت لتعذر الإحاطة بها على التفصيل ، ومما يدل على أنه لا حجة في قولهم : إنهم اختلفوا فيما بينهم في حكم الزيج ، فلأهل هند وسند طريق يخالف طريق أرباب الزيج الممتحن ، وفصل الشيخ في الاختلاف بينهم تفصيلا ، ثم قال : ومما يدل على فساد قولهم : أن يقال لهم : أخبرونا عن مولودين ولدا في وقت واحد ليس يجب تساويهما في كل وجه ، [ ص: 2912 ] ولا تمييز بينهما في الصورة والقد والمنظر ، وحتى لا يصيب أحدا نكبة إلا أصاب الآخر ، وحتى لا يفعل هذا شيئا إلا والآخر يفعل مثله ، وليس في العالم اثنان هذا صفتهما . قالوا : من المحال أن يوجد مولودان في العالم في وقت واحد ، ولا بد أن يتقدم أحدهما على الآخر ، فيقال : أمحال ذلك في العقل والتقدير ، أم في الوجود ؟ فإن قالوا : بالأول بان فساد قولهم ، وإن قالوا بالثاني قيل : وما مثلكم منه ؟ فإن قالوا : ليس أمر الكسوفين يصدق . قلنا : ليس أمر الكسوفين من الأحكام ، وإنما هو من طريق الحساب ، وذلك غير منكر ، ويجوز أن يكون أمر سير الكواكب على ما قالوه ، وقد ورد في الشريعة في أمر الكسوفين بأنه آية من آيات الله ، فإن قالوا : إن قولكم في المنجمين أنهم مخطئون في جميع ما يحكمون مكابرون للعقول .

قلنا : إنا نقول إنهم مخطئون في أصولهم عن شبه وقعت لهم ، فلا يعرفون بطلان قولهم مكابرة للعقول ولا بالضرورة ، بل جزموا على مقتضى قواعد بنوها على أصول فاسدة وقعت الشبهة لسلفهم في أصول قواعدهم ، فربما يصيبون في تركيب الفروع على تلك الأصول ، فمنزلتهم في الأحكام كمنزلة أصحاب الحديث والتخمين ، وأصحاب الزوج والفرد ، فربما يصيبون اتفاقا لا عن ضرورة ، وربما يخطئون ، وكثيرا ما نجد من الفلاحين والملاحين يعتبرون نزع ما اعتادوا من توقع المطر وهبوب الرياح في أوقات راعوها بدلالات ادعوا أنهم جربوها في السماء والهواء ، وغير ذلك . فيحصل بعض أحكامهم اتفاقا لا تحقيقا .




الخدمات العلمية