الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 2940 ] 4637 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم " . متفق عليه .

التالي السابق


4637 - ( وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم ) : بالواو وفي بعض الروايات : عليكم بدون الواو ، وخطاب الجمع لمقابلة الجمع ، والمعنى : إذا سلم عليكم أحد منهم فقولوا : وعليك أو عليك ، ولهذا عبر الجزري في الحصن هكذا حيث قال : رد على أهل الكتاب بقوله : عليك . رواه مسلم والترمذي والنسائي ، أو وعليك رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي ، والكل عن ابن عمر ، فرواية الواو أكثر . قال النووي : اتفقوا على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا ، لكن لا يقال لهم وعليكم السلام ، يعني : ولا عليكم السلام ولا عليك السلام بقرينة قوله : بل يقال عليكم فقط ، أو وعليكم يعني : إذا كانوا جماعة ، وأما إذا كان منفردا فلا يأتي بصيغة الجمع لإيهامه التعظيم ، وإن كان المراد عليكم ما تستحقونه من إرادة التعظيم . قال : وقد جاءت الأحاديث التي ذكرها مسلم عليكم وعليكم بإثبات الواو وحذفها ، وأكثر الروايات : وعليكم بإثباتها ، وعلى هذا ففي معناه وجهان ، أحدها : أنه على ظاهره فقالوا : عليكم الموت ، فقال : وعليكم أيضا ، أي : نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت . والثاني : أن الواو هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك ، وتقديره وعليكم ما تستحقونه من الذم .

قال القاضي عياض : اختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو ، لئلا تقتضي التشريك ، أي : الصوري ، وقال غيره : بإثباتها كما هي في الروايات أي : أكثرها ، وقال بعضهم ، يقول : وعليكم السلام بكسر السين ، أي : الحجارة ، وهذا ضعيف ، أي : رواية ودراية . قال الخطابي : حذف الواو هو الصواب ، أي : الأصوب ، ولعله أراد المبالغة . قال : لأنه صار كلامهم بعينه مردودا عليهم خاصة ، وإذا أثبتت اقتضت المشاركة معهم فيما قالوه . قال النووي : والصواب أن إثبات الواو وحذفها جائزان ، كما صرحت به الروايات ، وإثباتها أجود ولا مفسدة فيه ; لأن السام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرر فيه . قال التوربشتي : إثبات الواو في الرد عليهم إنما يحمل على معنى الدعاء لهم بالإسلام ، فإنه مناط السلامة في الدارين إذا لم يعلم منهم تعريض بالدعاء علينا ، وأما إذا علم ذلك فالوجه فيه أن يكون التقدير : وأقول عليكم ما تستحقونه ، وإنما اختار - صلى الله عليه وسلم - هذه الصيغة ليكون أبعد عن الإيحاش ، وأقرب إلى الرفق ، فإن رد التحية يكون إما بأحسن منها ، أو بقولنا : وعليك السلام ، والرد عليهم بأحسن مما حيونا به لا يجوز لنا ، ولا رد بأقل من قولنا : وعليك ، وأما الرد بغير الواو فظاهر أي : عليكم ما تستحقونه .

قال القاضي : وإذا علم التعريض بالدعاء علينا ، فالوجه أن يقدر وأقول عليكم ما تريدون بنا أو ما تستحقونه ، ولا يكون وعليكم عطفا على عليكم في كلامهم ، وإلا لتضمن ذلك تقرير دعائهم ، ولذا قال في الحديث الذي قبله : فقل عليك بغير واو ، وقد روي ذلك بالواو أيضا .

قال الطيبي : السام الموت وألفه منقلبة عن واو . قلت : هذا الأصل فرع إثبات كونه عربيا ولم يذكر في كتب اللغة ، نعم في النهاية السأم عليكم ، روي بالهمز أي : تسآمون دينكم ، والمشهور بلا همز أي : الموت ، والظاهر أنه بلغة اليهود ، ومن جملة ما قال تعالى في ذمهم : ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ، ولا يبعد أن يريدوا بذلك تغيير اللفظ المشعر بالسلامة عن صرافته ، وإرادة اللفظ المهمل المشابه باللغو . قال الطيبي : رواه قتادة مهموزا وقال معناه : تسأمون دينكم ، ورواه غيره السام وهو الموت ، فإن كان عربيا فهو من سام يسوم إذا مضى ; لأن الموت مضى اهـ ، وهو غير مذكور في القاموس ، وإنما ذكر سوم فلانا : خلاه ، ولعل هذا أقرب مأخذا للمعنى . ( متفق عليه ) : وفي الجامع الصغير بلفظ : " إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا وعليكم " رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن أنس .

[ ص: 2941 ]



الخدمات العلمية