الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4888 - وعنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لامرأة عجوز : " إنه لا تدخل الجنة عجوز " . فقالت : وما لهن ؟ وكانت تقرأ القرآن ، فقال لها : " أما تقرئين القرآن ؟ إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا ، رواه رزين . وفي " شرح السنة " بلفظ " المصابيح " .

التالي السابق


4888 - ( وعنه ) أي : عن أنس - رضي الله عنه - ( عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لامرأة عجوز ) : بفتح أوله ، وأما العجوز بالضم فهو الضعف ، وفي القاموس : ولا تقل عجوزة ، أو هي لغة رديئة ، ثم قيل : هي صفية بنت عبد المطلب ، أم الزبير بن العوام عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيأتي أنها غيرها ، ويمكن الجمع بتعدد الواقعة والله أعلم . ( إنه ) أي : الشأن ( لا تدخل الجنة عجوز قالت : وما لهن ؟ ) أي : وأي مانع للعجائز من دخولها وهن من المؤمنات أي : الداخلات في عموم المؤمنين من أهل الجنة . ( وكانت تقرأ القرآن ) أي : ولذا سألته مستغربة لمعنى كلامه - صلى الله عليه وسلم - ( فقال لها : أما تقرئين القرآن ؟ ) أي : وقد قال تعالى : إنا أنشأناهن إنشاء ، الضمير لما عليه سياق السباق في الآية وهو : فرش مرفوعة ، والمراد النساء ، أي : أعدنا إنشاءهن إنشاء خاصا ، وخلقناهن خلقا غير خلقهن . فجعلناهن أبكارا ، أي : عذارى ، كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا . وفي الحديث : هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز خلقهن الله بعد الكبر ، فجعلهن عذارى متعشقات على ميلاد واحد أفضل من الحور العين ، كفضل الظهارة على البطانة ، ومن يكون لها أزواج فتختار أحسنهم خلقا . الحديث في الطبراني والترمذي مطولا ( رواه رزين ) أي : بهذا اللفظ الذي ذكر في المشكاة .

( وفي شرح السنة ) أي : للبغوي بإسناده ( بلفظ المصابيح ) : وهو : روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لعجوز : " إن الجنة لا يدخلها العجز " بضمتين جمع عجوز ذكره شارح ، فولت تبكي . قال : " أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، إن الله تعالى قال : إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا ، ورواه الترمذي في الشمائل عن الحسن البصري مرسلا قال : أتت عجوز النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، ادع الله أن يدخلني الجنة . فقال : " يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز " . قال : فولت تبكي . فقال : " أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، إن الله تعالى يقول : إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا . وفي نسخة زيادة : عربا أترابا ، والعرب : بضمتين ويسكن الثاني جمع عروب ، كرسل ورسول ، أي : عواشق ومتحببات إلى أزواجهن ، وقيل : العروب الملقة ; والملق الزيادة في التودد ، ومنه التملق . وقيل : الغنجة ، والغنج في الجارية تكسر وتدلل ، وقيل : الحسنة الكلام . والأتراب : المستويات في السن ، والمراد هنا بنات ثلاثين أو ثلاث وثلاثين كأزواجهن على ما في المدارك ، وهذا أكمل أسنان أبناء الدنيا .

[ ص: 3064 ] وقد أخرج أبو الشيخ ابن حبان في كتاب أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق محمد بن عثمان بن كرامة ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن حسن ، عن ليث ، عن مجاهد قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة وعندها عجوز فقال : " من هذه ؟ " قالت : هي عجوز من أخوالي ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : " إن العجز لا يدخلن الجنة " ، فشق ذلك على المرأة ، فلما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت له عائشة ، فقال : " إن الله عز وجل ينشئهن خلقا غير خلقهن " . وأخرج ابن الجوزي في كتاب الوفاء من طريق الزبير بن بكار قال : حدثني رجل ، حدثنا الفضل بن خالد النحوي ، حدثنا خارجة بن مصعب ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس : أن عجوزا دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن شيء ، فقال لها ، ومازحها : " إنه لا يدخل الجنة عجوز " ، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة ، فبكت بكاء شديدا ، حتى رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت عائشة : يا رسول الله إن هذه المرأة تبكي لما قلت لها أنه لا يدخل الجنة عجوز ، فضحك وقال : " أجل لا يدخل الجنة عجوز ، ولكن قال الله تعالى : إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا ، وهن العجائز الرمص . قال ميرك : هو جمع الرمصاء ، والرمص وسخ العين يجتمع في الموق ، هذا وجعل بعض المفسرين ضمير ( أنشأناهن ) للحور العين على ما يفهم من السياق أيضا ، فالمعنى : خلقناهن من غير توسط ولادة ، ثم يحتمل أن المراد ثم ربيناهن حتى وصلن لحد التمتع ، ويحتمل - وهو الظاهر - أنهن خلقن ابتداء كاملات من غير تدريج في التربية والسن ، لكن وجه المطابقة بين الحديث والآية غير ظاهر على هذا ، فالصواب أن يحمل الضمير إلى نساء الجنة بأجمعهن ، وحاصله أن أهل الجنة كلهم أنشأهم الله تعالى خلقا آخر يناسب الكمال والبقاء والدوام ، وذلك يستلزم كمال الخلق وتوفر القوى البدنية وانتفاء صفات النقص عنها ، والله سبحانه أعلم .




الخدمات العلمية