الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5009 - وعن أنس - رضي الله عنه - أن رجلا قال : يا رسول الله ! متى الساعة ؟ قال : " ويلك ! وما أعددت لها ؟ " . قال : ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله . قال : " أنت مع من أحببت " قال أنس : فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم بها . متفق عليه .

التالي السابق


5009 - ( وعن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله ! متى الساعة ؟ ) أي : وقت قيام القيامة ، ولما كان السؤال محتملا لأن يكون تعنتا وإنكارا لها ، وأن يكون تصديقا بها وإشفاقا منها واشتياقا للقاء ربها . ( قال ) : امتحانا له ( ويلك ! وما أعددت لها ؟ ) : وإلا لو تحقق عنده صلى الله عليه وسلم إيمانه بها وإيقانه إلا لقال له : ويحك بدل ويلك . ( قال : ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله ) : ولم يذكر غيره من العبادات القلبية والبدنية والمالية ; لأنها كلها فروع للمحبة مترتبة عليها ، ولأن المحبة هي أعلم منازل السائرين ، وأعلى مقامات الطائرين ، فإنها باعثة لمحبة الله أو نتيجة لها . قال تعالى : يحبهم ويحبونه وقال : " إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " فكان من المعلوم الواضح عندهم أن المحبة المجردة من غير المتابعة ليس لها كثير فائدة ولا كبير عائدة ، ( قال : أنت مع من أحببت ) أي : ملحق بمن غلب محبته على محبة غيره من النفس والأهل والمال ، ومدخل في زمرته ، ومن علامة المحبة الصادقة أن يختار أمر المحبوب وفيه على مراد غيره ، ولذا قالت رابعة العدوية :


تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمرك في القياس بديع لو كان حبك صادقا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع

.

[ ص: 3136 ] وقال الطيبي : سلك مع السائل طريق الأسلوب الحكيم ; لأنه سأل عن وقت الساعة ، فقيل له : فيم أنت من ذكراها ؟ وإنما يهمك أن تهتم بأهبتها ، وتعتني بما ينفعك عند إرسالها من العقائد الحقة والأعمال الصالحة . فأجاب بقوله : ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله اهـ . وبعده من المبنى والمعنى لا يخفى . ( قال أنس : فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام ) أي : بعد فرحهم به أو دخولهم فيه ( فرحهم ) : بفتحات أي : كفرحهم ( بها ) أي : بتلك الكلمة وهي : أنت مع من أحببت . قال الخطابي : ألحقه عليه السلام بحسن النية من غير زيادة عمل بأصحاب الأعمال الصالحة اهـ . ولا يخلو عن إيهام وإبهام ، والتحقيق أنهم حسبوا أن لا تحصل المعية بمجرد المحبة مع وجود المتابعة ، بل تتوقف على كثرة العبادات ، وزيادة الرياضات والمجاهدات ، ويدل عليه ما أورده عماد الدين ابن كثير في تفسيره بإسناده إلى عائشة قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ! إنك لأحب إلي من نفسي ، وأحب إلي من أهلي ، وأحب إلي من ولدي ، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك ، فأنظر إليك ، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين ، وإن دخلت الجنة خشيت أن لا أراك ، فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلت : " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا " فتبين بهذا أن المراد بالمعية هنا معية خاصة ، وهي أن تحصل فيها الملاقاة بين المحب والمحبوب ، لا أنهما يكونان في درجة واحدة ; لأنه بديهي البطلان .

وقد روى مالك عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في تفاضل الدرجات " قالوا : يا رسول الله ! أولئك النبيون . قال : " بلى والذي نفسي بيده أقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " يعني وأنهم عملوا بمقتضى إيمانهم وتصديقهم ما يدل على إيقانهم وتحقيقهم .

ثم جاء في حديث بيان كيفية الملاقاة المذكورة ، وهو ما ذكره ابن كثير في تفسيره عن ابن جرير ، حدثنا المثنى ، حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع في قوله تعالى : ( ومن يطع الله ورسوله ) الآية قال : إن أصحاب رسول الله قالوا : قد علمنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - له فضل على من آمن به في درجات الجنات ، وعلى من اتبعه وصدقه ، وكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضا ، فأنزل الله في ذلك يعني هذه الآية ، فقال : يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الأعلين ينحدرون إلى من هو أسفل منهم فيجتمعون في رياضها فيذكرون ما أنعم الله عليهم ، ويثنون عليه وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون به ، فهم في روضة يحبرون ويتنعمون " . ثم الظاهر أن هذه المعية والمواجهة والمجاملة تختلف باختلاف حسن المعاملة والله أعلم . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية