رب زدني علما وفهما ، واختم لي وللمسلمين بخير .
قال سيدنا وشيخنا ، الإمام العالم العامل العلامة ، البحر الحبر الفهامة ، المحقق المدقق ، ناصر السنة حافظ عصره ، ووحيد دهره ، شمس الدين سلطان الحفاظ والمحدثين ، أبو الخير محمد السخاوي الشافعي : [ خطبة المؤلف ] الحمد لله الذي جعل العلم بفنون الخبر مع العمل المعتبر بها إليه أتم وسيلة ، ووصل من أسند في بابه وانقطع إليه فأدرجه في سلسلة المقربين لديه ، وأوضح له المشكل الغريب وتعليله .
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد ، أنزل على عبده أحسن الحديث وعلمه تأويله .
وأشهد أن سيدنا محمد المرسل بالآيات الباهرة ، والمعجزات المتواترة ، والمخصوص بكل شرف وفضيلة ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأنصاره وحزبه ، الذين صار الدين بهم عزيزا ، بعد فشو كل شاذ ومنكر ورذيلة ، ورضي الله عن أتباعهم المعول على إجماعهم ممن اقتفى أثره وسلك سبيله ، صلاة وسلاما دائمين غير مضطربين ينال بهما العبد في الدارين تأميله .
[ مقدمة المؤلف ] وبعد : فهذا تنقيح لطيف ، وتلقيح للفهم المنيف ، شرحت فيه ألفية الحديث ، وأوضحت به ما اشتملت عليه من القديم والحديث ، ففتح من كنوزها المحصنة الأقفال كل مرتج ، وطرح عن رموزها الإشكال بأبين الحجج ، سابكا لها فيه ; بحيث لا تتخلص منه إلا بالتمييز ; لأنه أبلغ في إظهاره المعنى .
تاركا لمن لا يرى حسن ذلك في خصوص النظم والترجيز ; لكونه إن لم يكن متعنتا لم يذق الذي هو أهنى ، مراعيا فيه الاعتناء بالناظم رجاء بركته ، ساعيا في إفادة ما لا غنى عنه لأئمة الشأن وطلبته ، غير طويل ممل ، ولا قصير مخل ، استغناء عن [ ص: 16 ] تطويله بتصنيفي المبسوط المقرر المضبوط ، الذي جعلته كالنكت عليها وعلى شرحها للمؤلف .
وعلما بنقص همم أماثل الوقت فضلا عن المتعرف ، إجابة لمن سألني فيه من الأئمة ذوي الوجاهة والتوجيه ، ممن خاض معي في الشرح وأصله ، وارتاض فكره بما يرتقي به عن أقرانه وأهله .
نفعني الله وإياه والمسلمين بذلك ، ويسر لنا إلى كل خير أقرب المسالك بمنه وكرمه .
قال رحمه الله :
 1 - يقول راجي ربه المقتدر  عبد الرحيم بن الحسين الأثري         2 - من بعد حمد الله ذي الآلاء  
على امتنان جل عن إحصاء         3 - ثم صلاة وسلام دائم  
على نبي الخير ذي المراحم         4 - فهذه المقاصد المهمه  
توضح من علم الحديث رسمه         5 - نظمتها تبصرة للمبتدي  
تذكرة للمنتهي والمسند         6 - لخصت فيها   ابن الصلاح  أجمعه  
وزدتها علما تراه موضعه         7 - فحيث جاء الفعل والضمير  
لواحد ومن له مستور         8 - كـ " قال " أو أطلقت لفظ " الشيخ " ما  
أريد إلا   ابن الصلاح  مبهما         9 - وإن يكن لاثنين نحو " التزما "  فمسلم  
مع   البخاري  هما         10 - والله أرجو في أموري كلها  
معتصما في صعبها وسهلها     .  
( يقول ) من القول ، وهو لفظ دال على معنى مفيد كما هنا ، أو غير مفيد ، ( راجي ) اسم فاعل من " الرجاء " ضد الخوف ; وهو توقع ممكن يقتضي حصول ما فيه مسرة ، ( ربه ) أي : مالكه الإله الذي لا تطلق الربوبية على سواه .
( المقتدر ) على ما أراد ، وهو من صفات الجلال والعظمة ، ولذا كان أبلغ في قوة الرجاء ; إذ [ ص: 17 ] وجوده من استحضار صفات الجلال أدل على وجوده مع استحضار صفات الجمال لا سيما ، وبذلك يكون من باب قوله تعالى : ويرجون رحمته ويخافون عذابه [ الإسراء : 57 ] .
[ ترجمة صاحب الألفية ]
( عبد الرحيم ) بيان الراجي ، فاعل ( يقول ) ، أو بدل منه ، ( ابن الحسين ) ابن عبد الرحمن ، الزين أبو الفضل ( الأثري ) بفتح الهمزة والمثلثة ، نسبة إلى ( الأثر ) ، وهو لغة : البقية .
واصطلاحا : الأحاديث مرفوعة كانت أو موقوفة ، على المعتمد ، ومنه : " شرح معاني الآثار " ; لاشتماله عليهما ، وإن قصره بعض الفقهاء على الموقوف ، كما سيأتي في بابه ، وانتسب كذلك جماعة ، وحسن الانتساب إليه ممن يصنف في فنونه .
ويعرف أيضا بـ " العراقي " لكون جده كان يكتبها بخطه ، انتسابا لعراق العرب ، وهو القطر الأعم كما قاله ابنه .
كان إماما ، علامة ، مقرئا ، فقيها ، شافعي المذهب ، أصوليا ، منقطع القرين في فنون الحديث وصناعته ، ارتحل فيه إلى البلاد النائية ، وشهد له بالتفرد فيه أئمة عصره ، وعولوا عليه فيه ، وسارت تصانيفه فيه وفي غيره ، ودرس ، وأفتى ، وحدث ، وأملى ، وولي قضاء المدينة الشريفة نحو ثلاث سنين .
وانتفع به الأجلاء ، مع الزهد والورع ، والتحري في الطهارة وغيرها ، وسلامة الفطرة ، والمحافظة على أنواع العبادة ، والتقنع باليسير ، وسلوك التواضع والكرم والوقار ، مع الأبهة والمحاسن الجمة .
وقد أفرد ابنه ترجمته بالتأليف ، فلا نطيل فيها ، وهو [ ص: 18 ] في مجموعه كلمة إجماع ، وقد أخذت عن خلق من أصحابه .
وأما ألفيته وشرحها فتلقيتهما مع جل أصلهما دراية عن شيخنا إمام الأئمة وأجل جماعته ، والألفية فقط عن جماعة .
مات في شعبان سنة ست وثمانمائة ( 806 هـ ) عن أزيد من إحدى وثمانين سنة ، رحمه الله وإيانا .
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					