فهو وإن كان موقوفا لفظا ( من قبيل ما رفع ) الصحابي بصريح الإضافة ، كما ذهب إليه الجمهور من المحدثين وغيرهم ، وقطع به الخطيب ، ومن قبله الحاكم ; كما سيأتي .
وصححه من الأصوليين الإمام فخر الدين وأتباعه ، وعللوه بأن غرض الراوي بيان الشرع ، وذلك يتوقف على علم النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم إنكاره .
قال : وهو الذي عليه الاعتماد ; لأن ظاهر ذلك مشعر بأنه - صلى الله عليه وسلم - اطلع عليه وقررهم ، وتقريره كقوله وفعله . ابن الصلاح
قال الخطيب : ولو علم الصحابي إنكارا منه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، لبينه .
قال شيخنا : ( ويدل له احتجاج على جواز العزل بفعلهم له في زمن نزول الوحي ، فقال : أبي سعيد الخدري كنا نعزل والقرآن ينزل ، لو كان شيء ينهى عنه ، نهى عنه القرآن ، وهو استدلال واضح ; لأن الزمان زمان تشريع .
وكذا يدل له مجيء بعض ما أتى ببعض هذه الصيغ بصريح الرفع ( وقيل : لا ) يكون مرفوعا ، حكاه عن ابن الصلاح بلاغا أنه سأل البرقاني الإسماعيلي عنه ، [ ص: 150 ] فأنكر أن يكون مرفوعا ، كما خالف في نحو ( ( أمرنا ) ) ، يعني بل هو موقوف مطلقا قيد أم لا ، بخلاف القول الأول ، فهو مفصل ، فإن قيد بالعصر النبوي - كما تقدم - فمرفوع ( أو لا ) أي : وإن لم يقيد ( فلا ) يكون مرفوعا ( كذاك له ) أي ; حيث جزم به ، ولم يحك فيه غيره . لابن الصلاح
( و ) كذا ( للخطيب ) أيضا في الكفاية ، كما زاده الناظم مع أنه قد فهم عن مشترطي القيد في الرفع - وهم الجمهور كما تقدم - القول به .
ولذلك قال النووي في شرح مسلم : وقال الجمهور من المحدثين وأصحاب الفقه والأصول : إن لم يضفه ، فهو موقوف ( قلت : لكن ) قد ( جعله ) أي : هذا اللفظ الذي لم يقيد بالعصر النبوي ( مرفوعا الحاكم ) أبو عبد الله النيسابوري .
وعبارته في علومه : ومنه - أي : ومما لم يصرح فيه بذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - قول الصحابي المعروف بالصحبة : أمرنا أن نفعل كذا ، ونهينا عن كذا ، وكنا نؤمر بكذا ، وكنا ننهى عن كذا ، وكنا نفعل كذا ، وكنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينا كذا ، وكنا لا نرى بأسا بكذا ، وكان يقال كذا وكذا ، وقول الصحابي : من السنة كذا ، وأشباه ما ذكرنا ; إذا قاله الصحابي المعروف بالصحبة ، فهو حديث مسند ; أي : مرفوع .
وكذا جعله مرفوعا الإمام ) - نسبة بإلحاق الزاي فخر الدين ( الرازي للري ، مدينة مشهورة كبيرة من بلاد الديلم بين قومس والجبال - صاحب التفسير والمحصول [ ص: 151 ] ، ومناقب ، وشرح الوجيز الشافعي وغيرها ، وأحد الأئمة وهو للغزالي أبو عبد الله وأبو الفضائل محمد ( ابن الخطيب ) بالري ، تلميذ محيي السنة البغوي ، الإمام ضياء الدين عمر بن الحسين بن الحسن بن علي القرشي البكري التيمي الشافعي ، توفي بهراة في سنة ست وستمائة ( 606 هـ ) عن ثلاث وستين سنة ، كما نص على ذلك في ( ( المحصول ) ) .
ولم يفرقا بين المضاف وغيره ، وحينئذ فعن الفخر في المسألة قولان ، وقال ابن الصباغ في ( ( العدة ) ) : إنه الظاهر .
قال الناظم تبعا للنووي في شرح المهذب ، ( وهو القوي ) يعني من حيث المعنى ، زاد النووي : إنه ظاهر استعمال كثير من المحدثين ، وأصحابنا في كتب الفقه ، واعتمده الشيخان في صحيحيهما ، وأكثر منه . البخاري
قلت : ومما خرجه من أمثلة المسألة حديث عن سالم بن أبي الجعد جابر : ( ( كنا إذا صعدنا كبرنا ، وإذا هبطنا سبحنا ) ) .
ويتأيد القول بالرفع بإيراد له من وجه آخر عن النسائي جابر قال : كنا نسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا صعدنا . . . وذكره ، فتحصل في المسألة ثلاثة أقوال : الرفع مطلقا ، الوقف مطلقا ، التفصيل .
وفيها رابع أيضا ; وهو تفصيل آخر بين أن يكون ذلك الفعل مما لا يخفى غالبا فمرفوع ، أو يخفى ; كقول بعض الأنصار : ( ( كنا نجامع فنكسل ولا نغتسل ) ) [ ص: 152 ] فموقوف ، وبه قطع الشيخ ، وكذا قاله أبو إسحاق الشيرازي ابن السمعاني ، وحكاه النووي في شرح مسلم عن آخرين .
وخامس ، وهو أنه إن أورده في معرض الاحتجاج فمرفوع ، وإلا فموقوف ; حكاه القرطبي .
وسادس ، وهو أنه إن كان قائله من أهل الاجتهاد فموقوف ، وإلا فمرفوع .
وسابع : وهو الفرق بين كنا نرى ، وكنا نفعل ، بأن الأول مشتق من الرأي فيحتمل أن يكون مستنده تنصيصا أو استنباطا .
وتعليل وأتباعه كون " كنا نفعل " ونحوه حجة بأنه ظاهر في قول كل الأمة ، ولا يحسن معه إدراجهم مع القائلين بالأول ، كما فعل الشارح ; لاختلاف المدركين . السيف الآمدي
وكل ما أوردناه من الخلاف ; حيث لم يكن في القصة اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - ، أما إذا كان - كقول : كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي : ابن عمر أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان ، ويسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكره - فحكمه الرفع إجماعا .
ثم إن النفي كالإثبات - فيما تقدم - كما علم من التمثيل ، ولذلك مثل ابن الصباغ للمسألة بقول عائشة : كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه .
[ ص: 153 ]
110 - لكن حديث " كان باب المصطفى يقرع بالأظفار " مما وقفا 111 - حكما لدى الحاكم والخطيب
والرفع عند الشيخ ذو تصويب 112 - وعد ما فسره الصحابي
رفعا فمحمول على الأسباب 113 - وقولهم " يرفعه " أو " يبلغ به "
" رواية " " ينميه " رفع فانتبه 114 - وإن يقل " عن تابع " فمرسل
قلت من السنة عنه نقلوا 115 - تصحيح وقفه وذو احتمال
نحو " أمرنا منه " 116 - وما أتى عن صاحب بحيث لا للغزالي
يقال رأيا ، حكمه الرفع على 117 - ما قال في المحصول نحو " من أتى
" فالحاكم الرفع لهذا أثبتا 118 - وما رواه عن أبي هريره
محمد وعنه أهل البصره 119 - وكرر " قال " بعد فالخطيب
روى به الرفع وذا عجيب
" لكن حديث كان باب المصطفى " - صلى الله عليه وسلم - ( يقرع ) من الصحابة ( بالأظفار ) تأدبا وإجلالا ، كما عرف ذلك منهم في حقه .
وإن قال السهيلي : إنه لأن بابه الكريم لم يكن له حلق يطرق بها . ( مما وقفا حكما ) أي : حكمه الوقف ( لدى ) أي : عند ( الحاكم ) ، فإنه قال بعد أن أسنده ، كما سيأتي : هذا حديث يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا ; لذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ، وليس بمسند ; فإنه موقوف على صحابي ، حكى عن أقرانه من الصحابة فعلا ، وليس يسنده واحد منهم ( و ) كذا عند ( الخطيب ) أيضا في جامعه نحوه .
وإن أنكر البلقيني تبعا لبعض مشائخه وجوده فيه ، فعبارته في الموقوف الخفي [ ص: 154 ] الذي ذكر من أمثلته هذا الحديث - نصها : قد يتوهم أنه مرفوع لذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ، وإنما هو موقوف على صحابي ، حكى فيه عن غير النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلا ، وذلك متعقب عليهما ( والرفع ) في هذا الحديث ( عند الشيخ ) ( ذو تصويب ) . ابن الصلاح
قال : والحاكم معترف بكون ذلك من قبيل المرفوع ; يعني لأنه جنح إلى الرفع في غير المضاف ، فهو هنا أولى ; لكونه كما قال أحرى باطلاعه - صلى الله عليه وسلم - عليه . ابن الصلاح
قال : وقد كنا عددنا هذا فيما أخذنا عليه ، ثم تأولناه له على أنه أراد : أنه ليس بمسند لفظا ، بل هو موقوف لفظا ; كسائر ما تقدم ، وإنما جعلناه مرفوعا من حيث المعنى . انتهى .
وهو جيد ، وحاصله كما قال شيخنا أن له جهتين : جهة الفعل وهو صادر من الصحابة فيكون موقوفا ، وجهة التقرير وهو مضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث إن فائدة قرع بابه أنه يعلم أنه قرع ، ومن لازم علمه بكونه قرع مع عدم إنكار ذلك على فاعله - التقرير على ذلك الفعل ، فيكون مرفوعا ، لكن يخدش فيه أنه يلزم منه أن يكون جميع قسم التقرير يجوز أن يسمى موقوفا ; لأن فاعله غير النبي - صلى الله عليه وسلم - قطعا ، وإلا فما اختصاص حديث القرع بهذا الإطلاق .
قلت : والظاهر أنه يلتزمه في غير التقرير الصريح كهذا الحديث ، وغيره لا يلزمه ، ويستأنس له بمنع الإمام أحمد وابن مبارك من رفع حديث " حذف السلام سنة " كما سيأتي في آخر هذه الفروع ، على أنه يحتمل أن الحاكم ترجح عنده احتمال كون القرع بعده - صلى الله عليه وسلم - بأن الاستئذان في حياته كان ببلال أو برباح أو بغيرهما ، وربما كان بإعلام المرء بنفسه .
بل في حديث عن بسر بن سعيد زيد بن [ ص: 155 ] ثابت : احتجر النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد حجرة ، وفيه : أنه لم يخرج إليهم ليلة ، وقال : فتنحنحوا ورفعوا أصواتهم وحصبوا بابه ، ولم يجئ في خبر صريح الاستئذان عليه بالقرع .
وإن فائدة ذكر القرع مع كونه بعده ما تضمنه من استمرارهم على مزيد الأدب بعده ; إذ حرمته ميتا كحرمته حيا ، وإذا كان كذلك ، فهو موقوف مطلقا . فالله أعلم .
والحديث المشار إليه أخرجه الحاكم في علومه ، وكذا في الأمالي كما عزاه إليها البيهقي في مدخله حيث أخرجه عن راو ، ورواه أبو نعيم في المستخرج على علوم الحديث ، له عن راو آخر ، كلاهما عن أحمد بن عمرو الزيبقي ، بالزاي المكسورة المشددة ثم تحتانية ، عن زكريا بن يحيى المنقري ، عن ، عن الأصمعي كيسان مولى هشام بن حسان ، في رواية أبي نعيم عن ، وفي رواية الآخرين عن هشام بن حسان محمد بن حسان ، زاد البيهقي : هو أخو ، وهو حسن الحديث . هشام بن حسان
ثم اتفقوا عن ، زاد محمد بن سيرين أبو نعيم في روايته : عن عمرو بن وهب ، ثم اتفقوا عن ، رضي الله تعالى عنه ، قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرعون بابه بالأظافير . المغيرة بن شعبة
وفي الباب عن أنس ، أخرجه الخطيب في جامعه من طريق ، أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي وضرار بن صرد شيخ حميد بن الربيع فيه ، كلاهما عن المطلب بن زياد الثقفي ، ثم افترقا .
ففي رواية أبي غسان : أخبرني أبو بكر بن عبد الله الأصبهاني عن محمد بن مالك بن المنتصر .
وفي رواية حميد : ثنا عمر بن سويد ، يعني العجلي ، كلاهما عن قال : كان باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرع بالأظافير . لفظ أنس بن مالك حميد ، ولفظ الآخر : كانت أبواب النبي . والباقي سواء ، [ ص: 156 ] وكذا أخرجه في الأدب المفرد والتأريخ عن البخاري أبي غسان ، في مسنده عن والبزار حميد بن الربيع عن ضرار به .