[ الفرع الخامس ] ( وإن يقل ) ، وهو الفرع الخامس ، وقدم على ما بعده ; لاشتراكه مع الذي قبله في أكثر صيغه ، وتوالى كلام واحد من الألفاظ المتقدمة في الفرع قبله من راو ( عن تابع ) من التابعين ( فمرسل ) مرفوع بلا خلاف ، ولذا قال ابن الصلاح ابن القيم : جزما .
( قلت ) : و ( من السنة ) كذا ( عنه ) أي : عن التابعي ; كقول التابعي : عبيد الله بن عبد الله بن عتبة السنة تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى ، حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات ( نقلوا تصحيح وقفه ) على الصحابي من الوجهين اللذين حكاهما النووي في شروحه لمسلم ، والمهذب ، والوسيط لأصحاب ، أهو موقوف متصل أو مرفوع مرسل ؟ وهو ممن صحح أيضا أولهما . الشافعي
وحينئذ فيفرق بينها وبين ما قبلها من صيغ هذا الفرع ; حيث اختلف الحكم فيهما بأن " يرفع الحديث " تصريح بالرفع ، وقريب منه ما ذكر معها بخلاف " من السنة " ، فيطرقها احتمال إرادة سنة الخلفاء الراشدين .
فكثيرا ما يعبرون بها فيما يضاف إليهم ، وقد يريدون سنة البلد ، وهذا الاحتمال وإن قيل به في الصحابي فهو في التابعي أقوى ; ولذلك اختلف الحكم في الموضعين ، كما افترق فيما تقرر من التابعي نفسه .
نعم ألحق رحمه الله بالصحابة الشافعي في " من السنة " ، فروى في الأم عن سعيد بن المسيب سفيان ، عن أبي الزناد قال : سئل عن [ ص: 160 ] الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته ، قال : يفرق بينهما . قال سعيد بن المسيب أبو الزناد : فقلت : سنة ؟ فقال سعيد : سنة ، قال : والذي يشبه قول الشافعي سعيد : سنة ، أن يكون أراد سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وكذا قال : إذا قال ابن المديني سعيد : " مضت السنة " ، فحسبك به . وحينئذ فهو مستثنى من التابعين كالمرسل ، على ما سيأتي .
أما إذا جاء عن التابعي : " كنا نفعل " ، فليس بمرفوع قطعا ولا بموقوف إن لم يضفه لزمن الصحابة ، بل مقطوع ، فإن أضافه احتمل الوقف ; لأن الظاهر اطلاعهم على ذلك ، وتقريرهم له ، ويحتمل عدمه ; لأن تقرير الصحابي لا ينسب إليه ، بخلاف تقريره - صلى الله عليه وسلم - .
( وذو احتمال ) للإرسال والوقف ( نحو أمرنا ) بالبناء للمفعول ، بكذا ، إذا أتى ( منه ) أي : من التابعي ( ) في المستصفى ; فإنه قال : إذا قال التابعي : " أمرنا بكذا " يحتمل أنه يريد أمر الشارع ، أو أمر كل الأمة ، فيكون حجة ، أو بعض الصحابة فلا ، ومن ذلك ينشأ احتمالا الرفع والوقف . للغزالي
ولكن قوله : " فيكون حجة " كأنه يريد في الجملة ، إن شمل الأول فإنه مرسل ، ثم إنه لم يصرح بترجيح واحد منهما ، نعم يؤخذ من كلامه ترجيح إرادة الرفع أو الإجماع ; وذلك أنه قال بعد قوله : " فلا " لكن لا يليق بالعالم أن يطلق ذلك ، إلا وهو يريد من تجب طاعته .
وجزم في " العدة " في أصول الفقه بأنه مرسل ، وحكى في أبو نصر بن الصباغ هل يكون ما يأتي به من ذلك حجة وجهين . سعيد بن المسيب
وأما إذا قال التابعي : " كانوا يفعلون كذا " فلا يدل - كما قال النووي في شرح مسلم تبعا - على فعل جميع الأمة ، بل على البعض ، فلا حجة فيه إلا أن يصرح [ ص: 161 ] بنقله عن أهل الإجماع ، فيكون نقلا للإجماع ، وفي ثبوته بخبر الواحد خلاف ، والذي قاله أكثر الناس واختاره للغزالي أنه لا يثبت . الغزالي
وذهبت طائفة - وهو اختيار الرازي - إلى ثبوته ، وبه جزم الماوردي ، وقال : وليس آكد من سنن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي تثبت به ، قال : وسواء كان من أهل الاجتهاد أم لا ، أما إذا قال : لا أعرف بينهم فيه خلافا ، فإن كان من أهل الاجتهاد فاختلف أصحابنا ; فأثبت الإجماع به قوم ، ونفاه آخرون ، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد ، ولا ممن أحاط علما بالإجماع والاختلاف - لم يثبت الإجماع بقوله .