[ مرسل الصحابي ] ( أما ) الخبر ( الذي أرسله الصحابي ) الصغير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ;   كابن عباس  ،  وابن الزبير  ، ونحوهما ممن لم يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا اليسير ، وكذا الصحابي الكبير فيما ثبت عنه أنه لم يسمعه إلا بواسطة .  
( فحكمه الوصل ) المقتضي للاحتجاج به ; لأن غالب رواية الصغار منهم عن الصحابة ، وروايتهم عن غيرهم - كما قال  النووي  في شرح المهذب - زيادة ، فإذا رووها بينوها ، وحيث أطلقوا ، فالظاهر أنهم عنوا الصحابة . انتهى .  
ولا شك أنهم عدول لا يقدح فيهم الجهالة بأعيانهم ، وأيضا فما يرويه عن التابعين ، غالبه بل عامته إنما هو من الإسرائيليات ، وما أشبهها من الحكايات ، وكذا الموقوفات ، والحكم المذكور ( على الصواب ) المشهور ، بل أهل الحديث وإن سموه مرسلا ، لا خلاف بينهم في الاحتجاج به ، وإن نقل  ابن كثير  عن  ابن الأثير  وغيره فيه خلافا .  
وقول الأستاذ   أبي إسحاق الإسفرائيني  وغيره من أئمة      [ ص: 193 ] الأصول : أنه لا يحتج به - ضعيف ، وإن قال  ابن برهان  في الأوسط : إنه الصحيح ; أي لا فرق بين مراسيل الصحابة ومراسيل غيرهم .  
وقال القاضي  عبد الجبار     : إن مذهب   الشافعي  ، أن الصحابي إذا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا ، قبل إلا إن علم أنه أرسله ، وكذا نقله   ابن بطال  في أوائل شرحه   للبخاري  عن   الشافعي     ; فالنقل بذلك عن   الشافعي  خلاف المشهور من مذهبه .  
وقد صرح  ابن برهان  في الوجيز أن مذهبه أن المراسيل لا يجوز الاحتجاج بها ، إلا مراسيل الصحابة ، ومراسيل  سعيد  ، وما انعقد الإجماع على العمل به .  
أما من أحضر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مميز ;   كعبيد الله بن عدي بن الخيار  ، [ فإنه ليس له سوى رؤية ، كما قاله   ابن حبان  ، ونحوه قول  البغوي     : بلغني أنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .  
ولذا حمل شيخنا ما في   البخاري  من أن  عثمان     - رضي الله عنه - قال له : يابن أخي ، أدركت النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : لا ، على أن مراده أنه لم يدرك السماع منه ] .  
وكمحمد بن أبي بكر     - رضي الله عنهما - ; فإنه ولد عام حجة الوداع ، فهذا مرسل ،      [ ص: 194 ] لكن لا يقال : إنه مقبول ; كمراسيل الصحابة ; لأن رواية الصحابة إما أن تكون عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن صحابي آخر ، والكل مقبول .  
واحتمال كون الصحابي الذي أدرك وسمع يروي عن التابعين - بعيد جدا ، بخلاف مراسيل هؤلاء ; فإنها عن التابعين بكثرة ، فقوي احتمال أن يكون الساقط غير الصحابي ، وجاء احتمال كونه غير ثقة .  
واعلم أنه قد تكلم العلماء في عدة الأحاديث التي صرح   ابن عباس  بسماعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكان من الغريب قول   الغزالي  في المستصفى وقلده جماعة : إنها أربعة ليس إلا .  
وعن   يحيى القطان  ،   وابن معين  ،  وأبي داود  صاحب السنن : تسعة ، وعن   غندر     : عشرة ، وعن بعض المتأخرين : أنها دون العشرين من وجوه صحاح .  
وقد اعتنى شيخنا بجمع الصحيح والحسن فقط من ذلك ، فزاد على الأربعين ، سوى ما هو في حكم السماع ; كحكاية حضور شيء فعل بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأشار شيخنا لذلك ، عقب قول   البخاري  في الحديث الثالث من باب الحشر من الرقائق : هذا مما يعد أن   ابن عباس  سمعه .  
خاتمة : المرسل مراتب : أعلاها : ما أرسله صحابي ثبت سماعه ، ثم صحابي له رؤية فقط ، ولم يثبت سماعه ، ثم المخضرم ، ثم المتقن ;   كسعيد بن المسيب  ، ويليها من كان يتحرى في شيوخه ;   كالشعبي  ومجاهد  ، ودونها مراسيل من كان يأخذ عن كل أحد كالحسن .  
 [ ص: 195 ] وأما مراسيل صغار التابعين ; كقتادة   والزهري   وحميد الطويل     - فإن غالب رواية هؤلاء عن التابعين .  
وهل يجوز تعمده ؟ قال شيخنا : إن كان شيخه الذي حدثه به عدلا عنده وعند غيره فهو جائز بلا خلاف ، أو لا فممنوع بلا خلاف ، أو عدلا عنده فقط أو عند غيره فقط ، فالجواز فيهما محتمل ، بحسب الأسباب الحاملة عليه ، الآتي في التدليس الإشارة لشيء منها .  
وقد بسطنا الكلام في هذا النوع بالنسبة لما قبله ; لكونه - كما قال  النووي  في الإرشاد - من أجل الأبواب ، فإنه أحكام محضة ، ويكثر استعماله بخلاف غيره .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					