الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ الكتب المصنفة في الموضوع ] ويوجد الموضوع كثيرا في الكتب المصنفة في الضعفاء ، وكذا في العلل ، ( و ) لقد ( أكثر الجامع فيه ) مصنفا نحو مجلدين ( إذ خرج ) عن موضوع كتابه ( لمطلق الضعف ) ; حيث أخرج فيه كثيرا من الأحاديث الضعيفة التي لا دليل معه على وضعها .

و ( عنى ) ابن الصلاح بهذا الجامع الحافظ الشهير ( أبا الفرج ) بن الجوزي ، بل ربما أدرج فيها الحسن ، والصحيح [ ص: 313 ] مما هو في أحد الصحيحين ، فضلا عن غيرهما ، وهو مع إصابته في أكثر ما عنده توسع منكر ، ينشأ عنه غاية الضرر من ظن ما ليس بموضوع بل هو صحيح موضوعا ، مما قد يقلده فيه العارف تحسينا للظن به ; حيث لم يبحث فضلا عن غيره .

ولذا انتقد العلماء صنيعه إجمالا ، والموقع له فيه إسناده في غالبه بضعف راويه الذي رمي بالكذب مثلا ، غافلا عن مجيئه من وجه آخر .

وربما يكون اعتماده في التفرد قول غيره ممن يكون كلامه فيه محمولا على النسبي ، هذا مع أن مجرد تفرد الكذاب بل الوضاع ، ولو كان بعد الاستقصاء في التفتيش من حافظ متبحر تام الاستقراء - غير مستلزم لذلك ، بل لا بد معه من انضمام شيء مما سيأتي .

ولذا كان الحكم به من المتأخرين عسيرا جدا ، وللنظر فيه مجال ، بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث والتوسع في حفظه ; كشعبة والقطان ، وابن مهدي ونحوهم ، وأصحابهم مثل أحمد وابن المديني ، وابن معين ، وابن راهويه ، وطائفة ، ثم أصحابهم مثل البخاري ، ومسلم ، وأبي داود ، والترمذي ، والنسائي .

وهكذا إلى زمن الدارقطني والبيهقي ، ولم يجئ بعدهم مساو لهم ، ولا مقارب . أفاده العلائي ، وقال : ( فمتى وجدنا في كلام أحد من المتقدمين الحكم به ، كان معتمدا ; لما أعطاهم الله من الحفظ الغزير ، وإن اختلف النقل عنهم ، عدل إلى الترجيح ) . انتهى .

وفي جزمه باعتمادهم في جميع ما حكموا به من ذلك توقف ، ثم إن من العجب إيراد ابن الجوزي في كتابه ( العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ) كثيرا مما أورده [ ص: 314 ] في الموضوعات كما أن في الموضوعات كثيرا من الأحاديث الواهية ، بل قد أكثر في تصانيفه الوعظية ، وما أشبهها من إيراد الموضوع وشبهه .

قال شيخنا : وفاته من نوعي الموضوع والواهي في الكتابين قدر ما كتب .

قال : ( ولو انتدب شخص لتهذيب الكتاب ثم لإلحاق ما فاته ، لكان حسنا ، وإلا فما تقرر عدم الانتفاع به إلا للناقد ; إذ ما من حديث إلا ويمكن ألا يكون موضوعا ، وهو والحاكم في مستدركه على الصحيحين طرفا نقيض ، يعني فإنه أدرج فيه الحسن ، بل والضعيف ، وربما كان فيه الموضوع .

وممن أفرد بعد ابن الجوزي في الموضوع كراسة الرضي الصغاني اللغوي ، ذكر فيها أحاديث من ( الشهاب ) للقضاعي ، و ( النجم ) للإقليشي وغيرهما كـ ( الأربعين ) لابن ودعان ، و ( فضائل العلماء ) لمحمد بن سرور البلخي ، و ( الوصية ) لعلي بن أبي طالب ، و ( خطبة الوداع وآداب النبي - صلى الله عليه وسلم - ) وأحاديث أبي الدنيا الأشج ، ونسطور [ ص: 315 ] ، ويغنم بن سالم ، ودينار الحبشي ، وأبي هدبة إبراهيم بن هدبة ، ونسخة سمعان عن أنس و ( الفردوس ) للديلمي ، وفيها الكثير أيضا من الصحيح والحسن ، وما فيه ضعف يسير .

وقد أفرده الناظم في جزء ، وللجوزقاني أيضا " كتاب الأباطيل " أكثر فيه من الحكم بالوضع لمجرد مخالفة السنة .

قال شيخنا : وهو خطأ ، إلا إن تعذر الجمع ; ومن ذلك حديث : لا يؤمن عبد قوما ، فيخص نفسه بدعوة دونهم . . . . . الحديث ، حكم عليه بعضهم بالوضع ; لأنه قد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي ، وهذا خطأ لإمكان حمله على ما لم يشرع للمصلي من الأدعية ، بخلاف ما يشترك فيه الإمام والمأموم .

وكذا صنف عمر بن بدر الموصلي كتابا سماه " المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم : لم يصح شيء في هذا الباب " وعليه فيه مؤاخذات كثيرة ، وإن كان له في كل من أبوابه سلف من الأئمة خصوصا المتقدمين ، [ ونحو هذا أشياء كلية [ ص: 316 ] منتقد كثير فيها ; كقول : كل حديث فيه : يا حميراء ، وكل حديث فيه زبد البحر ، وأما قولهم : حديث كذا ليس أصلا ، ولا أصل له فقال ابن تيمية : معناه ليس له إسناد ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية