[ ص: 423 ] 49 - قالوا : أحاديث متناقضة
الحياء والبيان
قالوا : رويتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949955إن الله يحب الحيي العيي المتعفف ، وإن الله يبغض البليغ من الرجال ، ثم رويتم
أن العباس سأله فقال : ما الجمال ؟ فقال : في اللسان ، وأنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949957إن من البيان لسحرا .
وقد قال الله - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خلق الإنسان علمه البيان ، فجعل البيان نعمة من نعمه التي عددها .
وذكر النساء بقلة البيان فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=18أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ، فدل على نقص النساء بقلة البيان ، وهذه أشياء مختلفة .
[ ص: 424 ] قال
أبو محمد : ونحن نقول : إنه ليس هاهنا اختلاف بنعمة الله تعالى ولكل شيء منها موضع ، فإذا وضع به زال الاختلاف .
أما قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949958إن الله يحب الحيي العيي المتعفف ، فإنه يريد السليم الصدر القليل الكلام القطيع عن الحوائج لشدة الحياء ، ويدل على ذلك أنه قال بعقب هذا الكلام : ويبغض الفاحش السأال الملحف ، وهذا ضد الأول ، والله سبحانه لا يحب عباده على فضل اللد وطول اللسان ولطف الحيلة ، وإن كانت في ذلك منافع وفي بعضه زينة .
وجاء في الحديث :
أكثر أهل الجنة البله ، يراد الذين سلمت صدورهم للناس وغلبت عليهم الغفلة .
وأنشدنا
للنمر بن تولب :
ولقد لهوت بطفلة ميالة بلهاء تطلعني على أسرارها
وذكر
علي - رضي الله عنه - زمانا فقال : خير أهل ذلك الزمان كل نومة ، يعني الميت الداء أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم ، ليسوا بالعجل المذاييع البذر .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949959إن الله يحب الأخفياء [ ص: 425 ] الأتقياء الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا ، وإذا حضروا لم يعرفوا .
وقال
علي - رضي الله عنه - في خطبة له : ألا إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين ، وأهل النار في النار معذبين ، شرورهم مأمونة وقلوبهم محزونة ، وأنفسهم عفيفة وحوائجهم خفيفة ، صبروا أياما يسيرة لعقبى راحة طويلة ، أما الليل فصافون أقدامهم ، تجري دموعهم على خدودهم مما يجأرون إلى ربهم ربنا ربنا ، وأما النهار فحلماء علماء ، بررة أتقياء ، كأنهم القداح ، ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى ، وما بالقوم من مرض ، وخولطوا ولقد خالط القوم أمر عظيم .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن الفتى الذي كلم
أيوب - عليه السلام - في بلائه فقال له :
يا أيوب ، أما علمت أن لله عبادا أسكتتهم خشية الله من غير عي بهم ولا بكم ، وأنهم لهم النبلاء النطقاء الفصحاء العالمون بالله - عز وجل - وأيامه ، ولكنهم كانوا إذا ذكروا عظمة الله تعالى تقطعت قلوبهم وكلت ألسنتهم وطاشت عقولهم فرقا من الله - عز وجل - وهيبة له ، فهذه الخلال هي التي يحبها الله - عز وجل - وهي المؤدية إلى الفوز في الآخرة ، ولا ينكر - مع هذا - أن يكون الجمال في اللسان ، ولا أن تكون المروءة في البيان ، ولا أنه زينة من زين الدنيا ، وبهاء من بهائها ، ما صحبه الاقتصاد وساسه العقل ، ولم يمل به الاقتدار على القول إلى أن يصغر عظيما عند الله تعالى ، أو يعظم صغيرا ، أو ينصر الشيء ، وضده كما يفعل من لا دين له .
وهذا هو البليغ الذي يبغضه الله - عز وجل - هو الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949960أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون المتشدقون .
[ ص: 426 ] وإن
nindex.php?page=treesubj&link=27140أبغض الناس إلى الله تعالى من اتقاه الناس للسانه .
nindex.php?page=hadith&LINKID=949957وإن من البيان لسحرا يريد أن منه ما يقرب البعيد ويباعد القريب ، ويزين القبيح ويعظم الصغير ، فكأنه سحر ، وما قام مقام السحر أو أشبهه ، أو ضارعه فهو مكروه كما أن السحر محرم .
قال
أبو محمد : حدثني
حسين بن الحسن المروزي قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك قال : حدثنا
معمر ، عن
يحيى بن المختار ، عن
الحسن قال : إذا شئت لقيته أبيض بضا حديد النظر ميت القلب والعمل ، أنت أبصر به من نفسه ، ترى أبدانا ولا قلوب ، وتسمع الصوت ولا أنيس ، أخصب ألسنة وأجدب قلوبا .
[ ص: 423 ] 49 - قَالُوا : أَحَادِيثُ مُتَنَاقِضَةٌ
الْحَيَاءُ وَالْبَيَانُ
قَالُوا : رُوِّيتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949955إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْحَيِيَّ الْعَيِيَّ الْمُتَعَفِّفَ ، وَإِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الْبَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ ، ثُمَّ رُوِّيتُمْ
أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَهُ فَقَالَ : مَا الْجَمَالُ ؟ فَقَالَ : فِي اللِّسَانِ ، وَأَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949957إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا .
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ، فَجَعَلَ الْبَيَانَ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِهِ الَّتِي عَدَّدَهَا .
وَذَكَرَ النِّسَاءَ بِقِلَّةِ الْبَيَانِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=18أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ، فَدَلَّ عَلَى نَقْصِ النِّسَاءِ بِقِلَّةِ الْبَيَانِ ، وَهَذِهِ أَشْيَاءُ مُخْتَلِفَةٌ .
[ ص: 424 ] قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ : وَنَحْنُ نَقُولُ : إِنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا اخْتِلَافٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا مَوْضِعٌ ، فَإِذَا وُضِعَ بِهِ زَالَ الِاخْتِلَافُ .
أَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949958إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْحَيِيَّ الْعَيِيَّ الْمُتَعَفِّفَ ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ السَّلِيمَ الصَّدْرِ الْقَلِيلَ الْكَلَامِ الْقَطِيعَ عَنِ الْحَوَائِجِ لِشِدَّةِ الْحَيَاءِ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بِعَقِبِ هَذَا الْكَلَامِ : وَيَبْغَضُ الْفَاحِشَ السَّأَّالَ الْمُلْحِفَ ، وَهَذَا ضِدُّ الْأَوَّلِ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُحِبُّ عِبَادَهُ عَلَى فَضْلِ اللَّدِّ وَطُولِ اللِّسَانِ وَلُطْفِ الْحِيلَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي ذَلِكَ مَنَافِعُ وَفِي بَعْضِهِ زِينَةٌ .
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ :
أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ ، يُرَادُ الَّذِينَ سَلِمَتْ صُدُورُهُمْ لِلنَّاسِ وَغَلَبَتْ عَلَيْهِمُ الْغَفْلَةُ .
وَأَنْشَدْنَا
لِلنَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ :
وَلَقَدْ لَهَوْتُ بِطِفْلَةٍ مَيَّالَةٍ بَلْهَاءَ تُطْلِعُنِي عَلَى أَسْرَارِهَا
وَذَكَرَ
عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زَمَانًا فَقَالَ : خَيْرُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ كُلُّ نُوَّمَةٍ ، يَعْنِي الْمَيِّتَ الدَّاءِ أُولَئِكَ أَئِمَّةُ الْهُدَى وَمَصَابِيحُ الْعِلْمِ ، لَيْسُوا بِالْعُجُلِ الْمَذَايِيعِ الْبُذُرِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949959إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَخْفِيَاءَ [ ص: 425 ] الْأَتْقِيَاءَ الْأَبْرِيَاءَ الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا ، وَإِذَا حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا .
وَقَالَ
عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خُطْبَةِ لَهُ : أَلَا إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا كَمَنْ رَأَى أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ مُخَلَّدِينَ ، وَأَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ مُعَذَّبِينَ ، شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ وَقُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ وَحَوَائِجُهُمْ خَفِيفَةٌ ، صَبَرُوا أَيَّامًا يَسِيرَةً لِعُقْبَى رَاحَةٍ طَوِيلَةٍ ، أَمَّا اللَّيْلُ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ ، تَجْرِي دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ مِمَّا يَجْأَرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ رَبَّنَا رَبَّنَا ، وَأَمَّا النَّهَارُ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ ، بَرَرَةٌ أَتْقِيَاءُ ، كَأَنَّهُمُ الْقِدَاحُ ، يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَقُولُ مَرْضَى ، وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ ، وَخُولِطُوا وَلَقَدْ خَالَطَ الْقَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ .
وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْفَتَى الَّذِي كَلَّمَ
أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي بَلَائِهِ فَقَالَ لَهُ :
يَا أَيُّوبُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِلَّهِ عِبَادًا أَسْكَتَتْهُمْ خَشْيَةُ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ عَيٍّ بِهِمْ وَلَا بَكَمٍ ، وَأَنَّهُمْ لَهُمُ النُّبَلَاءُ النُّطَقَاءُ الْفُصَحَاءُ الْعَالِمُونَ بِاللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَأَيَّامِهِ ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا ذَكَرُوا عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى تَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَلَّتْ أَلْسِنَتُهُمْ وَطَاشَتْ عُقُولُهُمْ فَرَقًا مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَهَيْبَةً لَهُ ، فَهَذِهِ الْخِلَالُ هِيَ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَهِيَ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى الْفَوْزِ فِي الْآخِرَةِ ، وَلَا يُنْكَرُ - مَعَ هَذَا - أَنْ يَكُونَ الْجَمَالُ فِي اللِّسَانِ ، وَلَا أَنْ تَكُونَ الْمُرُوءَةُ فِي الْبَيَانِ ، وَلَا أَنَّهُ زِينَةٌ مِنْ زِيَنِ الدُّنْيَا ، وَبَهَاءٌ مِنْ بَهَائِهَا ، مَا صَحِبَهُ الِاقْتِصَادُ وَسَاسَهُ الْعَقْلُ ، وَلَمْ يَمِلْ بِهِ الِاقْتِدَارُ عَلَى الْقَوْلِ إِلَى أَنْ يُصَغِّرَ عَظِيمًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ يُعَظِّمَ صَغِيرًا ، أَوْ يَنْصُرَ الشَّيْءَ ، وَضِدُّهُ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ لَا دِينَ لَهُ .
وَهَذَا هُوَ الْبَلِيغُ الَّذِي يَبْغَضُهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - هُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949960أَبْغَضُكُمْ إِلَيَّ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ .
[ ص: 426 ] وَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27140أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَنِ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِلِسَانِهِ .
nindex.php?page=hadith&LINKID=949957وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا يُرِيدُ أَنَّ مِنْهُ مَا يُقَرِّبُ الْبَعِيدَ وَيُبَاعِدُ الْقَرِيبُ ، وَيُزَيِّنُ الْقَبِيحَ وَيُعَظِّمُ الصَّغِيرَ ، فَكَأَنَّهُ سِحْرٌ ، وَمَا قَامَ مَقَامَ السِّحْرِ أَوْ أَشْبَهَهُ ، أَوْ ضَارَعَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا أَنَّ السِّحْرَ مُحَرَّمٌ .
قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ : حَدَّثَنِي
حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16418عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ : حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ الْمُخْتَارِ ، عَنِ
الْحَسَنِ قَالَ : إِذَا شِئْتَ لَقِيتَهُ أَبْيَضَ بَضًّا حَدِيدَ النَّظَرِ مَيِّتَ الْقَلْبِ وَالْعَمَلِ ، أَنْتَ أَبْصَرَ بِهِ مِنْ نَفْسِهِ ، تَرَى أَبْدَانًا وَلَا قُلُوبَ ، وَتَسْمَعُ الصَّوْتَ وَلَا أَنِيسَ ، أَخْصَبُ أَلْسِنَةٍ وَأَجْدَبُ قُلُوبًا .