12 - . هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - على دين قومه قبل البعثة ؟
قالوا : رويتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : ما كفر بالله نبي قط ، وأنه بعث إليه ملكان فاستخرجا من قلبه - وهو صغير - علقة ثم غسلا قلبه ثم رداه إلى مكانه
ثم رويتم ، أنه كان على دين قومه أربعين سنة ، وأنه زوج ابنتيه عتبة بن أبي لهب وهما كافران وأبا العاص بن الربيع ، .
قالوا : وفي هذا تناقض واختلاف وتنقص لرسول الله - صلى الله عليه وسلم .
قال أبو محمد : ونحن نقول : إنه ليس لأحد فيه بنعمة الله متعلق ولا مقال ، إذا عرف معناه ، لأن العرب جميعا من ولد إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - خلا اليمن . ولم يزالوا على بقايا من دين أبيهم إبراهيم - صلى الله عليه وسلم . ومن ذلك حج البيت وزيارته والختان والنكاح وإيقاع الطلاق ، إذا كان ثلاثا ، وللزوج الرجعة في الواحدة والاثنتين ، ودية النفس مائة من الإبل ، والغسل من الجنابة ، واتباع الحكم في المبال في الخنثى ، وتحريم ذوات المحارم بالقرابة والصهر والنسب - وهذه أمور مشهورة عنهم .
[ ص: 177 ] وكانوا مع ذلك يؤمنون بالملكين الكاتبين قال الأعشى وهو جاهلي :
فلا تحسبني كافرا لك نعمة على شاهدي يا شاهد الله فاشهد
. يريد : على لساني يا ملك الله فاشهد بما أقول .ويؤمن بعضهم بالبعث والحساب ، قال زهير بن أبي سلمى ، وهو جاهلي لم يلحق الإسلام في قصيدته المشهورة التي تعد من السبع :
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل فينقم
وكانوا يقولون في البلية - وهي الناقة تعقل عند قبر صاحبها ، فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت - : " إن صاحبها يجيء يوم القيامة راكبها ، وإن لم يفعل أولياؤه ذلك بعده ، جاء حافيا راجلا " وقد ذكرها أبو زبيد فقال :
كالبلايا رءوسها في الولايا ما نحات السموم حر الخدود
وكانوا يقورون البرذعة ويدخلونها في عنق تلك الناقة ، فقال النابغة :
محلتهم ذات الإله ودينهم قويم فما يرجون غير العواقب
يريد الجزاء بأعمالهم ومحلتهم الشام [ ص: 178 ] وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على دين قومه ، يراد على ما كانوا عليه من الإيمان بالله ، والعمل بشرائعهم في الختان والغسل والحج والمعرفة بالبعث والقيامة والجزاء ، وكان مع هذا لا يقرب الأوثان ولا يعيبها ، وقال : بغضت إلي ، غير أنه كان لا يعرف فرائض الله تعالى ، والشرائع التي شرعها لعباده على لسانه ، حتى أوحي إليه .
وكذلك قال الله تعالى : ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى يريد ضالا عن تفاصيل الإيمان والإسلام وشرائعه ، فهداك الله - عز وجل - وكذلك قوله تعالى : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان يريد : ما كنت تدري ما القرآن ولا شرائع الإيمان ، ولم يرد الإيمان الذي هو الإقرار ، لأن آباءه الذين ماتوا على الكفر والشرك كانوا يعرفون الله تعالى ويؤمنون به ، ويحجون له ويتخذون آلهة من دونه يتقربون بها إليه تعالى ، وتقربهم فيما ذكروا منه ، ويتوقون الظلم ، ويحذرون عواقبه ، ويتحالفون على أن لا يبغى على أحد ، ولا يظلم .
وقال عبد المطلب لملك الحبشة ، حين سأله حاجته فقال : " إبل ذهبت لي " . فعجب منه كيف لم يسأله الانصراف عن البيت ، فقال : " إن لهذا البيت من يمنع منه " أو كما قال .
[ ص: 179 ] فهؤلاء كانوا يقرون بالله تعالى ، ويؤمنون به ، فكيف لا يكون الطيب الطاهر المطهر يؤمن به قبل الوحي ؟ وهذا لا يخفى على أحد ولا يذهب عليه أن مراد الله تعالى في قوله : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان أن الإيمان : شرائع الإيمان .
قال أبو محمد : ومعنى هذا الحديث أنه كان على دين إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - وقومه هؤلاء ، لا أبو جهل وغيره من الكفار ، لأن الله تعالى حكى عن إبراهيم فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم وقال لنوح : إنه ليس من أهلك يعني ابنه لما كان على غير دينه .
وأما تزويجه ابنتيه كافرين فهذا أيضا من الشرائع التي كان لا يعلمها ، وإنما تقبح الأشياء بالتحريم وتحسن بالإطلاق والتحليل . وليس في تزويجهما كافرين ، قبل أن يحرم الله تعالى عليه إنكاح الكافرين ، وقبل أن ينزل عليه الوحي ، ما يلحق به كفرا بالله تعالى .