24 - . قتل الكلاب
قالوا : رويتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : وقال : لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ولكن اقتلوا منها كل أسود بهيم قالوا : فكأنه إنما قتله لأنه أسود أو لأنه شيطان مع عفوه عن جماعة الكلاب ، لأنها أمة وليس في كونها أمة علة تمنع من القتل ولا توجبه ، قالوا : ثم رويتم أنه - عليه السلام - أمر بقتل الكلاب حتى لم يبق الأسود شيطان بالمدينة كلب ، فكيف قتلها وهي أمة أولا منعه ذلك من قتلها ؟ .
قالوا : وقد صارت العلة التي بها عفا عنها هي العلة التي قتلها لها .
قال أبو محمد : ونحن نقول : إن كل جنس خلقه الله تعالى من الحيوان أمة كالكلاب والأسد والبقر والغنم والنمل والجراد ، وما أشبه هذا ، كما أن الناس أمة ، وكذلك الجن أمة يقول الله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم [ ص: 207 ] يريد أنها مثلنا في طلب الغداء والعشاء وابتغاء الرزق وتوقي المهالك ، وكذلك الجن قد خاطبهم الله تعالى كما خاطبنا إذ يقول يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ولو أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب على كل حال لأفنى أمة وقطع أثرها .
وفي الكلاب منافع للناس في حراسة منازلهم وحفظ نعمهم وحرثهم مع الارتفاق بصيدها فإن كثيرا من الأعراب ونازلة القفر لا غذاء لهم ولا معاش إلا بها والله تعالى يقول : فكلوا مما أمسكن عليكم وفي ذلك دليل على أنه تعالى خلقها لمنافعنا .
وقد كان أبو عبيدة يذكر أن رجلين سافرا ومع أحدهما كلب له فوقع عليهما اللصوص فقاتل أحدهما حتى غلب وأخذ فدفن وترك رأسه بارزا وجاءت الغربان وسباع الطير فحامت حوله تريد أن تنهشه وتقلع عينيه ورأى ذلك كلب كان معه فلم يزل ينبش التراب عنه حتى استخرجه ومن قبل ذلك قد فر صاحبه وأسلمه . قال : ففي ذلك يقول الشاعر : .
يعرد عنه جاره ورفيقه وينبش عنه كلبه وهو ضاربه
وليس لشيء من الحيوان مثل محاماته على أهله وذبه عنهم مع الإساءة إليه والطرد والضرب .[ ص: 208 ] والأخبار عن الكلاب في هذا كثيرة صحاح ونكره الإطالة بذكرها وليست تخلو الكلاب من أن تكون أمة من أمم السباع أو تكون أمة من الجن ، كما قال : الكلاب أمة من الجن وهي ضعفة الجن فإذا غشيتكم عند طعامكم فألقوا لها فإن لها أنفسا . يعني أن لها عيونا تصيب بها . ابن عباس
والنفس : العين يقال : أصابت فلانا نفس أي عين وقال أيضا الجان مسيخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل ، ولا يبعد أيضا أن تكون الكلاب كذلك وهذه الأمور لا تدرك بالنظر والقياس والعقول وإنما ينتهى فيها إلى ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو ما قاله من سمع منه وشاهده فإنهم لا يقضون على مثله إلا بسماع منه أو سماع ممن سمعه أو بخبر صادق من خبر الكتب المتقدمة وليس هو من أمور الفرائض والسنن ، وليس علينا وكف ولا نقص من أن تكون الكلاب من السباع أو الجن أو الممسوخ ، فإن كانت من السباع فإنما أمر بقتل الأسود منها وقال : هو شيطان لأن الأسود البهيم منها أضرها وأعقرها ، والكلب إليه أسرع منه إلى جمعها وهو مع هذا أقلها نفعا وأسوؤها حراسة وأبعدها من الصيد وأكثرها نعاسا . وقال هو شيطان يريد أنه أخبثها كما يقال فلان شيطان وما هو إلا شيطان مارد ، وما هو إلا أسد عاد وما هو إلا ذئب عاد يراد أنه شبيه بذلك .
[ ص: 209 ] وإن كانت الكلاب من الجن أو كانت ممسوخا من الجن فإنما أراد أن الأسود منها شيطانها فاقتلوه لضره والشيطان هو مارد الجن والجن هم الضعفة والجن أضعف من الجن .
وأما قتله كلاب المدينة فليس فيه نقض لقوله لأن لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها المدينة في وقته - صلى الله عليه وسلم - مهبط وحي الله تعالى مع ملائكته كما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . والملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة
حدثني محمد بن خالد بن خداش قال حدثني مسلم بن قتيبة عن عن يونس بن أبي إسحاق مجاهد عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي هريرة جبريل - عليه السلام - لم يمنعني من الدخول عليك البارحة إلا أنه كان على باب بيتك ستر فيه تصاوير وكان في بيتك كلب فمر به فليخرج وكان الكلب جروا قال لي للحسن والحسين تحت نضد لهم .
وهذا دليل على أنها كما تكره الكلاب في البيوت تكره أيضا في المصر فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتلها أو بالتخفيف منها فيما قرب منها وأمسك عن سائرها مما بعد من مهبط الملائكة ومنزل الوحي .
قال أبو محمد : النضد السرير ، لأن الثياب تنضد فوقه .