[ ص: 221 ] قالوا حديث يبطله القياس .
27 - . الاجتهاد في القضاء
قالوا : رويتم أن يقضي بين قوم ، وأن عمرو بن العاص عمرا قال له أقضي يا رسول الله وأنت حاضر ؟ فقال له : اقض بينهم فإن أصبت فلك عشر حسنات وإن أخطأت فلك حسنة واحدة قالوا : وهذا الحكم لا يجوز على الله تبارك وتعالى ، وذلك أن الاجتهاد الذي يوافق الصواب من عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر عمرو هو الاجتهاد الذي يوافق الخطأ ، وليس عليه أن يصيب إنما عليه أن يجتهد وليس يناله في موافقة الصواب من العمل والقصد والعناية واحتمال المشقة إلا ما يناله مثله في موافقته الخطأ ، فبأي معنى يعطى في أحد الاجتهادين حسنة وفي الآخر عشرا .
قال أبو محمد : ونحن نقول إن الاجتهاد مع موافقة الصواب ، ليس كالاجتهاد مع موافقة الخطأ . ولو كان هذا على ما أسس كاناليهود والنصارى والمجوس [ ص: 222 ] والمسلمون سواء وأهل الآراء المختلفة سواء إذا اجتهدوا وآراءهم وأنفسهم فأرتهم عقولهم أنهم على الحق وأن مخالفيهم على الخطأ قال أبو محمد : ولكنا نقول إن من وراء اجتهاد كل امرئ توفيق الله تعالى وفي هذا كلام يطول وليس هذا موضعه .
ولو أن رجلا وجه رسولين في بغاء ضالة له وأمرهما بالاجتهاد والجد في طلبها ، ووعدهم الثواب إن وجداها فمضى أحدهما خمسين فرسخا في طلبها وأتعب نفسه وأسهر ليله ورجع خائبا ، ومضى الآخر فرسخا وادعا ورجع واجدا ، ألم يكن أحقهما بأجزل العطية وأعلى الحباء الواجد ؟ وإن كان الآخر قد احتمل من المشقة والعناء أكثر مما احتمله الآخر ؟ فكيف بهما إذا استويا ؟ وقد يستوي الناس في الأعمال ويفضل الله - عز وجل - من يشاء ، فإنه لا دين لأحد عليه ولا حق له قبله . قال أبو محمد : وقرأت في الإنجيل أن المسيح - عليه السلام - قال للحواريين : " مثل ملكوت السماء مثل رجل خرج غلسا يستأجر عمالا لكرمه فشرط لكل عامل دينارا في اليوم ، ثم أرسلهم إلى كرمه ثم خرج في ثلاث ساعات ، فرأى قوما بطالين في السوق ، فقال اذهبوا أنتم أيضا إلى الكرم فإني سوف أعطيكم الذي ينبغي لكم ، فانطلقوا ثم خرج في ست ساعات وفي تسع ساعات وفي إحدى عشر ساعة ، ففعل مثل ذلك فلما أمسى [ ص: 223 ] قال لأمينه : أعط العمال أجورهم ثم ابدأ بآخرهم حتى تبلغ أولهم فأعطاهم فسوى بينهم في العطية ، فلما أخذوا حقوقهم سخطوا على رب الكرم ، وقالوا : إنما عمل هؤلاء ساعة واحدة فجعلتهم أسوتنا في الأجرة ، فقال إني لم أظلمكم ، أعطيتكم الشرط وجدت لهؤلاء ، والمال مالي أصنع به ما أشاء . كذلك يكون الأولون الآخرين والآخرون الأولين .