[ ص: 43 ] بسم الله الرحمن الرحيم  
مدخل المصنف إلى علم ناسخ الحديث ومنسوخه  
خلاصة كتابه وأهميته - صعوبة علم ناسخ الحديث ومنسوخه -   الزهري  يستعظم هذا العلم - الإمام   الشافعي  كشف أسرار هذا العلم - الإمام  أحمد  أخذ هذا العلم عن   الشافعي     - معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه من تتمات الاجتهاد - قول للإمام  علي  يوضح ذلك - رواية عن  حذيفة     -   ابن عباس  وناسخ الحديث ومنسوخه - شدة اعتناء الصحابة بمعرفة الناسخ والمنسوخ - منزلة السنة من القرآن .  
بسم الله الرحمن الرحيم  
الحمد لله ، وصلواته على  محمد   وآله وسلامه ، قال الشيخ الإمام الحافظ   زين الدين أبو بكر محمد بن موسى الحازمي     :  
الحمد لله الكبير المتعال ، الكثير النوال ، المنعم المفضال ، الموصوف بالقدرة والكمال ، والعزة والجلال ، المقدس عن سمات النقص وصنوف الزوال : منشئ السحاب الثقال ، ومخرج الودق من الخلال ، وصلى الله على خيرته من خلقه  محمد   المبعوث بنسخ آثار الضلال ، ورفع الآصار والأغلال ، صلى الله عليه وعلى آله خير صحاب وأفضل آل .  
 [ ص: 44 ] أما بعد : فهذا الكتاب أذكر فيه ما انتهت إلي معرفته من  ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنسوخه ،   إذ هو علم جليل ذو غور وغموض ، دارت فيه الرءوس ، وتاهت في الكشف عن مكنونه النفوس ، وقد توهم بعض من لم يحظ من معرفة الآثار إلا بآثار ، ولم يحصل من طرائق الأخبار إلا أخبارا ، أن الخطب فيه جليل يسير ، والمحصول منه قليل غير كثير .  
ومن أمعن النظر في اختلاف الصحابة في الأحكام المنقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتضح له ما قلناه .  
ويشهد لصحة ما رسمناه ما أخبرنيه   أبو موسى محمد بن عمر الحافظ ،  أخبرنا  أبو علي الحسن بن أحمد ،  أخبرنا  أبو نعيم ،  حدثنا  أبو حامد بن جبلة ،  حدثنا  محمد بن إسحاق ،  حدثنا  عبيد الله بن سعد ،  حدثنا   هارون بن معروف ،  حدثنا  ضمرة بن رجاء بن أبي سلمة  عن  أبي رزين ،  قال : سمعت   الزهري  يقول : أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنسوخه .  
ألا ترى   الزهري  وهو أحد من انتهى إليه علم الصحابة ، وعليه مدار      [ ص: 45 ] حديث  الحجاز ،   وهو القائل : " لم يدون هذا العلم أحد قبلي تدويني " وكان إليه المرجع في الحديث ، وعليه المعول في الفتيا ، كيف استعظم هذا الشأن مخبرا عن فقهاء الأمصار .  
ثم لا نعلم أحدا جاء بعده تصدى لهذا الفن ولخصه ، وأمعن فيه وخصصه إلا ما يوجد من بعض الإيماء والإشارة في عرض الكلام عن آحاد الأئمة ، حتى جاء   أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي     - رضي الله عنه - فإنه خاض تياره وكشف أسراره واستنبط معينه ، واستخرج دفينه ، واستفتح بابه ، ورتب أبوابه .  
أخبرنا الإمام  أبو عبد الله الحسن بن العباس  الفقيه في كتابه ، عن  أبي مسعود الحافظ ،  أخبرنا  أحمد بن عبد الله ،  حدثنا  محمد بن حميد بن سهل ،  حدثنا   عبد الله بن محمد بن ناجية  قال : سمعت   محمد بن مسلم بن وارة   [ ص: 46 ] يقول : قدمت من  مصر   فأتيت   أبا عبد الله أحمد بن حنبل  أسلم عليه ، فقال لي : كتبت كتب   الشافعي     - رضي الله عنه - ؟ قلت : لا . قال : فرطت ، ما عرفنا المجمل من المفسر ، ولا ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منسوخه حتى جالسنا   الشافعي     .  
 [ ص: 47 ] وقد ذكر   الشافعي     - رضي الله عنه - في كتاب " الرسالة " من هذا الفن أحاديث ، ولم يستنزف معينه فيها ، إذ لم يضع الرسالة لهذا الفن وحده ، غير أنه أشار إلى قطعة صالحة توجد في غضون الأبواب من كتبه ، ولو كانت موجودة لأغنت الباحث عن الطلب ، والطالب عن تجشم الكلف ، غير أنها بموت الرجال تفرقت ، وفي أيدي النوائب تمزقت .  
ثم هذا الفن من تتمات الاجتهاد ؛ إذ الركن الأعظم في باب الاجتهاد معرفة النقل ، ومن فوائد النقل معرفة الناسخ والمنسوخ ، إذ الخطب في ظواهر الأخبار يسير ، وتجشم كلفها غير عسير . وإنما الإشكال في كيفية استنباط الأحكام من خفايا النصوص ، ومن التحقيق فيها معرفة أول الأمرين وآخرهما ، إلى غير ذلك من المعاني .  
 [ ص: 48 ] أخبرنا   أبو العلاء الحسن بن أحمد الحافظ ،  أخبرنا  أبو علي الحسن بن أحمد القاري ،  أخبرنا  أحمد بن حفص الفقيه ،  أخبرنا  أبو الفرج عثمان بن أحمد بن إسحاق البرجي ،  أخبرنا  أبو حفص محمد بن عمر بن حفص ،  حدثنا  أبو جعفر أحمد بن محمد بن الحسين ،  حدثنا  الحسين بن حفص ،  حدثنا  سفيان ،  عن  أبي حصين ،  عن  أبي عبد الرحمن  قال :  مر  علي  على قاص فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال : لا . قال : " هلكت وأهلكت "     .  
 [ ص: 49 ] أخبرني  أبو العباس أحمد بن المبارك بن محمد ،  أخبرنا  أبو العباس أحمد بن الحسين بن علي ،  أخبرنا  أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد ،  أخبرنا   أبو بكر بن محمد بن إسماعيل الوراق ،  أخبرنا   أبو بكر بن أبي داود ،  حدثنا  إسحاق بن إبراهيم ،  حدثنا  حجاج ،  حدثنا   يزيد بن إبراهيم ،  حدثنا  إبراهيم بن العلاء الغنوي أبو هارون ،  عن   سعيد بن أبي الحسن ،  أنه لقي  أبا يحيى المعرقب ،  فقال له : من الذي قال له : اعرفوني اعرفوني ؟ قال : ذاك يا  سعيد  أني أنا هو . قال : ما عرفت أنك هو . قال : فإني أنا هو ، مر بي  علي     - رضي الله عنه - وأنا أقص  بالكوفة ،   فقال لي : من أنت ؟ فقلت : أنا  أبو يحيى     . قال : لست  بأبي يحيى ،  ولكنك تقول : اعرفوني اعرفوني . ثم قال : هل علمت الناسخ من المنسوخ ؟ قلت : لا . قال : هلكت وأهلكت . فما عدت بعد أن أقص على أحد ، أنافعك ذاك يا  سعيد ؟     .  
أخبرني  أبو موسى الحافظ ،  أخبرنا  أبو علي ،  أخبرنا  أبو القاسم ،  حدثنا   سليمان بن أحمد ،  حدثنا  إسحاق بن إبراهيم ،  حدثنا  عبد الرزاق ،  عن  معمر ،  عن  أيوب ،  عن   ابن سيرين ،  قال :  سئل  حذيفة  عن شيء فقال :  إنما يفتي أحد ثلاثة : من عرف الناسخ والمنسوخ ،   قالوا : ومن يعرف ذلك ؟ قال :  عمر  أو رجل ولي سلطانا ، فلا يجد من ذلك بدا ، أو متكلف     .      [ ص: 50 ] قرأت على  أبي القاسم الحذاء ،  أخبركه  أبو سعد أحمد بن محمد المقري ،  أخبرنا   أبو الحسن علي بن عمر ،  أخبرنا   محمد بن إسماعيل ،  حدثنا  عبد الله بن سليمان ،  حدثنا  عبد الله بن محمد بن النعمان ،  حدثنا  أبو نعيم ،  حدثنا  سلمة بن نبيط بن شريط الأشجعي ،  حدثني   الضحاك بن مزاحم ،  قال :  مر   ابن عباس  بقاص يقص فركضه برجله ، فقال : أتدري ما الناسخ من المنسوخ ؟ قال : وما الناسخ من المنسوخ ؟ قال : وما تدري ما الناسخ من المنسوخ : قال : لا . قال : هلكت ، وأهلكت     .  
والآثار في هذا الباب تكثر جدا ، وإنما أوردنا نبذة منها ليعلم  شدة اعتناء الصحابة بمعرفة الناسخ والمنسوخ   في كتاب الله تعالى ، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - إذ شأنهما واحد .  
أخبرني  محمد بن عمر بن أحمد المديني الحافظ ،  أخبرنا   الحسن بن أحمد القاري ،  أخبرنا  أبو نعيم ،  أخبرنا   أبو أحمد الغطريفي ،  أخبرنا  أحمد بن موسى العدوي ،  حدثنا  إسماعيل بن سعيد الجرجاني ،  أخبرنا   محمد بن جعفر ،  عن   جرير بن عثمان ،  عن   عبد الرحمن بن أبي عوف ،  عن   المقدام بن معدي كرب ،  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه - ثلاثا - ألا يوشك رجل شبعان على أريكته - أي : سريره - يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه     .  
وقبل الشروع في المقصود لا بد من ذكر مقدمة تكون مدخلا إلى معرفة المطلب ، نذكر فيه حقيقة النسخ ولوازمه وتوابعه .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					