ويعرف ذلك بأمارات عدة :
منها : أن يكون لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - مصرحا به نحو قوله - عليه السلام - : كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها .
أو يكون لفظ الصحابي ناطقا به ، نحو حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس .
ومنها : أن يكون التاريخ معلوما نحو ما رواه أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله إذا جامع أحدنا فأكسل ؟ فقال النبي : يغسل ما مس المرأة منه ، وليتوضأ ثم ليصل .
[ ص: 57 ] هذا حديث يدل على أن لا غسل مع الإكسال ، وأن موجب الغسل الإنزال ، ثم لما استقرأنا طرق هذا الحديث أفادنا بعض الطرق أن شرعية هذا كان في مبدأ الإسلام ، واستمر ذلك إلى بعد الهجرة بزمان .
ثم وجدنا الزهري قد سأل عروة عن ذلك فأجابه عروة أن عائشة - رضي الله عنها - حدثته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك ولا يغتسل . وذلك قبل فتح مكة ، ثم اغتسل بعد ذلك وأمر الناس بالغسل .
ومنها : أن تجتمع الأمة في حكمه على أنه منسوخ ، فهذه معظم أمارات النسخ ، وعند الكوفيين زيادات أخر نحو حسن الظن بالراوي ، وهو كما ذكر الطحاوي في كتابه ؛ فإنه روى الأحاديث الصحيحة في غسل الإناء سبع مرات من ولوغ الكلب ، ثم جاء إلى حديث [ ص: 58 ] عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن أبي هريرة رضي الله [ ص: 59 ] عنه موقوفا عليه قال : إذا ولغ الكلب في الإناء فأهرقه ، ثم اغسله ثلاث مرات . فاعتمد على هذا الأثر ، وترك الأحاديث الثابتة في الولوغ ، واستدل به على نسخ السبع على حسن الظن بأبي هريرة ؛ لأنه لا يخالف النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عنه ، إلا فيما يثبت عنده نسخه ، إلى غير ذلك من نظائره التي لا يكترث بها .


