السابع : هل يجوز ؟ اختلف أهل العلم فيه : فمنهم من منع من ذلك مطلقا ، بناء على القول بالمنع من النقل بالمعنى مطلقا . اختصار الحديث الواحد ، ورواية بعضه دون بعض
ومنهم من منع من ذلك ، مع تجويزه النقل بالمعنى إذا لم يكن قد رواه على التمام مرة أخرى ، ولم يعلم أن غيره قد رواه على التمام .
ومنهم من جوز ذلك [ ص: 216 ] وأطلق ولم يفصل .
وقد روينا عن مجاهد أنه قال : " انقص من الحديث ما شئت ، ولا تزد فيه " .
والصحيح التفصيل ، وأنه يجوز ذلك من العالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما نقله ، غير متعلق به ، بحيث لا يختل البيان ، ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه ، فهذا ينبغي أن يجوز ، وإن لم يجز النقل بالمعنى ; لأن الذي نقله والذي تركه - والحالة هذه - بمنزلة خبرين منفصلين في أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر .
ثم هذا إذا كان رفيع المنزلة ، بحيث لا يتطرق إليه في ذلك تهمة ، نقله أولا تماما ، ثم نقله ناقصا ، أونقله أولا ناقصا ، ثم نقله تاما .
فأما إذا لم يكن كذلك ، فقد ذكر الخطيب الحافظ : أن من روى حديثا على التمام ، وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان أن يتهم بأنه زاد في أول مرة ما لم يكن سمعه ، أو أنه نسي في الثاني باقي الحديث لقلة ضبطه ، وكثرة غلطه ، فواجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه .
وذكر : أن من روى بعض الخبر ، ثم أراد أن ينقل تمامه ، وكان ممن يتهم بأنه زاد في حديثه ، كان ذلك عذرا له في ترك الزيادة وكتمانها . الإمام أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي الفقيه
قلت : من كان هذا حاله فليس له من الابتداء أن يروي الحديث غير تام ، إذا كان قد تعين عليه أداء تمامه ; لأنه إذا رواه [ ص: 217 ] أولا ناقصا أخرج باقيه عن حيز الاحتجاج به ، ودار : بين أن لا يرويه أصلا فيضيعه رأسا ، وبين أن يرويه متهما فيه فيضيع ثمرته لسقوط الحجة فيه ، والعلم عند الله تعالى .
وأما ، فهو إلى الجواز أقرب ، ومن المنع أبعد ، وقد فعله تقطيع المصنف متن الحديث الواحد ، وتفريقه في الأبواب مالك ، والبخاري ، وغير واحد من أئمة الحديث ، ولا يخلو من كراهية ، والله أعلم .