[ ص: 156 ] النوع الرابع من أنواع الإجازة : ، أو بالمجهول ، ويتشبث بذيلها الإجازة للمجهول ، وذلك مثل أن يقول : " أجزت الإجازة المعلقة بالشرط لمحمد بن خالد الدمشقي " ، وفي وقته ذلك جماعة مشتركون في هذا الاسم ، والنسب ، ثم لا يعين المجاز له منهم . أو يقول : " أجزت لفلان أن يروي عني كتاب السنن " وهو يروي جماعة من كتب السنن المعروفة بذلك ، ثم لا يعين .
فهذه إجازة فاسدة لا فائدة لها .
وليس من هذا القبيل ما إذا أجاز لجماعة مسمين ، معينين بأنسابهم ، والمجيز جاهل بأعيانهم غير عارف بهم ، فهذا غير قادح ، كما لا يقدح عدم معرفته به إذا حضر شخصه في السماع منه ، والله أعلم .
وإن أجاز للمسمين المنتسبين في الاستجازة ، ولم يعرفهم بأعيانهم ، ولا بأنسابهم ، ولم يعرف عددهم ، ولم يتصفح أسماءهم واحدا فواحدا ، فينبغي أن يصح ذلك أيضا كما يصح سماع من حضر مجلسه للسماع منه ، وإن لم يعرفهم أصلا ولم يعرف عددهم ، ولا تصفح أشخاصهم واحدا واحدا .
وإذا قال : " أجزت لمن يشاء فلان " ، أو نحو ذلك ، فهذا فيه جهالة ، وتعليق بشرط ، فالظاهر أنه لا يصح ، وبذلك أفتى القاضي ، إذ سأله أبو الطيب الطبري الشافعي الخطيب الحافظ عن ذلك ، وعلل بأنه إجازة لمجهول ، فهو كقوله : " أجزت لبعض الناس " من غير [ ص: 157 ] تعيين . وقد يعلل ذلك أيضا بما فيها من التعليق بالشرط ، فإن ما يفسد بالجهالة يفسد بالتعليق ، على ما عرف عند قوم .
وحكى الخطيب ، عن أبي يعلى بن الفراء الحنبلي ، أنهما أجازا ذلك ، وهؤلاء الثلاثة كانوا مشايخ مذاهبهم ببغداد إذ ذاك . وأبي الفضل بن عمروس المالكي
وهذه الجهالة ترتفع في ثاني الحال عند وجود المشيئة ، بخلاف الجهالة الواقعة فيما إذا أجاز لبعض الناس . وإذا قال : ( أجزت لمن شاء ) فهو كما لو قال ( أجزت لمن شاء فلان ) بل هذه أكثر جهالة ، وانتشارا ، من حيث إنها معلقة بمشيئة من لا يحصر عددهم بخلاف تلك . ثم هذا فيما إذا أجاز لمن شاء الإجازة منه له .
فإن أجاز لمن شاء الرواية عنه فهذا أولى بالجواز ، من حيث إن مقتضى كل إجازة تفويض الرواية بها إلى مشيئة المجاز له ، فكان هذا - مع كونه بصيغة التعليق - تصريحا بما يقتضيه الإطلاق وحكاية للحال ، لا تعليقا في الحقيقة . ولهذا أجاز بعض أئمة الشافعيين في البيع أن يقول : ( بعتك هذا بكذا إن شئت ) ، فيقول : ( قبلت ) .
ووجد بخط أبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي الحافظ : [ ص: 158 ] " أجزت رواية ذلك لجميع من أحب أن يروي ذلك عني " .
أما إذا قال : ( أجزت لفلان كذا وكذا إن شاء روايته عني ، أو لك إن شئت ، أو أحببت ، أو أردت ) ، فالأظهر الأقوى أن ذلك جائز ، إذ قد انتفت فيه الجهالة ، وحقيقة التعليق ، ولم يبق سوى صيغته ، والعلم عند الله تعالى .