فصل :
nindex.php?page=treesubj&link=2313البكاء على الميت
فأما البكاء بلا ندب ولا نياحة فمباح ، لما فيه من تخفيف الحزن وتعجيل السلو ، وقد روى
ثمامة بن عبد الله عن
أنس بن مالك nindex.php?page=hadith&LINKID=922034أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع إبراهيم عليه السلام في حجره وهو يجود بنفسه فقال : " لولا أنه موعد صادق ، ووعد جامع ، وأن الماضي فرط للباقي ، وأن الآخر لاحق بالأول ، لحزنا عليك يا إبراهيم " ثم دمعت عيناه ، فقال : " تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضاه الرب ، وإنا بك يا إبراهيم محزونون ، الحق بالسلف الصالح عثمان بن مظعون " .
وروى
أبو أمامة قال :
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات ابنه إبراهيم عليه السلام ، وعيناه تدمعان ، فقال : يا نبي الله تبكي على هذا السخل ، والذي بعثك بالحق لقد دفنت اثني عشر ولدا كلهم أشف منه ، كلهم أدفنهم في التراب أحياء . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فما ذنبي إن كانت الرحمة ذهبت منك " ، وروى
ابن عباس قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=922036لما ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه عثمان بن مظعون بالحصبة " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون . قال : وبكى النساء " فجعل عمر بن الخطاب يضربهن بسوطه ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده ، وقال : " دعهن يا عمر ، قال : إياكن ونعيق الشيطان فإنه مهما يكن من العين والقلب فمن الله عز وجل ومن الرحمة ، ومهما يكن من اللسان واليد فمن الشيطان " قال : وبكت فاطمة رضي الله عنها على شفير القبر ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الدموع عن عينها بطرف ثوبه، وقيل
إنه صلى الله عليه وسلم زوج عثمان ابنته أم كلثوم على شفير قبر رقية .
[ ص: 69 ] فأما رواية
عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922038إن الله ليعذب الميت ببكاء أهله عليه " فقد ذكر ذلك
ابن عباس لعائشة رضي الله عنها بعد موت
عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922039رحم الله عمر ، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله ليعذب الميت ببكاء أهله عليه " حسبكم القرآن " nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=18ولا تزر وازرة وزر أخرى ، [ فاطر 18 ] ، وكلا الحديثين يفتقر إلى تأويل ، وليس يمكن حمل واحد منهما على ظاهره ، فلأصحابنا ثلاثة تأويلات :
أحدها : ما روته
عمرة عن
عائشة رضي الله عنها
nindex.php?page=hadith&LINKID=922040أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتاز على قبر يهودي ، وأهله يبكون عليه ، فقال : إنه ليبكى عليه ، وإنه ليعذب في قبره فقال ذلك إخبارا عن حاله .
والتأويل الثاني : أنه أراد بذلك ما يبكى به الجاهلي من حروبه وقتله وغاراته ، فيظنون أن ذكر ذلك رحمة له فيكون عذابا عليه .
والتأويل الثالث : ذكره
المزني : أنه وارد فيمن وصى بالبكاء ، فقد كانوا يفعلون ذلك وقال شاعر منهم :
.
فإن مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا ابنة معبد
فإذا عمل بذلك بعده كان زائدا في عذابه لقوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=922041من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " .
فَصْلٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=2313الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ
فَأَمَّا الْبُكَاءُ بِلَا نَدْبٍ وَلَا نِيَاحَةٍ فَمُبَاحٌ ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْفِيفِ الْحُزْنِ وَتَعْجِيلِ السُّلُوِّ ، وَقَدْ رَوَى
ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=922034أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حِجْرِهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَقَالَ : " لَوْلَا أَنَّهُ مَوْعِدٌ صَادِقٌ ، وَوَعْدٌ جَامِعٌ ، وَأَنَّ الْمَاضِيَ فَرَطٌ لِلْبَاقِي ، وَأَنَّ الْآخِرَ لَاحِقٌ بِالْأَوَّلِ ، لَحَزِنَّا عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ " ثُمَّ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ ، فَقَالَ : " تَدْمَعُ الْعَيْنُ ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَاهُ الرَّبُّ ، وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ مَحْزُونُونَ ، الْحَقْ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ " .
وَرَوَى
أَبُو أُمَامَةَ قَالَ :
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ تَبْكِي عَلَى هَذَا السَّخْلِ ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ دَفَنْتُ اثْنَيْ عَشَرَ وَلَدًا كُلُّهُمْ أَشَفُّ مِنْهُ ، كُلُّهُمْ أَدْفِنُهُمْ فِي التُّرَابِ أَحْيَاءً . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَمَا ذَنْبِي إِنْ كَانَتِ الرَّحْمَةُ ذَهَبَتْ مِنْكَ " ، وَرَوَى
ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=922036لَمَّا مَاتَتْ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَجَّهَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ بِالْحَصْبَةِ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْحَقِي بِسَلَفِنَا الْخَيْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ . قَالَ : وَبَكَى النِّسَاءُ " فَجَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَضْرِبُهُنَّ بِسَوْطِهِ ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ، وَقَالَ : " دَعْهُنَّ يَا عُمَرُ ، قَالَ : إِيَّاكُنَّ وَنَعِيقَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَكُنْ مِنَ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ فَمِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنَ الرَّحْمَةِ ، وَمَهْمَا يَكُنْ مِنَ اللِّسَانِ وَالْيَدِ فَمِنَ الشَّيْطَانِ " قَالَ : وَبَكَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ ، فَجَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ الدُّمُوعَ عَنْ عَيْنِهَا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ، وَقِيلَ
إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ عُثْمَانَ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِ رُقَيَّةَ .
[ ص: 69 ] فَأَمَّا رِوَايَةُ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922038إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمَيِّتَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " فَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ
ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922039رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ ، وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمَيِّتَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " حَسْبُكُمُ الْقُرْآنُ " nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=18وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ، [ فَاطِرٍ 18 ] ، وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ يَفْتَقِرُ إِلَى تَأْوِيلٍ ، وَلَيْسَ يُمْكِنُ حَمْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى ظَاهِرِهِ ، فَلِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ :
أَحَدُهَا : مَا رَوَتْهُ
عَمْرَةُ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=922040أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَازَ عَلَى قَبْرِ يَهُودِيٍّ ، وَأَهْلُهُ يَبْكُونَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : إِنَّهُ لَيُبْكَى عَلَيْهِ ، وَإِنَهُ لَيُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ فَقَالَ ذَلِكَ إِخْبَارًا عَنْ حَالِهِ .
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي : أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا يُبْكَى بِهِ الْجَاهِلِيُّ مِنْ حُرُوبِهِ وَقَتْلِهِ وَغَارَاتِهِ ، فَيَظُنُّونَ أَنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ رَحْمَةٌ لَهُ فَيَكُونُ عَذَابًا عَلَيْهِ .
وَالتَّأْوِيلُ الثَّالِثُ : ذَكَرَهُ
الْمُزَنِيُّ : أَنَّهُ وَارِدٌ فِيمَنْ وَصَّى بِالْبُكَاءِ ، فَقَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَقَالَ شَاعِرٌ مِنْهُمْ :
.
فَإِنْ مِتُّ فَانْعَيْنِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ
فَإِذَا عُمِلَ بِذَلِكَ بَعْدَهُ كَانَ زَائِدًا فِي عَذَابِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=922041مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا ، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " .