مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن كان ناسيا فلا قضاء عليهما للخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكل الناسي .
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا فهو على صومه ، ولا قضاء عليه ولا كفارة . وطئ الصائم ناسيا في نهاره ، أو أكل ناسيا
وقال مالك وربيعة : عليه القضاء والكفارة وقال أحمد بن حنبل : عليه القضاء في الأمرين والكفارة في الجماع ، واستدلوا بأن قالوا : لأنه جماع تام صادف صوما ، فوجب أن يفطر به كالعامد ، قالوا : ولأنها عبادة يفسدها جماع العامد فوجب أن يفسدها جماع الناسي [ ص: 431 ] كالحج ، قالوا : ولأن السهو في الأكل والجماع يقع تارة في ابتداء الصوم ، وتارة في انتهائه ، ثم أفطر ، ولزمه القضاء فكذلك في أثناء صومه قالوا : ولأن عمد الحدث وسهوه سواء في نقض الطهارة لتنافيهما ، فكذلك الأكل والجماع في الصوم يجب أن يستوي الحكم في عمده وسهوه لتنافيهما والدلالة على صحة صومه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أكل أو جامع في الليل ، ثم بان له طلوع الفجر عند أكله وجماعه وروى " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " أبو هريرة وفيه دليلان : أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أكلت وشربت وأنا صائم فقال : " الله أطعمك وسقاك "
أحدهما : أنه سلبه فعله وأضافه إلى الله سبحانه .
والثاني : أنه لم يأمره بالقضاء مع جهل السائل بحكم فعله فدل على أنه على صومه وروى محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فلما أمره بإتمام صومه دل على أنه لم يفطر ، ولأنها عبادة يفسدها الأكل عامدا فوجب أن لا يفسدها الأكل ناسيا كالصلاة ، إذا أكل فيها لقمة ناسيا ، ولأنه معنى وقع في أثناء الصوم يختص عمده بإفساد الصوم ، فوجب أن لا يفسد بسهوه . أصله إذا ذرعه القيء ، ولا يدخل عليه تارك النية ، لأنها لا تقع في أثناء الصوم ، ولا تدخل عليه الردة لأنها لا تختص بالصوم ، ولا تفسده وإنما يبطل بها الإيمان فأما قياسهم على العامد ، فالمعنى فيه إمكان الاحتراز منه وأما قياسهم على الحج قلنا فيه قولان : " من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم فليتم صومه ، فإنما الله أطعمه وسقاه "
أحدهما : أنه لم يفسد فسقط ما أوردوه .
والثاني : أنه قد فسد والفرق بينهما أن النواهي في الحج ضربان :
ضرب استوى الحكم في عمده وسهوه كالحلق ، وقتل الصيد .
وضرب فرق بين عمده وسهوه كاللباس والطيب فألحق الجماع بالضرب الأول ؛ لأنه إتلاف وليس كذلك الصوم ، لأنا وجدنا النواهي فيه نوعا واحدا ، وقع الفرق بين العمد والخطأ وهو القيء ، فوجب أن يكون الجماع والأكل لاحقين ، وأما جمعهم بين الناسي والمخطئ في طلوع الفجر ، فذلك غير صحيح ؛ لأن ذلك مخطئ في الوقت وهذا مخطئ في الفعل ، وقد وقع الفرق بين الخطإ في الأوقات والخطإ في الأفعال ، ألا تراه لزمه القضاء ، لو أخطأ في وقت الصلاة ، وصلى بنى على صلاته ، وأما ما ذكروه من الحدث ، فالفرق بينهما من وجهين : ولو أخطأ في عدد الركعات
[ ص: 432 ] أحدهما : ورود السنة بالفرق بين الموضعين .
والثاني : أن يمنعوا من تسليم المنافاة .