الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإذا أتى منى رمى جمرة العقبة من بطن الوادي سبع حصيات ، ويرفع يديه كما رمى حتى يرى بياض إبطه ما تحت منكبيه ، ويكبر مع كل حصاة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما حدود منى فقد ذكر الشافعي أنها ما بين وادي محسر - ( وليس محسر منها ) - إلى العقبة التي عندها الجمرة الدنيا إلى مكة ، وهي العقبة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها الأنصار قبل الهجرة ، وليس ما وراء العقبة منها ، وسواء سهولها وجبلها ، وعامرها وخرابها .

                                                                                                                                            فأما جبالها المحيطة بجنباتها فما أقبل منها على منى فهو منها ، فأما ما أدبر من الجبال فليس منها ، وفي تسميتها منى ثلاث تأويلات :

                                                                                                                                            أحدها : أنها سميت بذلك لما يمنى فيها من دماء الهدي أي : يراق ؛ ولذلك سمي ماء الطهر منيا أي : يراق ، قال الله تعالى : ألم يك نطفة من مني يمنى [ القيامة : 37 ] . والثاني : أنها سميت بذلك ؛ لأن الله تعالى من فيها على إبراهيم بأن فدى ابنه بكبش واستنقذه من الذبح .

                                                                                                                                            الثالث : أنها سميت بذلك : لأن الله تعالى من فيها على عباده بالمغفرة ؛ ولهذا روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخلها قال : اللهم وهذه منى التي مننت بها علينا فبارك اللهم لنا في رواحنا وغدونا فإذا أتى منى قال هذا ، وابتدأ برمي جمرة العقبة ، وهي آخر الجمرات للذاهب من منى إلى مكة ، وهي أضيقهن فيرميها بسبع حصيات ، وذلك أول مناسكه الواجبة [ ص: 184 ] بمنى يوم النحر : لرواية جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى الجمرة التي عند الشجرة رمى سبع حصيات من الوادي يكبر مع كل حصاة ، ويختار أن يرميها راكبا لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى وهو على ناقته العضباء " ويكون موقفه إذا رمى في بطن الوادي : لرواية عبد الرحمن بن يزيد قال : رأيت ابن مسعود رمى جمرة العقبة من بطن الوادي ، ثم قال : هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة .

                                                                                                                                            قال الشافعي : ولا يمكنه غير ذلك : لأنها على أكمة فلا يتمكن من رميها إلا كذلك ، فإن رمى الجمرة من فوقها ولم يرمها من بطن الوادي أجزأه ، لما روى عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال : رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه " حين انتهى إلى جمرة العقبة ليرميها ورأى زحام الناس صعد فرماها من فوقها قال الشافعي : ويرفع يده مع الرمي حتى يرى ما تحت إبطه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية