مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : "
nindex.php?page=treesubj&link=22919_4855ولا يجوز شرط خيار أكثر من ثلاث ، ولولا الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
الخيار ثلاثة أيام في المصراة ولحبان بن منقذ فيما اشترى ثلاثا ، لما جاز بعد التفرق ساعة ، ولا يكون للبائع الانتفاع بالثمن ، ولا للمشتري الانتفاع بالجارية ، فلما أجازه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما وصفناه ثلاثا اتبعناه ، ولم نجاوزه وذلك أن أمره يشبه أن يكون ثلاثا حدا " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال ، خيار الشرط ، لا يجوز أكثر من ثلاث ، وبه قال
أبو حنيفة .
وقال
أحمد وإسحاق : خيار الشرط يجوز مؤبدا من غير تحديد بمدة معلومة .
وقال
ابن أبي ليلى ،
وأبو يوسف ،
ومحمد ،
وأبو ثور : يجوز مؤبدا إذا كان محدودا بمدة معلومة
وقال
مالك : يجوز من
nindex.php?page=treesubj&link=22919خيار الشرط في المبيعات على قدرها وبحسب ما تدعو إليه الحاجة في تعرف أحوالها ، فما أمكن تعرف حاله في يوم ، لم يجز أن يشترط فيه ثلاثا ، وما لم يمكن تعرف حاله إلا في شهر ، جاز أن يشترط فيه شهرا .
واستدلوا على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=22919_4855اشتراط الخيار فوق ثلاث :
[ ص: 66 ] بما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922968 " المسلمون على شروطهم " .
ولأنه خيار معلوم ، فوجب أن يثبت في البيع ، أصله خيار الثلاث : ولأنه شرط ملحق بالبيع يجوز ثلاثا ، فوجب أن يجوز أكثر من ثلاث كالأجل : ولأن الخيار ضربان :
خيار مجلس ، وخيار شرط .
فلما جاز أن يمتد خيار المجلس فوق ثلاث ، جاز أن يكون الشرط فوق ثلاث .
ودليلنا : رواية
أبي الزناد عن
الأعرج عن
أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=922969 " نهى عن بيع الغرر " فأجيز بالدلالة خيار الثلاث ، وبقي ما سواه على حكم المنع .
وروى
الشافعي عن
سفيان عن
ابن إسحاق عن
نافع عن
ابن عمر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922970أن حبان بن منقذ كان شج في رأسه مأمومة ، فثقل لسانه ، وكان يخدع في البيع ، فجعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يبايع من شيء فهو بالخيار ثلاثا ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قل لا خلابة " قال
ابن عمر - رضي الله عنه - : سمعته يقول : " لا خذابة " .
قال
الشافعي : وينبغي للمسلمين أن لا يخلبوا ، والخلابة : الخديعة .
وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في المصراة . الخيار ثلاثا :
فكانت الدلالة في ذلك من وجهين :
أحدهما : أن
حبان كان أحوج الناس إلى الزيادة في الخيار : لمكانه من ضعف النظر وحاجته إلى استدراك الخديعة ، فلما لم يزد بالشرط على الثلاث دل على أنها غاية الحد في العقد .
والثاني : أنه حده بالثلاث ، والحد يفيد المنع إما من المجاوزة أو من النقصان ، فلما جاز النقصان من الثلاث ، علم أنه حد للمنع من مجاوزة الثلاث .
ولأن الخيار يمنع من التصرف وموجب العقد جواز التصرف ، والشرط إذا كان منافيا لموجب العقد أبطله ، كما لو باعه بشرط أن لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره .
وتحرير ذلك قياسا : أنه معنى يمنع مقصود العقد ، فوجب أن يفسد به العقد مع استغنائه عنه ، أصله إذا باعه بشرط أن لا يبيعه ، ولا يدخل عليه خيار الثلاث لأنه لا يستغنى عنه .
[ ص: 67 ] ولأن الخيار غرر ، والعقد يمنع من كثير الغرر ولا يمنع من قليله ، كعقد الرؤية لما كان غررا جوز في توابع البيع ولم يجوز في جميعه ، والثلاث في حد القلة ، وما زاد عليها في حد الكثرة بدليل قوله تعالى في قصة
ثمود nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=64فيأخذكم عذاب قريب [ هود : 64 ] ثم بين القريب فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=65تمتعوا في داركم ثلاثة أيام
[ هود : 65 ] فثبت أن الثلاث في حد القلة ، فجاز اشتراط الخيار بها في العقد لقلة غررها ، ولم يجز فيما زاد عليها لكثرة غررها .
فأما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922968 " المسلمون على شروطهم " فقد استثنى منه
nindex.php?page=hadith&LINKID=922971 " إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا " .
وأما الجواب عن قياسهم على خيار الثلاث ، فالمعنى فيها قلة الغرر بها على أن الثلاث رخصة مستثناة من جملة محظورة ، فلم يجز القياس عليها .
وأما الجواب عن قياسهم على الأجل : فالمعنى فيه أن تأجيل الثمن لا يمنع مقصود العقد : لأن مقصوده طلب الفضل فيه بتوفير الثمن ، وهذا موجود في زيادة الأجل ، وليس كذلك الخيار : لأنه يمنع مقصود العقد من جواز التصرف في الثمن والمثمن .
وأما الجواب عن استدلالاهم بخيار المجلس ، فالمعنى فيه أنه من موجبات العقد ، فجازت فيه الجهالة ، وخيار الثلاث من موجبات الشرط فلم تجز فيه الجهالة ، كالقبض إذا كان مستحقا بالعقد جاز أن يكون مجهول الوقت ، وإذا كان مستحقا بالشرط لم يجز أن يكون مجهول الوقت .
فصل : فإذا تقرر أن خيار ما زاد على الثلاث لا يصح ، فمتى عقد
nindex.php?page=treesubj&link=4855_4853البيع بشرط خيار يزيد على الثلاث أو خيار مجهول ، كان البيع فاسدا ، سواء أبطلا الزيادة على الثلاث في مدة الثلاث أم لا .
وقال
أبو حنيفة : إن اتفقا على إبطال ما زاد على الثلاث قبل تقضي الثلاث ، صح البيع . وإن لم يبطلاه حتى مضت الثلاث ، فسد حينئذ البيع . استدلالا بأن الشرط في مدة الخيار بعد العقد في حكم الشرط حال العقد ، ألا ترى أنهما لو زادا في الثمن أو نقصا منه في مدة الخيار ، أو زادا في الأجل أو نقصا منه ، لزم ما اشترطاه من الزيادة والنقصان بعد العقد ، كما يلزم لو شرطاه حال العقد ، فلما ثبت أنهما لو شرطا حال العقد إبطال ما زاد على الثلاث ، صح العقد ، وجب إذا اشترطا بعد العقد إبطال ما زاد على الثلاث أن يصح العقد .
ودليلنا : نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر ، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه : ولأنه عقد فاسد ، فوجب أن لا يلحقه الصحة قياسا على بيع الدرهم بالدرهمين : ولأنه عقد شرط فيه خيار فاسد ، فوجب أن يفسده ، أصله إذا لم يبطلاه حتى مضت الثلاث : ولأن كلما أبطل العقد
[ ص: 68 ] إذا لم يتفقا على تصحيحه بعد العقد أبطله ، وإن اتفقا على تصحيحه بعد العقد كالثمن المجهول .
ولأنه شرط ينافي صحة العقد ، فوجب أن يبطل به العقد كالأجل المجهول .
ولأن الخيار في مقابلة جزء من الثمن ، ألا ترى أن الثمن في العرف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه ، فإذا بطل خيار ما زاد على الثلاث ، سقط من الثمن ما قابله ، فصار باقي الثمن مجهولا ، والبيع يبطل بالثمن المجهول فكذلك بما أوجبه من الخيار الفاسد .
فإن قيل : هذا الاستدلال يفسد بخيار الثلاث إذا شرطا إسقاطه بعد العقد : لأنه قد أسقط من الثمن ما قابله ، فأفضى إلى جهالة في باقيه ولم يفسد البيع :
قيل : هذا لا يلزم ، لأن الجهالة صارت في الثمن لمعنى حادث بعد العقد ، فلم يقدح في صحة العقد ، وهناك لمعنى قارن العقد ، فقدح في صحة العقد ، ألا ترى أنه إذا وجد بالمبيع عيبا فأخذ أرشه صار الثمن مجهولا ولم يفسد العقد : لأنه لمعنى حادث بعد العقد ، ولو قال : قد بعتكه بمائة درهم إلا أرش عيبه فسد العقد ، لأنها جهالة بمعنى قارن العقد .
فأما الجواب عن استدلاله بعد فساده بالأجل المجهول : فهو أن العقد إذا زيد في ثمنه أو نقص منه فقد كان وقع صحيحا وفي هذا الموضع وقع فاسدا ، فلم يصح بعد فساده .
فصل : فإذا ثبت أن خيار الثلاث جائز ، فإن الزيادة على الثلاث فاسدة ، والبيع معها فاسد .
فلا بأس باشتراط الثلاث للبائع والمشتري ، فلا يجوز للبائع التصرف فيما قبضه من الثمن ، لثبوت الخيار للمشتري ، ولا يجوز للمشتري التصرف فيما قبضه من المبيع ، لثبوت الخيار للبائع .
ويجوز أن يكون خيار الثلاث مشروطا للبائع دون المشتري ، فلا يتصرف المشتري في المبيع ، لثبوت الخيار ، ويجوز للبائع أن يتصرف في الثمن ، لأنه لا خيار عليه للمشتري ، ويكون تصرفه في الثمن اختيارا للإمضاء .
ويجوز أن يكون خيار الثلاث مشروطا للمشتري دون البائع ، فلا يتصرف البائع في الثمن ، لثبوت الخيار للمشتري ، ويجوز للمشتري أن يتصرف في المبيع : لأنه لا خيار عليه للبائع . وهل يكون تصرفه في المبيع اختيارا للإمضاء ؟ .
على وجهين ذكرناهما في وقته ، وفرقنا بين تصرف البائع وتصرف المشتري بما مضى .
فصل : وإذا جاز اشتراط خيار الثلاث ، جاز اشتراط خيار ما دون الثلاث ، فيجوز أن
[ ص: 69 ] يشترطا خيار يوم ، ويجوز أن يشترطا خيار يومين ، ويجوز أن يشترط أحدهما خيار يوم والآخر خيار يومين ، أو أحدهما خيار ثلاث والآخر خيار يوم .
فلو تبايعا بغير خيار ، فقبل افتراقهما شرطا في العقد خيار يوم ، ثبت لهما خيار اليوم ، فلو افترقا ثم اجتمعا قبل تقضيه ، فزادا في الخيار يوما آخر ، ثبت الخيار في اليوم الثاني ، فإن اجتمعا في اليوم الثاني ، فزاد فيه يوما ثالثا ، ثبت الخيار لهما فيه ، فإن اجتمعا قبل تقضي الثالث ، فزاد فيه يوما رابعا ، بطل البيع : لأنهما لو شرطا ذلك في العقد ، بطل ، فكذلك إذا ألحقاه بالعقد في مدة الخيار يجب أن يبطل .
فلو أنهما أسقطا اليوم الرابع ، لم يصح العقد ، لفساده باشتراطه .
فصل : وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=22942تبايعا نهارا وشرطا الخيار إلى الليل ، ينقضي الخيار بغروب الشمس .
ولو تبايعا ليلا بشرط الخيار إلى طلوع الفجر ، ينقضي الخيار بطلوع الفجر ، ولا تكون الغاية داخلة في شرط الخيار .
وقال
أبو حنيفة : تدخل الغاية في شرط الخيار ، فإذا شرطا في بيع النهار الخيار إلى الليل ، دخل الليل في الخيار . وإذا تبايعا ليلا بشرط الخيار إلى النهار ، دخل النهار في الخيار .
ودليلنا : هو أن أهل اللغة مجمعون على أن " من " لابتداء الغاية ، و " إلى " لانتهاء الغاية ، ألا ترى أنهم لو قالوا : سافرت من
البصرة إلى
الكوفة : دلوا بذلك على أن
البصرة ابتداء سفرهم
والكوفة غاية سفرهم ، فاقتضى أن تكون الغاية خارجة من الحكم ، لأنها حد ، والحد لا يدخل في المحدود ، فعلى هذا لو قال : له علي من درهم إلى عشرة كان مقرا بتسعة ، لأن العاشر غاية .
ولو قال لزوجته : أنت طالق من واحدة إلى ثلاث ، طلقت طلقتين ، لأنه جعل الثالثة غاية .
فصل : فإذا اجتمع في العقد خياران : خيار شرع ، وخيار شرط . فخيار الشرع ، مقدر باجتماع الأبدان ، وخيار الشرط ، مقدر بما شرطا من الزمان . فلو كان خيار الشرط ثلاثا ، فلأصحابنا في ابتدائها وجهان :
أحدهما : وهو قول جمهور أصحابنا : أن ابتداءها من بعد انقطاع خيار المجلس ، إما بالتفرق أو التخاير ، ولا يدخل أحد الخيارين في الآخر ، لأن خيار المجلس مستفاد بالشرع ، وخيار الثلاث مستفاد بالشرط ، وإذا كان موجبهما مختلفا ، تميزا ولم يتداخلا .
والوجه الثاني : وهو محكي عن
أبي إسحاق المروزي : أن ابتداء خيار الثلاث من
[ ص: 70 ] وقت العقد ، ويكون خيار المجلس داخلا فيه : لأنه لو اعتبر ابتداؤه من بعد خيار المجلس ، لأفضى إلى الجهالة في ابتدائه وانتهائه بجهالة خيار المجلس ، وإذا كان خيار الشرط مجهولا لم يجز ، فاعتبر ابتداؤه من حين العقد فيكون معلوما ، فيجوز .
فعلى هذا إن تفرقا قبل مضي الثلاث ثبت خيار الثلاث ، ولم يكن لخيار المجلس تأثير ، وإن لم يتفرقا حتى مضت الثلاث ، ثبت خيار المجلس ، ولم يكن لخيار الثلاث تأثير .
فصل : فإذا كان زمان الخيار باقيا ، فلكل واحد من المتعاقدين فسخ العقد من غير حضور صاحبه ، وبه قال
مالك ، وإليه رجع
أبو يوسف .
وقال
أبو حنيفة ومحمد : لا يجوز لواحد منهما فسخ البيع إلا بحضور صاحبه استدلالا بأنه فسخ عقد ، فلم يصح إلا بحضور من يجب عليه الرد كالإقالة .
ولأن الفسخ يوجب انتقال الملك ، كما أن العقد يوجب انتقال الملك ، فلما كان العقد لا يصح إلا بهما ، وجب أن يكون الفسخ لا يصح إلا بحضورهما .
ودليلنا : ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل
لحبان الخيار ثلاثا ، وقال :
" قل : لا خلابة في الإسلام " ولم يشترط في خياره حضور صاحبه ، فدل على استواء حكمه .
ولأنه اختيار فسخ البيع في مدة خياره ، فوجب أن ينفسخ أصله إذا كان بحضور صاحبه : ولأنه معنى يقطع الخيار ، فوجب إذا لم يكن من شرطه رضا المتعاقدين أن لا يفتقر إلى حضورهما .
أصله إجازة البيع .
ولأن كلما كان فسخا بحضور المتعاقدين ، كان فسخا بغيبة أحدهما كوطء البائع ، وقبلته للجارية المبيعة .
ولأن كل من لم يفتقر رفع العقد إلى رضاه ، لم يفتقر رفع العقد إلى حضوره ، كالزوج في طلاق امرأته طردا والإقالة عكسا .
وفيه انفصال عن الاستدلالين :
لأنه لما افتقر العقد والإقالة إلى رضاهما ، افتقر إلى حضورهما ، ولما لم يفتقر الفسخ إلى رضاهما ، لم يفتقر إلى حضورهما .
فصل : إذا وكل رجل رجلا في بيع شيء أو ابتياع شيء ، فهل يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=14757للرجل أن يشترط في عقد البيع خيار الثلاث من غير إذن الموكل أم لا ؟ على وجهين :
[ ص: 71 ] أحدهما : لا يجوز أن يشترط خيار الثلاث إلا بإذن من الموكل صريح : لأن الخيار لا يتناوله العقد إلا بشرط ، فلم تتضمنه الوكالة إلا بإذن كالأجل .
والوجه الثاني : يجوز له اشتراط خيار الثلاث من غير إذن الموكل : لأن الخيار زيادة نظر وطلب حظ بخلاف الأجل .
وإذا كان كذلك ، وشرط الوكيل في عقد البيع خيار الثلاث ، فهو ثابت للوكيل والموكل ، أما الوكيل ، فلأجل عقده ، وأما الموكل ، فلحق ملكه .
وإذا كان الخيار لهما ، فأيهما سبق صاحبه إلى قطع الخيار بفسخ أو إجازة ، صح : لأن كل واحد منهما قائم مقام صاحبه ، فإن سبق الوكيل إلى ذلك ولم يرض به الموكل لزمه ، وكذا لو سبق الموكل من غير علم الوكيل صح . والله أعلم .
فصل :
nindex.php?page=treesubj&link=14757إذا باع سلعة على أن يكون خيار الثلاث فيها لزيد . قال
الشافعي في كتاب الصرف : جاز ، وكان الخيار لزيد ، ولم يكن للبائع فيه خيار ، ومنع منه في موضع آخر . فاختلف أصحابنا في هذا الشرط على ثلاثة مذاهب :
أحدها : حمل الجواب على ظاهر نصه الأول ، ويصح الشرط ، ويكون الخيار لزيد المسمى دون البائع : لأن العقد يمنع اشتراط الخيار ، ومستحق الخيار موقوف على قول من شرط الخيار .
والثاني : أن هذا الشرط فاسد ، ولا يجوز أن يستحق الخيار في البيع إلا من عقده أو عقد له ، وليس زيد المسمى في استحقاق الخيار له عاقدا ولا معقودا له ، فلم يجز أن يثبت له في العقد خيار .
والثالث : إن جعل الخيار لزيد على طريق التوكيل له في النظر عن البائع ، صح ، وثبت الخيار لزيد المسمى وللبائع معا ، وكان زيد وكيلا للبائع ، فأيهما اختار الفسخ أو الإمضاء لزم : الوكيل أو الموكل .
فإن جعل له الخيار ملكا له دون البائع ، أو أطلق الشرط ، لم يجز وكان باطلا .
وتعليل هذا المذهب مشترك من تعليل المذهبين الأولين وهو أظهر المذاهب الثلاثة : [ ولأنه لا يجوز أن يثبت الخيار لوكيله دونه ] .
فإذا قيل : بصحة هذا الشرط على التفصيل المذكور ، صح البيع وثبت فيه الشرط .
فإذا قيل : بفساد هذا الشرط ، فالصحيح أن البيع يفسد بفساده ، ويكون العقد بهذا الشرط
[ ص: 72 ] باطلا لمنافاته . وفيه وجه آخر محكي عن
أبي العباس بن سريج : أن الشرط فاسد والبيع صحيح .
وفيما يتناوله الفساد من الشرط وجهان :
أحدهما : جملة الخيار ، فيصير البيع لازما ولا خيار فيه .
والثاني : أن الفساد إنما توجه إلى اشتراط الخيار لزيد المسمى ، ويكون الخيار ثابتا للبائع . والله أعلم .
فصل : فإذا قال : بعتك هذه السلعة على استئمار زيد :
قال
الشافعي في كتاب الصرف : لم يكن له الرد إلا أن يقول قد استأمرت زيدا فأذن لي في الرد .
فاختلف أصحابنا في ذلك على وجهين : أحدهما : أن هذا الشرط لازم .
والجواب فيه على ظاهره ، وليس له أن يرد إلا بعد استئمار زيد وإذنه لأجل شرطه .
والوجه الثاني : وهو قول
أبي إسحاق وكافة
البصريين : أن هذا الشرط ليس بلازم ، وله الرد في مدة الخيار ، سواء استأمر زيدا أم لم يستأمره ، لأن استحقاق الخيار يمنع من أن يكون ممنوعا من الخيار .
فمن قال بهذا لهم عن جواب
الشافعي : لم يكن له الرد إلا بعد استئماره ، تأويلان :
أحدهما : يريد به ليس له إذا رد أن يقول : قد أذن لي في الرد ، إلا بعد استئماره : لئلا يكون كذبا ، فكان هذا النهي منه عن الكذب لا عن الرد .
والتأويل الثاني : أنه عنى الاحتياط إذا كان زيد أعرف ، فيكون معنى قوله : لم يكن له الرد إلا بعد استئماره : أي لم يكن الحظ في الرد إلا بعد استئماره ، وإن لم يكن ذلك مانعا من استحقاق الرد والله أعلم بالصواب .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : "
nindex.php?page=treesubj&link=22919_4855وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ خِيَارٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ، وَلَوْلَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي الْمُصَرَّاةِ وَلِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ فِيمَا اشْتَرَى ثَلَاثًا ، لَمَا جَازَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ سَاعَةً ، وَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ الِانْتِفَاعُ بِالثَّمَنِ ، وَلَا لِلْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِالْجَارِيَةِ ، فَلَمَّا أَجَازَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ ثَلَاثًا اتَّبَعْنَاهُ ، وَلَمْ نُجَاوِزْهُ وَذَلِكَ أَنَّ أَمْرَهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا حَدًّا " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ ، خِيَارُ الشَّرْطِ ، لَا يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ، وَبِهِ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ .
وَقَالَ
أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ : خِيَارُ الشَّرْطِ يَجُوزُ مُؤَبَّدًا مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ .
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي لَيْلَى ،
وَأَبُو يُوسُفَ ،
وَمُحَمَّدٌ ،
وَأَبُو ثَوْرٍ : يَجُوزُ مُؤَبَّدًا إِذَا كَانَ مَحْدُودًا بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ
وَقَالَ
مَالِكٌ : يَجُوزُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=22919خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْمَبِيعَاتِ عَلَى قَدْرِهَا وَبِحَسْبِ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ فِي تَعَرُّفِ أَحْوَالِهَا ، فَمَا أَمْكَنَ تَعَرُّفُ حَالِهِ فِي يَوْمٍ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ ثَلَاثًا ، وَمَا لَمْ يُمْكِنْ تَعَرُّفُ حَالَهُ إِلَّا فِي شَهْرٍ ، جَازَ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ شَهْرًا .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=22919_4855اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فَوْقَ ثَلَاثٍ :
[ ص: 66 ] بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922968 " الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ " .
وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ مَعْلُومٌ ، فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْبَيْعِ ، أَصْلُهُ خِيَارُ الثَّلَاثِ : وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ مُلْحَقٌ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ ثَلَاثًا ، فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ كَالْأَجَلِ : وَلِأَنَّ الْخِيَارَ ضَرْبَانِ :
خِيَارُ مَجْلِسٍ ، وَخِيَارُ شَرْطٍ .
فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَمْتَدَّ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَوْقَ ثَلَاثٍ ، جَازَ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ فَوْقَ ثَلَاثٍ .
وَدَلِيلُنَا : رِوَايَةُ
أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الْأَعْرَجِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=922969 " نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ " فَأُجِيزَ بِالدَّلَالَةِ خِيَارُ الثَّلَاثِ ، وَبَقِيَ مَا سِوَاهُ عَلَى حُكْمِ الْمَنْعِ .
وَرَوَى
الشَّافِعِيُّ عَنْ
سُفْيَانَ عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922970أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ كَانَ شُجَّ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ ، فَثَقُلَ لِسَانُهُ ، وَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ ، فَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُبَايَعُ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " قُلْ لَا خِلَابَةَ " قَالَ
ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : " لَا خِذَابَةَ " .
قَالَ
الشَّافِعِيُّ : وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَخْلُبُوا ، وَالْخِلَابَةُ : الْخَدِيعَةُ .
وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُصَرَّاةِ . الْخِيَارَ ثَلَاثًا :
فَكَانَتِ الدَّلَالَةُ فِي ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ
حِبَّانَ كَانَ أَحْوَجَ النَّاسِ إِلَى الزِّيَادَةِ فِي الْخِيَارِ : لِمَكَانِهِ مِنْ ضَعْفِ النَّظَرِ وَحَاجَتِهِ إِلَى اسْتِدْرَاكِ الْخَدِيعَةِ ، فَلَمَّا لَمْ يَزِدْ بِالشَّرْطِ عَلَى الثَّلَاثِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَايَةُ الْحَدِّ فِي الْعَقْدِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ حَدَّهُ بِالثَّلَاثِ ، وَالْحَدُّ يُفِيدُ الْمَنْعَ إِمَّا مِنَ الْمُجَاوَزَةِ أَوْ مِنَ النُّقْصَانِ ، فَلَمَّا جَازَ النُّقْصَانُ مِنَ الثَّلَاثِ ، عُلِمَ أَنَّهُ حَدٌّ لِلْمَنْعِ مِنْ مُجَاوَزَةِ الثَّلَاثِ .
وَلِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ وَمُوجَبُ الْعَقْدِ جَوَازُ التَّصَرُّفِ ، وَالشَّرْطُ إِذَا كَانَ مُنَافِيًا لِمُوجَبِ الْعَقْدِ أَبْطَلَهُ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ .
وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا : أَنَّهُ مَعْنًى يَمْنَعُ مَقْصُودَ الْعَقْدِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ بِهِ الْعَقْدُ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ ، أَصْلُهُ إِذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ خِيَارُ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ .
[ ص: 67 ] وَلِأَنَّ الْخِيَارَ غَرَرٌ ، وَالْعَقْدُ يُمْنَعُ مِنْ كَثِيرِ الْغَرَرِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ قَلِيلِهِ ، كَعَقْدِ الرُّؤْيَةِ لَمَّا كَانَ غَرَرًا جُوِّزَ فِي تَوَابِعِ الْبَيْعِ وَلَمْ يُجَوَّزْ فِي جَمِيعِهِ ، وَالثَّلَاثُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ
ثَمُودَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=64فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ [ هُودٍ : 64 ] ثُمَّ بَيَّنَ الْقَرِيبُ فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=65تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
[ هُودٍ : 65 ] فَثَبَتَ أَنَّ الثَّلَاثَ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ ، فَجَازَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ بِهَا فِي الْعَقْدِ لِقِلَّةِ غَرَرِهَا ، وَلَمْ يَجُزْ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا لِكَثْرَةِ غَرَرِهَا .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922968 " الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ " فَقَدِ اسْتَثْنَى مِنْهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=922971 " إِلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا " .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى خِيَارِ الثَّلَاثِ ، فَالْمَعْنَى فِيهَا قِلَّةُ الْغَرَرِ بِهَا عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ رُخْصَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ جُمْلَةٍ مَحْظُورَةٍ ، فَلَمْ يَجُزِ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْأَجَلِ : فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ تَأْجِيلَ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ مَقْصُودَ الْعَقْدِ : لِأَنَّ مَقْصُودَهُ طَلَبُ الْفَضْلِ فِيهِ بِتَوْفِيرِ الثَّمَنِ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي زِيَادَةِ الْأَجَلِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخِيَارُ : لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مَقْصُودَ الْعَقْدِ مِنْ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِاهِمْ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ ، فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ ، فَجَازَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ ، وَخِيَارُ الثَّلَاثِ مِنْ مُوجِبَاتِ الشَّرْطِ فَلَمْ تَجُزْ فِيهِ الْجَهَالَةُ ، كَالْقَبْضِ إِذَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْوَقْتِ ، وَإِذَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالشَّرْطِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْوَقْتِ .
فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ خِيَارَ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لَا يَصِحُّ ، فَمَتَى عُقِدَ
nindex.php?page=treesubj&link=4855_4853الْبَيْعُ بِشَرْطِ خِيَارٍ يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ خِيَارٍ مَجْهُولٍ ، كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا ، سَوَاءٌ أَبْطَلَا الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي مُدَّةِ الثَّلَاثِ أَمْ لَا .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِنِ اتَّفَقَا عَلَى إِبْطَالِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ قَبْلَ تَقَضِّي الثَّلَاثِ ، صَحَّ الْبَيْعُ . وَإِنْ لَمْ يُبْطِلَاهُ حَتَّى مَضَتِ الثَّلَاثُ ، فَسَدَ حِينَئِذٍ الْبَيْعُ . اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي حُكْمِ الشَّرْطِ حَالَ الْعَقْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ زَادَا فِي الثَّمَنِ أَوْ نَقَصَا مِنْهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، أَوْ زَادَا فِي الْأَجَلِ أَوْ نَقَصَا مِنْهُ ، لَزِمَ مَا اشْتَرَطَاهُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ ، كَمَا يَلْزَمُ لَوْ شَرَطَاهُ حَالَ الْعَقْدِ ، فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُمَا لَوْ شَرَطَا حَالَ الْعَقْدِ إِبْطَالَ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ ، صَحَّ الْعَقْدُ ، وَجَبَ إِذَا اشْتَرَطَا بَعْدَ الْعَقْدِ إِبْطَالَ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ أَنْ يَصِحَّ الْعَقْدُ .
وَدَلِيلُنَا : نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ : وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ الصِّحَّةُ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ : وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ شُرِطَ فِيهِ خِيَارٌ فَاسِدٌ ، فَوَجَبَ أَنْ يُفْسِدَهُ ، أَصْلُهُ إِذَا لَمْ يُبْطِلَاهُ حَتَّى مَضَتِ الثَّلَاثُ : وَلِأَنَّ كُلَّمَا أُبْطِلَ الْعَقْدُ
[ ص: 68 ] إِذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى تَصْحِيحِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ أَبْطَلَهُ ، وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى تَصْحِيحِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالثَّمَنِ الْمَجْهُولِ .
وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي صِحَّةَ الْعَقْدِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ الْعَقْدُ كَالْأَجْلِ الْمَجْهُولِ .
وَلِأَنَّ الْخِيَارَ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنَ الثَّمَنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْعُرْفِ يَزِيدُ بِزِيَادَتِهِ وَيَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِ ، فَإِذَا بَطَلَ خِيَارُ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ ، سَقَطَ مِنَ الثَّمَنِ مَا قَابَلَهُ ، فَصَارَ بَاقِي الثَّمَنِ مَجْهُولًا ، وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِالثَّمَنِ الْمَجْهُولِ فَكَذَلِكَ بِمَا أَوْجَبَهُ مِنَ الْخِيَارِ الْفَاسِدِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا الِاسْتِدْلَالُ يَفْسَدُ بِخِيَارِ الثَّلَاثِ إِذَا شَرَطَا إِسْقَاطَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ : لِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ مِنَ الثَّمَنِ مَا قَابَلَهُ ، فَأَفْضَى إِلَى جَهَالَةٍ فِي بَاقِيهِ وَلَمْ يَفْسُدِ الْبَيْعُ :
قِيلَ : هَذَا لَا يَلْزَمُ ، لِأَنَّ الْجَهَالَةَ صَارَتْ فِي الثَّمَنِ لِمَعْنًى حَادِثٍ بَعْدَ الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَقْدَحْ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَهُنَاكَ لِمَعْنًى قَارَنَ الْعَقْدَ ، فَقَدَحَ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَأَخَذَ أَرْشَهُ صَارَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا وَلَمْ يَفْسُدِ الْعَقْدُ : لِأَنَّهُ لِمَعْنًى حَادِثٍ بَعْدَ الْعَقْدِ ، وَلَوْ قَالَ : قَدْ بِعْتُكَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إِلَّا أَرْشَ عَيْبِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ ، لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ بِمَعْنًى قَارَنَ الْعَقْدَ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بَعْدَ فَسَادِهِ بِالْأَجَلِ الْمَجْهُولِ : فَهُوَ أَنَّ الْعَقْدَ إِذَا زِيدَ فِي ثَمَنِهِ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ فَقَدْ كَانَ وَقَعَ صَحِيحًا وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَعَ فَاسِدًا ، فَلَمْ يَصِحَّ بَعْدَ فَسَادِهِ .
فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ خِيَارَ الثَّلَاثِ جَائِزٌ ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ فَاسِدَةٌ ، وَالْبَيْعُ مَعَهَا فَاسِدٌ .
فَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَاطِ الثَّلَاثِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ، فَلَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ التَّصَرُّفُ فِيمَا قَبَضَهُ مِنَ الثَّمَنِ ، لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيمَا قَبَضَهُ مِنَ الْمَبِيعِ ، لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِيَارُ الثَّلَاثِ مَشْرُوطًا لِلْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي ، فَلَا يَتَصَرَّفُ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ ، لِثُبُوتِ الْخِيَارِ ، وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الثَّمَنِ ، لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي ، وَيَكُونُ تَصَرُّفُهُ فِي الثَّمَنِ اخْتِيَارًا لِلْإِمْضَاءِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِيَارُ الثَّلَاثِ مَشْرُوطًا لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ ، فَلَا يَتَصَرَّفُ الْبَائِعُ فِي الثَّمَنِ ، لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي ، وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ : لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ . وَهَلْ يَكُونُ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَبِيعِ اخْتِيَارًا لِلْإِمْضَاءِ ؟ .
عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي وَقْتِهِ ، وَفَرَّقْنَا بَيْنَ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ وَتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي بِمَا مَضَى .
فَصْلٌ : وَإِذَا جَازَ اشْتِرَاطُ خِيَارِ الثَّلَاثِ ، جَازَ اشْتِرَاطُ خِيَارِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ ، فَيَجُوزُ أَنْ
[ ص: 69 ] يَشْتَرِطَا خِيَارَ يَوْمٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَا خِيَارَ يَوْمَيْنِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا خِيَارَ يَوْمٍ وَالْآخَرِ خِيَارَ يَوْمَيْنِ ، أَوْ أَحَدُهُمَا خِيَارَ ثَلَاثٍ وَالْآخَرِ خِيَارَ يَوْمٍ .
فَلَوْ تَبَايَعَا بِغَيْرِ خِيَارٍ ، فَقَبْلَ افْتِرَاقِهِمَا شَرَطَا فِي الْعَقْدِ خِيَارَ يَوْمٍ ، ثَبَتَ لَهُمَا خِيَارُ الْيَوْمِ ، فَلَوِ افْتَرَقَا ثُمَّ اجْتَمَعَا قَبْلَ تَقَضِّيهِ ، فَزَادَا فِي الْخِيَارِ يَوْمًا آخَرَ ، ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ، فَإِنِ اجْتَمَعَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ، فَزَادَ فِيهِ يَوْمًا ثَالِثًا ، ثَبَتَ الْخِيَارُ لَهُمَا فِيهِ ، فَإِنِ اجْتَمَعَا قَبْلَ تَقَضِّي الثَّالِثِ ، فَزَادَ فِيهِ يَوْمًا رَابِعًا ، بَطَلَ الْبَيْعُ : لِأَنَّهُمَا لَوْ شَرَطَا ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ ، بَطَلَ ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَلْحَقَاهُ بِالْعَقْدِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ .
فَلَوْ أَنَّهُمَا أَسْقَطَا الْيَوْمَ الرَّابِعَ ، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ ، لِفَسَادِهِ بِاشْتِرَاطِهِ .
فَصْلٌ : وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=22942تَبَايَعَا نَهَارًا وَشَرَطَا الْخِيَارَ إِلَى اللَّيْلِ ، يَنْقَضِي الْخِيَارُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ .
وَلَوْ تَبَايَعَا لَيْلًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ، يَنْقَضِي الْخِيَارُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَلَا تَكُونُ الْغَايَةُ دَاخِلَةً فِي شَرْطِ الْخِيَارِ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : تَدْخُلُ الْغَايَةُ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ ، فَإِذَا شَرَطَا فِي بَيْعِ النَّهَارِ الْخِيَارَ إِلَى اللَّيْلِ ، دَخَلَ اللَّيْلُ فِي الْخِيَارِ . وَإِذَا تَبَايَعَا لَيْلًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ إِلَى النَّهَارِ ، دَخَلَ النَّهَارُ فِي الْخِيَارِ .
وَدَلِيلُنَا : هُوَ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ " مِنْ " لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، وَ " إِلَى " لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا : سَافَرْتُ مِنَ
الْبَصْرَةِ إِلَى
الْكُوفَةِ : دَلُّوا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ
الْبَصْرَةَ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِمْ
وَالْكُوفَةَ غَايَةُ سَفَرِهِمْ ، فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ خَارِجَةً مِنَ الْحُكْمِ ، لِأَنَّهَا حَدٌّ ، وَالْحَدُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى عَشْرَةٍ كَانَ مُقِرًّا بِتِسْعَةٍ ، لِأَنَّ الْعَاشِرَ غَايَةٌ .
وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَى ثَلَاثٍ ، طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ ، لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّالِثَةَ غَايَةً .
فَصْلٌ : فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْعَقْدِ خِيَارَانِ : خِيَارُ شَرْعٍ ، وَخِيَارُ شَرْطٍ . فَخِيَارُ الشَّرْعِ ، مُقَدَّرٌ بِاجْتِمَاعِ الْأَبْدَانِ ، وَخِيَارُ الشَّرْطِ ، مُقَدَّرٌ بِمَا شَرَطَا مِنَ الزَّمَانِ . فَلَوْ كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ ثَلَاثًا ، فَلِأَصْحَابِنَا فِي ابْتِدَائِهَا وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا : أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ بَعْدِ انْقِطَاعِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ ، إِمَّا بِالتَّفَرُّقِ أَوِ التَّخَايُرِ ، وَلَا يَدْخُلُ أَحَدُ الْخِيَارَيْنِ فِي الْآخَرِ ، لِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مُسْتَفَادٌ بِالشَّرْعِ ، وَخِيَارُ الثَّلَاثِ مُسْتَفَادٌ بِالشَّرْطِ ، وَإِذَا كَانَ مُوجَبُهُمَا مُخْتَلِفًا ، تَمَيَّزَا وَلَمْ يَتَدَاخَلَا .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ : أَنَّ ابْتِدَاءَ خِيَارِ الثَّلَاثِ مِنْ
[ ص: 70 ] وَقْتِ الْعَقْدِ ، وَيَكُونُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ دَاخِلًا فِيهِ : لِأَنَّهُ لَوِ اعْتُبِرَ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ بَعْدِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ ، لَأَفْضَى إِلَى الْجَهَالَةِ فِي ابْتِدَائِهِ وَانْتِهَائِهِ بِجَهَالَةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ ، وَإِذَا كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ مَجْهُولًا لَمْ يَجُزْ ، فَاعْتُبِرَ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ مَعْلُومًا ، فَيَجُوزُ .
فَعَلَى هَذَا إِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ ثَبَتَ خِيَارُ الثَّلَاثِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِخِيَارِ الْمَجْلِسِ تَأْثِيرٌ ، وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى مَضَتِ الثَّلَاثُ ، ثَبَتَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِخِيَارِ الثَّلَاثِ تَأْثِيرٌ .
فَصْلٌ : فَإِذَا كَانَ زَمَانُ الْخِيَارِ بَاقِيًا ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ صَاحِبِهِ ، وَبِهِ قَالَ
مَالِكٌ ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ
أَبُو يُوسُفَ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْبَيْعِ إِلَّا بِحُضُورِ صَاحِبِهِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ فَسْخُ عَقْدٍ ، فَلَمْ يَصِحَّ إِلَّا بِحُضُورِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَالْإِقَالَةِ .
وَلِأَنَّ الْفَسْخَ يُوجِبُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ ، كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ ، فَلَمَّا كَانَ الْعَقْدُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهِمَا ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِحُضُورِهِمَا .
وَدَلِيلُنَا : مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ
لِحِبَّانَ الْخِيَارَ ثَلَاثًا ، وَقَالَ :
" قُلْ : لَا خِلَابَةَ فِي الْإِسْلَامِ " وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي خِيَارِهِ حُضُورُ صَاحِبِهِ ، فَدَلَّ عَلَى اسْتِوَاءِ حُكْمِهِ .
وَلِأَنَّهُ اخْتِيَارُ فَسْخِ الْبَيْعِ فِي مُدَّةِ خِيَارِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْفَسِخَ أَصْلُهُ إِذَا كَانَ بِحُضُورِ صَاحِبِهِ : وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَقْطَعُ الْخِيَارَ ، فَوَجَبَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِهِ رِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنْ لَا يَفْتَقِرَ إِلَى حُضُورِهِمَا .
أَصْلُهُ إِجَازَةُ الْبَيْعِ .
وَلِأَنَّ كُلَّمَا كَانَ فَسْخًا بِحُضُورِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، كَانَ فَسْخًا بِغَيْبَةِ أَحَدِهِمَا كَوَطْءِ الْبَائِعِ ، وَقُبْلَتِهِ لِلْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ .
وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَفْتَقِرْ رَفْعُ الْعَقْدِ إِلَى رِضَاهُ ، لَمْ يَفْتَقِرْ رَفْعُ الْعَقْدِ إِلَى حُضُورِهِ ، كَالزَّوْجِ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ طَرْدًا وَالْإِقَالَةِ عَكْسًا .
وَفِيهِ انْفِصَالٌ عَنِ الِاسْتِدْلَالَيْنِ :
لِأَنَّهُ لَمَّا افْتَقَرَ الْعَقْدُ وَالْإِقَالَةُ إِلَى رِضَاهُمَا ، افْتَقَرَ إِلَى حُضُورِهِمَا ، وَلَمَّا لَمْ يَفْتَقِرِ الْفَسْخُ إِلَى رِضَاهُمَا ، لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى حُضُورِهِمَا .
فَصْلٌ : إِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا فِي بَيْعِ شَيْءٍ أَوِ ابْتِيَاعِ شَيْءٍ ، فَهَلْ يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=14757لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ خِيَارَ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْمُوَكِّلِ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ :
[ ص: 71 ] أَحَدُهُمَا : لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ خِيَارُ الثَّلَاثِ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ الْمُوَكِّلِ صَرِيحٍ : لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ إِلَّا بِشَرْطٍ ، فَلَمْ تَتَضَمَّنْهُ الْوِكَالَةُ إِلَّا بِإِذْنٍ كَالْأَجْلِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَجُوزُ لَهُ اشْتِرَاطُ خِيَارِ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْمُوَكِّلِ : لِأَنَّ الْخِيَارَ زِيَادَةُ نَظَرٍ وَطَلَبُ حَظٍّ بِخِلَافِ الْأَجَلِ .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، وَشَرَطَ الْوَكِيلُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ خِيَارَ الثَّلَاثِ ، فَهُوَ ثَابِتٌ لِلْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ ، أَمَّا الْوَكِيلُ ، فَلِأَجْلِ عَقْدِهِ ، وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ ، فَلِحَقِّ مِلْكِهِ .
وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ صَاحِبَهُ إِلَى قَطْعِ الْخِيَارِ بِفَسْخٍ أَوْ إِجَازَةٍ ، صَحَّ : لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ ، فَإِنْ سَبَقَ الْوَكِيلُ إِلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُوَكِّلُ لَزِمَهُ ، وَكَذَا لَوْ سَبَقَ الْمُوَكِّلُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْوَكِيلِ صَحَّ . واللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=14757إِذَا بَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَكُونَ خِيَارُ الثَّلَاثِ فِيهَا لِزَيْدٍ . قَالَ
الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ : جَازَ ، وَكَانَ الْخِيَارُ لِزَيْدٍ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ فِيهِ خِيَارٌ ، وَمَنَعَ مِنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الشَّرْطِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ :
أَحَدُهَا : حَمْلُ الْجَوَابِ عَلَى ظَاهِرِ نَصِّهِ الْأَوَّلِ ، وَيَصِحُّ الشَّرْطُ ، وَيَكُونُ الْخِيَارُ لِزَيْدٍ الْمُسَمَّى دُونَ الْبَائِعِ : لِأَنَّ الْعَقْدَ يَمْنَعُ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ ، وَمُسْتَحِقُّ الْخِيَارِ مَوْقُوفٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ الْخِيَارَ .
وَالثَّانِي : أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ فَاسِدٌ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْخِيَارَ فَيَ الْبَيْعِ إِلَّا مَنْ عَقَدَهُ أَوْ عُقِدَ لَهُ ، وَلَيْسَ زَيْدٌ الْمُسَمَّى فِي اسْتِحْقَاقِ الْخِيَارِ لَهُ عَاقِدًا وَلَا مَعْقُودًا لَهُ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِي الْعَقْدِ خِيَارٌ .
وَالثَّالِثُ : إِنْ جُعِلَ الْخِيَارُ لِزَيْدٍ عَلَى طَرِيقِ التَّوْكِيلِ لَهُ فِي النَّظَرِ عَنِ الْبَائِعِ ، صَحَّ ، وَثَبَتَ الْخِيَارُ لِزَيْدٍ الْمُسَمَّى وَلِلْبَائِعِ مَعًا ، وَكَانَ زَيْدٌ وَكِيلًا لِلْبَائِعِ ، فَأَيُّهُمَا اخْتَارَ الْفَسْخَ أَوِ الْإِمْضَاءَ لَزِمَ : الْوَكِيلَ أَوِ الْمُوَكِّلَ .
فَإِنَّ جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ مِلْكًا لَهُ دُونَ الْبَائِعِ ، أَوْ أُطْلِقَ الشَّرْطُ ، لَمْ يَجُزْ وَكَانَ بَاطِلًا .
وَتَعْلِيلُ هَذَا الْمَذْهَبِ مُشْتَرَكٌ مِنْ تَعْلِيلِ الْمَذْهَبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ : [ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ الْخِيَارَ لِوَكِيلِهِ دُونَهُ ] .
فَإِذَا قِيلَ : بِصِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ ، صَحَّ الْبَيْعُ وَثَبَتَ فِيهِ الشَّرْطُ .
فَإِذَا قِيلَ : بِفَسَادِ هَذَا الشَّرْطِ ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِفَسَادِهِ ، وَيَكُونُ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ
[ ص: 72 ] بَاطِلًا لِمُنَافَاتِهِ . وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ مَحْكِيٌّ عَنْ
أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ : أَنَّ الشَّرْطَ فَاسِدٌ وَالْبَيْعَ صَحِيحٌ .
وَفِيمَا يَتَنَاوَلُهُ الْفَسَادُ مِنَ الشَّرْطِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : جُمْلَةُ الْخِيَارِ ، فَيَصِيرُ الْبَيْعُ لَازِمًا وَلَا خِيَارَ فِيهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْفَسَادَ إِنَّمَا تَوَجَّهَ إِلَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِزَيْدٍ الْمُسَمَّى ، وَيَكُوْنُ الْخِيَارُ ثَابِتًا لِلْبَائِعِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ : فَإِذَا قَالَ : بِعْتُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ عَلَى اسْتِئْمَارِ زِيدٍ :
قَالَ
الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ : لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَدِ اسْتَأْمَرْتُ زَيْدًا فَأَذِنَ لِي فِي الرَّدِّ .
فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَازِمٌ .
وَالْجَوَابُ فِيهِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَّا بَعْدَ اسْتِئْمَارِ زَيْدٍ وَإِذْنِهِ لِأَجْلِ شَرْطِهِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي إِسْحَاقَ وَكَافَّةِ
الْبَصْرِيِّينَ : أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ بِلَازِمٍ ، وَلَهُ الرَّدُّ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، سَوَاءٌ اسْتَأْمَرَ زَيْدًا أَمْ لَمْ يَسْتَأْمِرْهُ ، لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْخِيَارِ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنَ الْخِيَارِ .
فَمَنْ قَالَ بِهَذَا لَهُمْ عَنْ جَوَابِ
الشَّافِعِيِّ : لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ إِلَّا بَعْدَ اسْتِئْمَارِهِ ، تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : يُرِيدُ بِهِ لَيْسَ لَهُ إِذَا رَدَّ أَنْ يَقُولَ : قَدْ أَذِنَ لِي فِي الرَّدِّ ، إِلَّا بَعْدَ اسْتِئْمَارِهِ : لِئَلَّا يَكُونَ كَذِبًا ، فَكَانَ هَذَا النَّهْيُ مِنْهُ عَنِ الْكَذِبِ لَا عَنِ الرَّدِّ .
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي : أَنَّهُ عَنَى الِاحْتِيَاطَ إِذَا كَانَ زَيْدٌ أَعْرَفَ ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ : لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ إِلَّا بَعْدَ اسْتِئْمَارِهِ : أَيْ لَمْ يَكُنِ الْحَظُّ فِي الرَّدِّ إِلَّا بَعْدَ اسْتِئْمَارِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنِ اسْتِحْقَاقِ الرَّدِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .