فصل :
وتسمع شهادتهم على قديم الزنا وحديثه ، ويحد المشهود عليه بشهادتهم .
وقال
أبو حنيفة : لا تقبل
nindex.php?page=treesubj&link=10304شهادتهم على قديم الزنا ، ولا يحد .
وقال
أبو يوسف : جهدت
بأبي حنيفة أن يوقت للمتقدم وقتا فأبى .
وقال
الحسن بن زياد : وقته
أبو حنيفة بسنة ، فإن شهد قبلها قبل ، وإن شهد بعدها لم يقبل ، احتجاجا برواية
الحسن البصري عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
[ ص: 230 ] أنه قال : أيما شهود شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته ، فإنما هم شهود ضغن لا تقبل شهادتهم . ولأن شهود الزنا مخيرون بين إقامتها وتركها ، فإن أخرها صار تاركا لها ، والعائد في الشهادة بعد تركها متهم ، وشهادة المتهم مردودة ، ولأن الشهادة معتبرة بالإجماع على قول وعدد كالعقود ، فلما بطلت العقود بتأخير القول وافتراق العدد ، وجب أن تكون الشهادة بمثابتها في إبطالها بتأخير القول وافتراق العدد .
ودليلنا : قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة [ النور : 4 ] ، فاقتضى أن يكون محمولا على عموم الأحوال في الفور والتراخي ، ولأن كل شهادة قبلت على الفور قبلت على التراخي كالشهادة على سائر الحقوق : ولأنه أحد نوعي ما ثبت به الزنا ، فوجب أن لا يبطل بالتراخي كالإقرار . وأما حديث عمر فهو مرسل : لأن
عمر لم يلقه وخالفه ، وقد خالف
عمر هذا القول في قصة
المغيرة ، فإنه نقل الشهود فيها من
البصرة إلى
المدينة ، وسمعها بعد تطاول المدة وعلى أن قوله : " لم يشهدوا " محمول على أنهم لم يشهدوا الفعل ، فلا تقبل منهم شهادتهم .
وأما الاستدلال بالتهمة ، فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن التهمة في المبادرة أقوى منها في التأخير .
روى
عكرمة ، عن
ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إذا تثبت أصبت أو كدت تصيب ، وإذا استعجلت أخطأت أو كدت تخطئ .
والثاني : أن التهمة بالعداوة لا توجب عنده رد الشهادة ، وإن ردت عندنا ، ولو صار متهوما بالتأخير لردت به في غير الزنا .
وأما اعتبارهم بالعقود ، فباطل بسائر الشهادات ، والله أعلم .
فَصْلٌ :
وَتُسْمَعُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى قَدِيمِ الزِّنَا وَحَدِيثِهِ ، وَيُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمْ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : لَا تُقْبَلُ
nindex.php?page=treesubj&link=10304شَهَادَتُهُمْ عَلَى قَدِيمِ الزِّنَا ، وَلَا يُحَدُّ .
وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ : جَهَدْتُ
بِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُوَقِّتَ لِلْمُتَقَدِّمِ وَقْتًا فَأَبَى .
وَقَالَ
الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ : وَقَّتَهُ
أَبُو حَنِيفَةَ بِسَنَةٍ ، فَإِنْ شَهِدَ قَبْلَهَا قُبِلَ ، وَإِنْ شَهِدَ بَعْدَهَا لَمْ يُقْبَلْ ، احْتِجَاجًا بِرِوَايَةِ
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[ ص: 230 ] أَنَّهُ قَالَ : أَيُّمَا شُهُودٍ شَهِدُوا عَلَى حَدٍّ لَمْ يَشْهَدُوا عِنْدَ حَضْرَتِهِ ، فَإِنَّمَا هُمْ شُهُودُ ضَغْنٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ . وَلِأَنَّ شُهُودَ الزِّنَا مُخَيَّرُونَ بَيْنَ إِقَامَتِهَا وَتَرْكِهَا ، فَإِنْ أَخَّرَهَا صَارَ تَارِكًا لَهَا ، وَالْعَائِدُ فِي الشَّهَادَةِ بَعْدَ تَرْكِهَا مُتَّهَمٌ ، وَشَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ مَرْدُودَةٌ ، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى قَوْلٍ وَعَدَدٍ كَالْعُقُودِ ، فَلَمَّا بَطُلَتِ الْعُقُودُ بِتَأْخِيرِ الْقَوْلِ وَافْتِرَاقِ الْعَدَدِ ، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِمَثَابَتِهَا فِي إِبْطَالِهَا بِتَأْخِيرِ الْقَوْلِ وَافْتِرَاقِ الْعَدَدِ .
وَدَلِيلُنَا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [ النُّورِ : 4 ] ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ فِي الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي ، وَلِأَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ قُبِلَتْ عَلَى الْفَوْرِ قُبِلَتْ عَلَى التَّرَاخِي كَالشَّهَادَةِ عَلَى سَائِرِ الْحُقُوقِ : وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ مَا ثَبَتَ بِهِ الزِّنَا ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَبْطُلَ بِالتَّرَاخِي كَالْإِقْرَارِ . وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَهُوَ مُرْسَلٌ : لِأَنَّ
عَمَّرَ لَمْ يَلْقَهُ وَخَالَفَهُ ، وَقَدْ خَالَفَ
عُمَرُ هَذَا الْقَوْلِ فِي قِصَّةِ
الْمُغِيرَةِ ، فَإِنَّهُ نَقَلَ الشُّهُودَ فِيهَا مِنَ
الْبَصْرَةِ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، وَسَمِعَهَا بَعْدَ تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ وَعَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : " لَمْ يَشْهَدُوا " مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا الْفِعْلَ ، فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ شَهَادَتُهُمْ .
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِالتُّهْمَةِ ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ التُّهْمَةَ فِي الْمُبَادَرَةِ أَقْوَى مِنْهَا فِي التَّأْخِيرِ .
رَوَى
عِكْرِمَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
إِذَا تَثَبَّتَّ أَصَبْتَ أَوْ كِدْتَ تُصِيبُ ، وَإِذَا اسْتَعْجَلْتَ أَخْطَأْتَ أَوْ كِدْتَ تُخْطِئُ .
وَالثَّانِي : أَنَّ التُّهْمَةَ بِالْعَدَاوَةِ لَا تُوجِبُ عِنْدَهُ رَدَّ الشَّهَادَةِ ، وَإِنْ رُدَّتْ عِنْدَنَا ، وَلَوْ صَارَ مَتْهُومًا بِالتَّأْخِيرِ لَرُدَّتْ بِهِ فِي غَيْرِ الزِّنَا .
وَأَمَّا اعْتِبَارُهُمْ بِالْعُقُودِ ، فَبَاطِلٌ بِسَائِرِ الشَّهَادَاتِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .