فصل : فأما حقوق الآدميين المستهلكة عليهم في دار الحرب ، فإن كانت لأهل الحرب فهي مباحة بالكفر ، والمحاربة لا تضمن أموالهم ، ولا نفوسهم ، وإن كانت للمسلمين فضربان أموال ، ونفوس .
فأما الأموال فيأتي ضمانها .
وأما النفوس
nindex.php?page=treesubj&link=8090كمسلم قتل مسلما في دار الحرب فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون في حرب ، وقد مضى حكمه وذكرنا أقسامه .
والضرب الثاني : يكون في غير حرب فضربان :
أحدهما : أن لا يعلم بإسلامه فينظر في قتله ، فإن قتله خطأ ضمنه بالكفارة دون الدية ، لقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة [ النساء : 92 ] . وإن قتله عمدا فلا قود عليه للشبهة ، وعليه الكفارة ، وفي وجوب الدية قولان :
أحدهما : - وهو اختيار
المزني - لا دية عليه : لأن الجهل بإسلامه يغلب حكم الدار في سقوط ديته كما غلب حكمها في سقوط القود .
والوجه الثاني : - وهو اختيار
أبي إسحاق المروزي - ضمن ديته تغليبا لحكم قصده ، ولا يؤثر سقوط القود الذي يسقط بالشبهة في سقوط الدية التي لا تسقط بالشبهة .
والضرب الثاني : أن يقتله عالما بإسلامه فيلزمه بقتله في دار الحرب ما كان لازما له بقتله في دار الإسلام : إن كان بعمد محض وجب عليه القود ، والكفارة ، وإن كان بعمد الخطأ وجبت عليه الدية مغلظة والكفارة ، وإن كان بخطأ وجبت عليه الدية مخففة والكفارة ، ولا فرق بين من دخل دار الحرب مسلما أو أسلم فيها سواء هاجر أو لم يهاجر .
وقال
أبو حنيفة : لا قود في قتل المسلم في دار الحرب ، إذا لم يكن فيها إمام ، فأما الدية فإن دخلها وهو مسلم غير مأسور ضمن عمده بالدية دون الكفارة ، وضمن
[ ص: 212 ] خطأه بالدية والكفارة ، وإن كان مأسورا لم يضمن ديته في عمد ولا خطأ ، وضمن بالكفارة في الخطأ دون العمد : لأن الأسير قد صار في أيديهم كالمملوك لهم ، وإن أسلم في دار الحرب وهاجر إلى دار الإسلام كان كالداخل إليها مسلما ، وإن لم يهاجر إليها كانت نفسه هدرا لا يضمن بقود ولا دية ، وتلزم الكفارة في الخطأ دون العمد : احتجاجا بقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=72والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا [ الأنفال : 72 ] . وبما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923958أنا بريء من كل مسلم مع مشرك ، وهذا موجب لإهدار دمه قال : ولأنه دم لم يحقن في دار الإسلام فلم يضمن في دار الحرب كالحربي .
ودليلنا قول الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ، وهذا مظلوم بالقتل فوجب أن يكون لوليه سلطانا في القود والدية ، ولأنه إسلام صار الدم به محقونا ، فوجب أن يصير به مضمونا كالمهاجر ، ولأن كل دار ينهدر الدم فيها بالردة ، يضمن الدم فيها بالإسلام كدار الإسلام .
فأما الجواب عن الآية فهو ورودها في الميراث : لأنهم كانوا في صدر الإسلام يتوارثون بالإسلام والهجرة ، ثم نسخت حين توارثوا بالإسلام دون الهجرة .
وأما الجواب عن الخبر فهو إنما تبرأ من أفعاله ، ولا يوجب ذلك هدر دمه كما قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922207من غشنا فليس منا .
وأما الجواب عن قياسه فهو أن هذا هدر دم محقون ، فلم يكن لاختلاف الدار تأثير ، ودم الحربي مباح فلا يكن لاختلاف الدار تأثير ، والله أعلم .
فَصْلٌ : فَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ الْمُسْتَهْلَكَةُ عَلَيْهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، فَإِنْ كَانَتْ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَهِيَ مُبَاحَةٌ بِالْكُفْرِ ، وَالْمُحَارَبَةُ لَا تَضْمَنُ أَمْوَالَهُمْ ، وَلَا نُفُوسَهُمْ ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ فَضَرْبَانِ أَمْوَالٌ ، وَنُفُوسٌ .
فَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَيَأْتِي ضَمَانُهَا .
وَأَمَّا النُّفُوسُ
nindex.php?page=treesubj&link=8090كَمُسْلِمٍ قَتَلَ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ فِي حَرْبٍ ، وَقَدْ مَضَى حُكْمُهُ وَذَكَرْنَا أَقْسَامَهُ .
وَالضَّرْبُ الثَّانِي : يَكُونُ فِي غَيْرِ حَرْبٍ فَضَرْبَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ لَا يَعْلَمَ بِإِسْلَامِهِ فَيُنْظُرَ فِي قَتْلِهِ ، فَإِنْ قَتَلَهُ خَطَأً ضَمِنَهُ بِالْكَفَّارَةِ دُونَ الدِّيَةِ ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [ النِّسَاءِ : 92 ] . وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ، وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : - وَهُوَ اخْتِيَارُ
الْمُزَنِيِّ - لَا دِيَةَ عَلَيْهِ : لِأَنَّ الْجَهْلَ بِإِسْلَامِهِ يَغْلِبُ حُكْمَ الدَّارِ فِي سُقُوطِ دِيَتِهِ كَمَا غَلَبَ حُكْمُهَا فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : - وَهُوَ اخْتِيَارُ
أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ - ضَمِنَ دِيَتَهُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ قَصْدِهِ ، وَلَا يُؤَثِّرُ سُقُوطُ الْقَوَدِ الَّذِي يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ فِي سُقُوطِ الدِّيَةِ الَّتِي لَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ .
وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَقْتُلَهُ عَالِمًا بِإِسْلَامِهِ فَيَلْزَمَهُ بِقَتْلِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَا كَانَ لَازِمًا لَهُ بِقَتْلِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ : إِنْ كَانَ بِعَمْدٍ مَحْضٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ ، وَالْكَفَّارَةُ ، وَإِنْ كَانَ بِعَمْدِ الْخَطَأِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً وَالْكَفَّارَةُ ، وَإِنْ كَانَ بِخَطَأٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً وَالْكَفَّارَةُ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ مُسْلِمًا أَوْ أَسْلَمَ فِيهَا سَوَاءٌ هَاجَرَ أَوْ لَمْ يُهَاجِرْ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : لَا قَوَدَ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِمَامٌ ، فَأَمَّا الدِّيَةُ فَإِنْ دَخَلَهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ غَيْرُ مَأْسُورٍ ضَمِنَ عَمْدَهُ بِالدِّيَةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ ، وَضَمِنَ
[ ص: 212 ] خَطَأَهُ بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَأْسُورًا لَمْ يَضْمَنْ دِيَتَهُ فِي عَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ ، وَضَمِنَ بِالْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ : لِأَنَّ الْأَسِيرَ قَدْ صَارَ فِي أَيْدِيهِمْ كَالْمَمْلُوكِ لَهُمْ ، وَإِنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهَاجَرَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ كَالدَّاخِلِ إِلَيْهَا مُسْلِمًا ، وَإِنْ لَمْ يُهَاجِرْ إِلَيْهَا كَانَتْ نَفْسُهُ هَدْرًا لَا يُضْمَنُ بِقَوْدٍ وَلَا دِيَةٍ ، وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ : احْتِجَاجًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=72وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا [ الْأَنْفَالِ : 72 ] . وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923958أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ ، وَهَذَا مُوجِبٌ لِإِهْدَارِ دَمِهِ قَالَ : وَلِأَنَّهُ دَمٌ لَمْ يُحْقَنْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُضْمَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَالْحَرْبِيِّ .
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ، وَهَذَا مَظْلُومٌ بِالْقَتْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فِي الْقَوَدِ وَالدِّيَةَ ، وَلِأَنَّهُ إِسْلَامٌ صَارَ الدَّمُ بِهِ مَحْقُونًا ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَ بِهِ مَضْمُونًا كَالْمُهَاجِرِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ دَارٍ يَنْهَدِرُ الدَّمُ فِيهَا بِالرِّدَّةِ ، يُضْمَنُ الدَّمُ فِيهَا بِالْإِسْلَامِ كَدَارِ الْإِسْلَامِ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَهُوَ وُرُودُهَا فِي الْمِيرَاثِ : لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ يَتَوَارَثُونَ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ ، ثُمَّ نُسِخَتْ حِينَ تَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ دُونَ الْهِجْرَةِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ فَهُوَ إِنَّمَا تَبَرَأَ مِنْ أَفْعَالِهِ ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ هَدْرَ دَمِهِ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=922207مَنْ غَشِّنَا فَلَيْسَ مِنَّا .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ فَهُوَ أَنَّ هَذَا هَدْرُ دَمٍ مَحْقُونٍ ، فَلَمْ يَكُنْ لِاخْتِلَافِ الدَّارِ تَأْثِيرٌ ، وَدَمُ الْحَرْبِيِّ مُبَاحٌ فَلَا يَكُنْ لِاخْتِلَافِ الدَّارِ تَأْثِيرٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .