فصل : وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=23988وجد المضطر لحم آدمي ميت جاز أن يأكل منه ، وهو قول الجماعة ، وقال
داود : لا يجوز أن يأكل منه ، وهو حرام على المضطر كتحريمه على غيره ، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
حرمة ابن آدم بعد موته كحرمته في حياته ، وكسر عظمه بعد موته ككسر عظمه في حياته .
قال
محمد بن داود : ولأن هذا مفض إلى أكل لحوم الأنبياء والصديقين ، ومن أوجب الله تعالى حفظ حرمته ، وتعظيم حقه .
فقلبه عليه
أبو العباس بن سريج وقال : المنع من أكله مفض إلى قتل الأنبياء والصديقين إذا اضطروا حفظا لحرمة ميت كافر ، وهذا أعظم ، فلم يصح بما قاله
ابن داود .
والدليل على إباحته ، قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم [ المائدة : 3 ] فكان على عمومه ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=925338قال في حمزة بن عبد المطلب حين قتل بأحد : لولا صفية لتركته تأكله السباع : حتى يحشر من بطونها . فإذا جاز أن تأكله البهائم التي لا حرمة لها ، فأولى أن تحفظ به نفوس ذوي الحرمات : ولأنه لما كان أن يحيي نفسا بقتل نفس ، فإحياؤها بغير ذي نفس أولى : ولأن لحمه يبلى بغير إحياء نفس ، فكان أولى أن يبلى بإحياء نفس .
وأما الخبر فهو بأن يكون دليلا في إباحة أكله أشبه : لأنه لما حفظ حرمته بعد الموت ، كان حفظها في الحياة أوكد ، وإذا لم يمكن حفظ الحرمتين ، كان حفظ حرمة الحي بالميت أولى من حفظ حرمة الميت بالحي .
فإذا ثبت إباحة أكله منه ، فليس له أن يأكل إلا قدر ما يمسك رمقه قولا واحدا : ليحفظ به الحرمتين معا ، ويمنع من طبخه وشيه ، ويأكله نيئا إن قدر لأن طبخه
[ ص: 176 ] محظور ، وإن لم يؤكل : وأكله محظور وإن لم يطبخ ، والضرورة تدعو إلى الأكل فأبحناه ، ولا تدعو إلى الطبخ فحظرناه .
وخالف الميتة التي تختص بتحريم الأكل دون الطبخ ، فجاز أن يجمع بينهما عند الضرورة .
وأما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=16910وجد المضطر آدميا حيا ، فإن كان ممن لا يستباح قتله حرم على المضطر أن يأكله ما يحيي به نفسه : لأنه لا يجوز إحياء نفس بإتلاف نفس مع تكافئهما في الحرمة .
وسواء كان المأكول مسلما أو ذميا : لأن نفس الذمي محظورة كالمسلم ، وإن كان المأكول ممن يجب قتله في ردة أو حرابة أو زنى جاز أن يأكل المضطر من لحمه لكن بعد قتله ، ولا يأكل لحمه في حياته ، لما فيه من تعذيبه ، فإن أكل من لحمه حيا كان مسيئا إن قدر على قتله ، ومعذورا إن لم يقدر على قتله لشدة الخوف على نفسه ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=23990لم يجد المضطر ما يمسك رمقه إلا بقطع عضو من جسده ففي إباحته وجهان :
أحدهما : وهو محكي عن
أبي إسحاق المروزي إذا كان غالب قطعه السلامة لحفظ نفسه بعضو من جسده ، كما يقطع إذا وقعت فيه الأكلة ليحفظ به نفسه .
والوجه الثاني : لا يجوز : لأنه يجمع بقطعه بين خوفين ، فكان أسرع إلى تلفه وليس كقطع الأكلة : لأنه يأمن سرايتها بقطعه .
فَصْلٌ : وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=23988وَجَدَ الْمُضْطَرُّ لَحْمَ آدَمِيٍّ مَيْتٍ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ ، وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ ، وَقَالَ
دَاوُدُ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمُضْطَرِّ كَتَحْرِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
حُرْمَةُ ابْنِ آدَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ كَحُرْمَتِهِ فِي حَيَاتِهِ ، وَكَسْرُ عَظْمِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَكَسْرِ عَظْمِهِ فِي حَيَاتِهِ .
قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ : وَلِأَنَّ هَذَا مُفْضٍ إِلَى أَكْلِ لُحُومِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّدِّيقِينَ ، وَمَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى حِفْظَ حُرْمَتِهِ ، وَتَعْظِيمَ حَقِّهِ .
فَقَلَبَهُ عَلَيْهِ
أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَقَالَ : الْمَنْعُ مِنْ أَكْلِهِ مُفْضٍ إِلَى قَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّدِّيقِينَ إِذَا اضْطُرُّوا حَفْظًا لِحُرْمَةِ مَيِّتٍ كَافِرٍ ، وَهَذَا أَعْظَمُ ، فَلَمْ يَصِحَّ بِمَا قَالَهُ
ابْنُ دَاوُدُ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى إِبَاحَتِهِ ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ الْمَائِدَةِ : 3 ] فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=925338قَالَ فِي حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ قُتِلَ بِأَحَدٍ : لَوْلَا صَفِيَّةُ لَتَرَكْتُهُ تَأْكُلُهُ السِّبَاعُ : حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ بُطُونِهَا . فَإِذَا جَازَ أَنْ تَأْكُلَهُ الْبَهَائِمُ الَّتِي لَا حُرْمَةَ لَهَا ، فَأَوْلَى أَنْ تُحْفَظَ بِهِ نُفُوسُ ذَوِي الْحُرُمَاتِ : وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَنْ يُحْيِيَ نَفْسًا بِقَتْلِ نَفْسٍ ، فَإِحْيَاؤُهَا بِغَيْرِ ذِي نَفْسٍ أَوْلَى : وَلِأَنَّ لَحْمَهُ يَبْلَى بِغَيْرِ إِحْيَاءِ نَفْسٍ ، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَبْلَى بِإِحْيَاءِ نَفْسٍ .
وَأَمَّا الْخَبَرُ فَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا فِي إِبَاحَةِ أَكْلِهِ أَشْبَهُ : لِأَنَّهُ لَمَّا حَفِظَ حُرْمَتَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، كَانَ حِفْظُهَا فِي الْحَيَاةِ أَوْكَدَ ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنُ حِفْظُ الْحُرْمَتَيْنِ ، كَانَ حِفْظُ حُرْمَةِ الْحَيِّ بِالْمَيِّتِ أَوْلَى مِنْ حِفْظِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ بِالْحَيِّ .
فَإِذَا ثَبَتَ إِبَاحَةُ أَكْلِهِ مِنْهُ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إِلَّا قَدْرَ مَا يُمْسِكُ رَمَقَهُ قَوْلًا وَاحِدًا : لِيَحْفَظَ بِهِ الْحُرْمَتَيْنِ مَعًا ، وَيُمْنَعَ مِنْ طَبْخِهِ وَشَيِّهِ ، وَيَأْكُلُهُ نِيئًا إِنْ قَدَرَ لِأَنَّ طَبْخَهُ
[ ص: 176 ] مَحْظُورٌ ، وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ : وَأَكْلُهُ مَحْظُورٌ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ ، وَالضَّرُورَةُ تَدْعُو إِلَى الْأَكْلِ فَأَبَحْنَاهُ ، وَلَا تَدْعُو إِلَى الطَّبْخِ فَحَظَرْنَاهُ .
وَخَالَفَ الْمَيْتَةَ الَّتِي تَخْتَصُّ بِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ دُونَ الطَّبْخِ ، فَجَازَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ .
وَأَمَّا إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=16910وَجَدَ الْمُضْطَرُّ آدَمِيًّا حَيًّا ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُسْتَبَاحُ قَتْلُهُ حَرُمَ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَهُ مَا يُحْيِي بِهِ نَفْسَهُ : لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِحْيَاءُ نَفْسٍ بِإِتْلَافِ نَفْسٍ مَعَ تَكَافُئِهِمَا فِي الْحُرْمَةِ .
وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَأْكُولُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا : لِأَنَّ نَفْسَ الذِّمِّيِّ مَحْظُورَةٌ كَالْمُسْلِمِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْكُولُ مِمَّنْ يَجِبُ قَتْلُهُ فِي رِدَّةٍ أَوْ حِرَابَةٍ أَوْ زِنًى جَازَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُضْطَرُّ مِنْ لَحْمِهِ لَكِنْ بَعْدَ قَتْلِهِ ، وَلَا يَأْكُلُ لَحْمَهُ فِي حَيَاتِهِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِهِ ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ حَيًّا كَانَ مُسِيئًا إِنْ قَدَرَ عَلَى قَتْلِهِ ، وَمَعْذُورًا إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَتْلِهِ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ ، فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=23990لَمْ يَجِدِ الْمُضْطَرُّ مَا يُمْسِكُ رَمَقَهُ إِلَّا بِقَطْعِ عُضْوٍ مِنْ جَسَدِهِ فَفِي إِبَاحَتِهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ الْمِرْوَزِيِّ إِذَا كَانَ غَالِبُ قَطْعِهِ السَّلَامَةَ لِحِفْظِ نَفْسِهِ بِعُضْوٍ مِنْ جَسَدِهِ ، كَمَا يُقْطَعُ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْأَكَلَةُ لِيَحْفَظَ بِهِ نَفْسَهُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَجُوزُ : لِأَنَّهُ يَجْمَعُ بِقَطْعِهِ بَيْنَ خَوْفَيْنِ ، فَكَانَ أَسْرَعَ إِلَى تَلَفِهِ وَلَيْسَ كَقَطْعِ الْأَكَلَةِ : لِأَنَّهُ يَأْمَنُ سِرَايَتَهَا بِقَطْعِهِ .