المسألة السادسة
إذا تقرر ما تقدم ; فللدخول في الأسباب مراتب تتفرع على القسمين ; له ثلاث مراتب : أحدها : أن يدخل فيها على أنه فاعل للمسبب أو مولد له ; فهذا شرك أو مضاه له ـ والعياذ بالله ـ والسبب غير فاعل بنفسه ، والله خالق كل شيء ، فالالتفات إلى المسببات بالأسباب والله خلقكم وما تعملون [ الصافات : 96 ] .
وفي الحديث : الحديث ; فإن [ ص: 322 ] المؤمن بالكوكب الكافر بالله هو الذي جعل الكوكب [ فاعلا بنفسه ، وهذه المسألة قد تولى النظر فيها أرباب الكلام ] . أصبح من عبادي مؤمن بي ، وكافر
والثانية : أن يدخل في السبب على أن المسبب يكون عنده عادة ، وهذا هو المتكلم على حكمه قبل ; ومحصوله طلب المسبب عن السبب لا باعتقاد الاستقلال ، بل من جهة كونه موضوعا على أنه سبب لمسبب ، فالسبب لا بد أن يكون سببا لمسبب لأنه معقوله ، وإلا لم يكن سببا ; فالالتفات إلى المسبب من هذا الوجه ليس بخارج عن مقتضى عادة الله في خلقه ، ولا هو مناف لكون السبب واقعا بقدرة الله تعالى ; فإن قدرة الله تظهر عند وجود السبب ، وعند عدمه فلا ينفي وجود السبب كونه خالقا للمسبب ، لكن هنا قد يغلب الالتفات إليه حتى يكون فقد المسبب مؤثرا ومنكرا ، وذلك لأن العادة غلبت على النظر في السبب بحكم كونه سببا ، ولم ينظر إلى كونه موضوعا بالجعل لا مقتضيا بنفسه ، وهذا هو غالب أحوال الخلق في الدخول في الأسباب .
والثالثة : أن يدخل في السبب على أن المسبب من الله تعالى ; لأنه المسبب فيكون الغالب على صاحب هذه المرتبة اعتقاد أنه مسبب عن قدرة الله وإرادته من غير تحكيم لكونه سببا ; فإنه لو صح كونه سببا محققا لم يتخلف كالأسباب العقلية ، فلما لم يكن كذلك ; تمحض جانب التسبيب [ ص: 323 ] الرباني بدليل السبب الأول ، وهنا يقال لمن حكمه : فالسبب الأول عن ماذا تسبب ؟ ، وفي مثله قال عليه الصلاة والسلام : ؟ . فمن أعدى الأول
فإذا كانت فالله هو المسبب لا هي ; إذ ليس له شريك في ملكه ، وهذا كله مبين في علم الكلام ، وحاصله يرجع إلى عدم اعتبار السبب في المسبب من جهة نفسه ، واعتباره فيه من جهة أن الله مسببه ، وذلك صحيح . الأسباب مع المسببات داخلة تحت قدرة الله ;