فصل
- ومنها :
nindex.php?page=treesubj&link=20591أن تارك النظر في المسبب أعلى مرتبة ، وأزكى عملا إذا كان عاملا في العبادات ، وأوفر أجرا في العادات ; لأنه عامل على إسقاط حظه ، بخلاف من كان ملتفتا إلى المسببات ; فإنه عامل على الالتفات إلى الحظوظ ; لأن نتائج الأعمال راجعة إلى العباد مع أنها خلق الله ; فإنها مصالح أو مفاسد تعود عليهم كما في حديث
أبي ذر : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337419إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها " ، وأصله في القرآن :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=46من عمل صالحا فلنفسه [ فصلت : 46 ] ; فالملتفت إليها عامل بحظه ، ومن رجع إلى مجرد الأمر والنهي ، [ عامل على إسقاط الحظوظ ، وهو مذهب أرباب الأحوال ] ، ولهذا بسط في موضع آخر .
فإن قيل : على أي معنى يفهم إسقاط النظر في المسببات ؟ ، وكيف ينضبط ما يعد كذلك ؟ مما لا يعد كذلك ؟
[ ص: 358 ] فالجواب أن ترك الحظوظ قد يكون ظاهرا ، بمعنى عدم التفات القلب إليها جملة ، وهذا قليل ، وأكثر ما يختص بهذا أرباب الأحوال من الصوفية ، فهو يقوم بالسبب مطلقا من غير أن ينظر هل له مسبب أم لا ، وقد يكون غير ظاهر
[ ص: 359 ] بمعنى أن الحظ لا يسقط جملة من القلب ; إلا أنه التفت إليه من وراء الأمر أو النهي ، ويكون هذا مع الجريان على مجاري العادات ، مع علمه بأن الله مجريها كيف شاء ، ويكون أيضا مع طلب المسبب بالسبب ، أي : يطلب من المسبب مقتضى السبب ; فكأنه يسأل المسبب باسطا يد السبب ، كما يسأله الشيء باسطا يد الضراعة أو يكون مفوضا في المسبب إلى من هو إليه ، فهؤلاء قد أسقطوا النظر في المسبب بالسبب ، وإنما الالتفات للمسبب بمعنى الجريان مع السبب ; كالطالب للمسبب من نفس السبب أو كالمعتقد أن السبب هو المولد للمسبب ، فهذا هو المخوف الذي هو حر بتلك المفاسد المذكورة ، وبين هذين الطرفين ، وسائط هي مجال نظر المجتهدين ; فإلى أيهما كان أقرب كان الحكم له ، ومثل هذا مقرر أيضا في مسألة الحظوظ .
فَصْلٌ
- وَمِنْهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=20591أَنَّ تَارِكَ النَّظَرِ فِي الْمُسَبَّبِ أَعْلَى مَرْتَبَةً ، وَأَزْكَى عَمَلًا إِذَا كَانَ عَامِلًا فِي الْعِبَادَاتِ ، وَأَوْفَرُ أَجْرًا فِي الْعَادَاتِ ; لِأَنَّهُ عَامِلٌ عَلَى إِسْقَاطِ حَظِّهِ ، بِخِلَافِ مَنْ كَانَ مُلْتَفِتًا إِلَى الْمُسَبَّبَاتِ ; فَإِنَّهُ عَامِلٌ عَلَى الِالْتِفَاتِ إِلَى الْحُظُوظِ ; لِأَنَّ نَتَائِجَ الْأَعْمَالِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْعِبَادِ مَعَ أَنَّهَا خَلْقُ اللَّهِ ; فَإِنَّهَا مَصَالِحُ أَوْ مَفَاسِدُ تَعُودُ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي حَدِيثِ
أَبِي ذَرٍّ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337419إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا " ، وَأَصْلُهُ فِي الْقُرْآنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=46مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ [ فُصِّلَتْ : 46 ] ; فَالْمُلْتَفِتُ إِلَيْهَا عَامِلٌ بِحَظِّهِ ، وَمَنْ رَجَعَ إِلَى مُجَرَّدِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، [ عَامِلٌ عَلَى إِسْقَاطِ الْحُظُوظِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ ] ، وَلِهَذَا بَسْطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
فَإِنْ قِيلَ : عَلَى أَيِّ مَعْنًى يُفْهَمُ إِسْقَاطُ النَّظَرِ فِي الْمُسَبَّبَاتِ ؟ ، وَكَيْفَ يَنْضَبِطُ مَا يُعَدُّ كَذَلِكَ ؟ مِمَّا لَا يُعَدُّ كَذَلِكَ ؟
[ ص: 358 ] فَالْجَوَابُ أَنَّ تَرْكَ الْحُظُوظِ قَدْ يَكُونُ ظَاهِرًا ، بِمَعْنَى عَدَمِ الْتِفَاتِ الْقَلْبِ إِلَيْهَا جُمْلَةً ، وَهَذَا قَلِيلٌ ، وَأَكْثَرُ مَا يَخْتَصُّ بِهَذَا أَرْبَابُ الْأَحْوَالِ مِنَ الصُّوفِيَّةِ ، فَهُوَ يَقُومُ بِالسَّبَبِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْظُرَ هَلْ لَهُ مُسَبَّبٌ أَمْ لَا ، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ظَاهِرٍ
[ ص: 359 ] بِمَعْنَى أَنَّ الْحَظَّ لَا يَسْقُطُ جُمْلَةً مِنَ الْقَلْبِ ; إِلَّا أَنَّهُ الْتَفَتَ إِلَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الْأَمْرِ أَوِ النَّهْيِ ، وَيَكُونُ هَذَا مَعَ الْجَرَيَانِ عَلَى مَجَارِي الْعَادَاتِ ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ مُجْرِيهَا كَيْفَ شَاءَ ، وَيَكُونُ أَيْضًا مَعَ طَلَبِ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ ، أَيْ : يَطْلُبُ مِنَ الْمُسَبَّبِ مُقْتَضَى السَّبَبِ ; فَكَأَنَّهُ يَسْأَلُ الْمُسَبَّبَ بَاسِطًا يَدَ السَّبَبِ ، كَمَا يَسْأَلُهُ الشَّيْءَ بَاسِطًا يَدَ الضَّرَاعَةِ أَوْ يَكُونُ مُفَوِّضًا فِي الْمُسَبَّبِ إِلَى مَنْ هُوَ إِلَيْهِ ، فَهَؤُلَاءِ قَدْ أَسْقَطُوا النَّظَرَ فِي الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ ، وَإِنَّمَا الِالْتِفَاتُ لِلْمُسَبَّبِ بِمَعْنَى الْجَرَيَانِ مَعَ السَّبَبِ ; كَالطَّالِبِ لِلْمُسَبَّبِ مِنْ نَفْسِ السَّبَبِ أَوْ كَالْمُعْتَقِدِ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُوَلِّدُ لِلْمُسَبَّبِ ، فَهَذَا هُوَ الْمُخَوِّفُ الَّذِي هُوَ حَرٍ بِتِلْكَ الْمَفَاسِدِ الْمَذْكُورَةِ ، وَبَيْنَ هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ ، وَسَائِطُ هِيَ مَجَالُ نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ ; فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ كَانَ الْحُكْمُ لَهُ ، وَمِثْلُ هَذَا مُقَرَّرٌ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الْحُظُوظِ .