[ ص: 139 ] بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر يا كريم قال العبد الفقير إلى الله تعالى أبو سعيد سنجر بن عبد الله الناصري، عرف بالجاولي، عفا الله عنه: الحمد لله الذي هدانا لدينه، ووفقنا للأخذ بما جاء عن محمد نبيه ورسوله وأمينه، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تشعرني أمنا، وتقيم لي يوم القيامة وزنا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة ترقيهم أعلى الدرجات، وتبوئهم أسنى مراتب الكرامات. أما بعد: فإن هذا مسند الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي، رحمة الله عليه، رواية الشيخ الربيع بن سليمان المرادي المصري المؤذن، الذي خرجه أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف الأموي الأصم وجمعه، فإنه لما سمع علي [ ص: 140 ] بالقدس الشريف بالجامع الأقصى، ورأى من سمعه من الجماعة أن كثيرا من الأحاديث قد تكررت في المسند في عدة مواضع في غير مواضعها، وهي مسرودة فيه على غير ترتيب ولا نسق، إنما هي مخرجة من أماكنها من كتب الشافعي رضي الله عنه على ما شرحه في المسند، ولا تكاد أحاديثها تنتظم، ولا يتبع بعضها بعضا، ويحتاج الطالب للحديث أن يتجشم كلفة التطلب والاعتبار لذلك الحديث في أي موضع قد جاء من المسند. سألني من الجماعة من لا يرد سؤاله، أن ننقل الأحاديث التي في المسند إلى المواضع اللائقة بها، ونرتبها كتبا وأبوابا، ونذكر كل حديث في كتابه وبابه؛ لتكون الهمم لها أطلب، وفيها أرغب، وكان يمنعنا من ذلك كثرة الأشغال، فلما من الله سبحانه وتعالى علينا، وذهب عنا ما كنا فيه من الاشتغال، لما قدره من ترتيب هذا الكتاب، فالله تعالى يجعل الخيرة لنا فيما اختار. ولما كان الأمر على ذلك استخرنا الله تعالى وسألناه التوفيق والهدى، ومجانبة الرياء واتباع الهوى. فأما بيان ما قصدناه من هذا الترتيب، فإنا نبدأ في أول حديث من كل باب، ونقول: أخبرنا الشافعي، ونذكر الإسناد ثم نذكر متن الحديث، ولم نذكر فيما بعده من الأحاديث التي في الباب الشافعي إلا ما قد جاء في المسند، فإنا نذكره على ما جاء في المسند، وإن كان قد جاء الحديث من طريق أو اثنين أو ثلاثة ذكرناها في موضع واحد، وإن كان قد تكرر الحديث وفي موضع آخر من المسند نقلناه إلى هذا الموضع، ونذكر في أي كتاب جاء في المسند، ومن ذلك أربعة أحاديث لم يسمعها الربيع من الشافعي، سمعها من البويطي عن الشافعي ترد في أبوابها مقدم بذكر البويطي في سند الحديث [ ص: 141 ] عن الشافعي. وقال في آخر كتاب المسند من كتاب الطعام والشراب وعمارة الأرضين، مما لم يسمع الربيع من الشافعي، وقال: أعلم أن ذا من قوله وبعض كلامه، هذا سمعته في الكتاب الكبير المبسوط، ومن كتاب اختلاف علي وعبد الله مما لم يسمع الربيع من الشافعي، هذا نص لفظه في المسند، أوردت كل حديث منه في بابه، وقلت في أول كل حديث منه: قال الشافعي في كتابه، أو أخبرنا الشافعي في كتابه على حكم ما جاء في المسند من: قال أو أخبرنا تنبيها عليه، وما لم نذكر فيه كتابه لم يكن منه. ونسأل الله العظيم التوفيق لما فيه رضاه، والإعانة على ما قصدناه، وأن يعصمنا من الزيغ والزلل، ويهدينا إلى أوضح السبل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وأنا أسأل كل من وقف عليه من أولي الفهم والدراية، وأرباب النقل والرواية، ورأى فيه خللا، أو لمح منه زللا أن يصلحه، فإني مقر بالتقصير في هذا المقام الكبير، معترف بالعجز عن الإحاطة بهذا البحر الغزير، والله الموفق للصواب في القول والعمل بمنه وكرمه. ولنذكر الآن طريق روايتنا مسند الشافعي رضي الله عنه، فنقول: أخبرنا بجميعه القاضي الإمام العالم ضياء الدين دانيال بن منكلي بن صرفا التركماني الكركي الشافعي قاضي الشوبك في شوال سنة ثمان وثمانين وست مائة بقلعة الشوبك بالمنظرة منزل النيابة، قراءة عليه، ونحن نسمع، قيل له: أخبرك الشيخ الإمام الصالح أبو بكر محمد بن سعيد بن موفق بن علي الخازن شيخ الصوفية، [ ص: 142 ] ببغداد سنة اثنتين وأربعين وست مائة؟ ، فأقر به، قال: أخبرنا الشيخ أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي في جمادى الأولى سنة إحدى وستين وخمس مائة، قال: أخبرنا أبو الحسن مكي بن منصور بن محمد بن علان، سنة سبع وثمانين وأربع مائة، قال: أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الحرشي الحيري، بنيسابور، سنة ثمان عشرة وأربع مائة، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف الأصم، قال: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي المؤذن المصري، قال: أخبرنا الإمام الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه النسبة جاءت في المسند في أول كتاب النكاح من الإملاء في سند حديث النهي عن الشغار، واخترنا أن نذكرها في أول الكتاب تيمنا بها.