باب في التبدئة والحصاص في الوصايا
. والواجب ثلاثة : المأخوذ من تركة الميت من غير دين ولا ميراث ، واجب ومتطوع به
أحدها : ما يخرج من رأس المال بغير وصية .
والثاني : مختلف فيه هل يخرج من رأس المال بغير وصية؟
والثالث : يخرج من الثلث إن أوصى به ، وقد تجتمع هذه الأقسام في الزكاة فإن كانت مما لم يفرط فيها وهي زكاة حب أو ثمار ، أخرجت من رأس المال بغير وصية ، وكذلك زكاة الماشية إن لم يكن ساع .
واختلف في زكاة العين إذا علم وجوبها ولم يفرط . فقال : إن أوصى بها أخرجت من رأس المال ، وإلا فلا تخرج من ثلث ، ولا رأس مال . ابن القاسم
وقال : تخرج من رأس المال ، وإن لم يوص ، وهو أحسن لاجتماعهما على زكاة الحب والثمار أنها تخرج من رأس المال وإن لم يوص ولا فرق بينهما ، ويقول أشهب إنها بعد الوصية من رأس المال ، وإن وصى بزكاة فرط فيها أخرجت من الثلث . ابن القاسم
وقال : من رأس المال . وقال ابن شهاب محمد فيمن علم منه أنه لا يخرج زكاته ، ولعله قيل له : في مرضه أخرج زكاة مالك ، فقال : لا فإذا برئت أخرجتها : فلا تخرج عنه إن لم يوص بها . يريد : فتخرج من ثلثه ، والقياس أن [ ص: 3606 ] تخرج من رأس المال . وقال محمد في كتاب العتق الأول فيمن تمتع بالعمرة إلى الحج ثم مات عند انقضاء حجه ونفره ولم يهد عن تمتعه : يؤدى ذلك عنه من رأس المال ، وإن فرط لم يؤد من ثلث ولا رأس مال ، وعلى هذا من وجب عليه عتق رقبة من ظهار فإن لم يفرط أعتق عنه من رأس المال ، وإن كان فرط لم يعتق عنه .
: والموصى به أربعة أوجه
أحدها : ما جاء به القرآن .
والثاني : ما جاءت به السنة .
والثالث : ما أوجبه الموصي عن نفسه .
والرابع : ما أوصى به ولم يوجبه ، فإن اجتمع ذلك في وصيته وضاق الثلث ابتدئ بما جاء به القرآن ، فإن فضل شيء ابتدئ فيه بما جاءت به السنة ، فإن فضل شيء صرف فيما تطوع به وقد يبتدأ بما جاء في السنة قبل ما جاء في القرآن في بعض المسائل ، والذي أوجبه الله -عز وجل- في أموال عباده : الزكاة ، والعتق عن القتل ، والعتق عن الظهار ، والإطعام والنسك ، والإطعام عن إماطة الأذى ، والهدي ، والإطعام عن التمتع والهدي ، والإطعام عن جزاء الصيد والعتق ، والإطعام والكسوة عن اليمين بالله -عز وجل- ، فإن اجتمع ذلك في وصية بدئ بالآكد فالآكد ، فتبدى زكاة الأموال ، ثم زكاة الفطر ، ثم الهدي ، ثم الكفارة عن إفطار رمضان; لأن الزكاة لا مدخل له في وجوبها ، وما دخل من وصم في الحج والصوم ، فهو أدخله على نفسه ، ويبدى هدي التمتع على الفدية; [ ص: 3607 ] لأن المفهوم من القرآن أنه آكد لعموم التخيير فيه ، ولأن الصوم عنه عشرة ، وعن الفدية ثلاثة .
وتبدى الفدية على هدي الفساد; لأنها بالقرآن ، ولأنها عن وصم في حج صحيح فكان جبر ما دخل فيه أولى من الهدي عن الفساد; لأن الفاسد أتى ببدله صحيحا ، وإنما الهدي عن الحج المتقدم الذي لم يعتد به وصار في حكم الساقط ، وكذلك إن كان هدي عن حج صحيح ، وكفارة عن تعمد في رمضان بدئ بما كان في الحج; لأنه يجبر به ما انثلم من حجة الإسلام والإفطار قد قضاه وأتى به صحيحا ، وإنما الكفارة عن الفاسد الذي سقط حكمه ، وإن كان الهدي عن فساد والكفارة عن إفطار لم يقدم أحدهما على الآخر وهما مقدمان على العتق في القتل والظهار; لأن الأوليين عن انتهاك القرب التي هي دعائم الإسلام ، وعن وصم في فرض فرضه الله -عز وجل- ، والآخران عن شيء أدخل نفسه فيه لم يكن أصله فرضا .
واختلف في الكفارة عن القتل والظهار ، فقيل : تبدى الكفارة عن القتل ، وقيل : هما سواء ، والأول أحسن; لأنه قد فهم أنه آكد لما لم ينقل منه إلى إطعام .
قال في العتبية : ولأن الظهار مختلف فيه ، فقد قال بعض الناس : إن وطئ قبل أن يكفر ثم طلقها فالكفارة ليست بواجبة . قال : وهو [ ص: 3608 ] قول ابن القاسم أهل المشرق ، وبعض من أرضى من أهل المدينة . وأرى أن يبتدأ بالعتق عن القتل ، فإن فضل شيء أطعم عن الظهار .
واختلف بعد القول إنهما سواء ، فقيل : ] يقرع بينهما ، وقيل : ذلك للورثة يعتقون عن أيهما شاءوا ثم كفارة الأيمان .
وقال في كتاب ابن الماجشون : إذا أوصى بزكاة فرط فيها وبزكاة فطر وكفارة ظهار وقتل وجزاء صيد وكفارة أيمان ، فهذه الواجبات كلها لا يبدى بعضها على بعض ، وهذا خارج عن المعروف من المذهب . ابن حبيب