فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل أي حكم بمنعه بعد اليوم إن لم نذهب بأخينا بنيامين حيث قال لنا الملك ( إن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ) والتعبير بذلك عما ذكر مجاز والداعي لارتكابه أنه لم يقع منع ماض وفيه دليل على كون الامتيار مرة بعد أخرى كان معهودا بينهم وبينه عليه السلام وقيل : إن الفعل على حقيقته والمراد منع أن يكال لأخيهم الغائب حملا آخر ورد بعيره غير محمل بناء على رواية أنه عليه السلام لم يعط له وسقا فأرسل معنا أخانا بنيامين إلى مصر وفيه إيذان بأن مدار المنع على عدم [ ص: 11 ] كونه معهم نكتل أي من الطعام ما نحتاج إليه وهو جواب الطلب قيل : والأصل يرفع المانع ونكتل فالجواب هو يرفع إلا أنه رفع ووضع موضعه يكتل لأنه لما علق المنع من الكيل بعدم إتيان أخيهم كان إرساله رفعا لذلك المانع ووضع موضعه ذلك لأنه المقصود وقيل : إنه جيء بآخر الجزأين ترتبا دلالة على أولهما مبالغة وأصل هذا الفعل نكتيل على وزن نفعيل قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت لالتقاء الساكنين ومن الغريب أنه نقل السجاوندي أنه سأل المازني ابن السكيت عند الواثق عن وزن نكتل فقال : تفعل فقال : فإذا ماضيه كتل فخطأه على أبلغ وجه . المازني
وقرأ حمزة ( يكتل ) بياء الغيبة على إسناده للأخ مجازا لأنه سبب للاكتيال أو يكتل أخونا فينضم اكتياله إلى اكتيالنا وقوى والكسائي بهذه القراءة القول ببقاء منع على حقيقته ومثله أبو حيان الإمام وإنا له لحافظون . (63) . من أن يصيبه مكروه وهذا سد لباب الاعتذار وقد بالغوا في ذلك كما لا يخفى وفي بعض الأخبار ولا يخفى حاله أنهم لما دخلوا على أبيهم عليه السلام سلموا عليه سلاما ضعيفا فقال لهم : يا بني ما لكم تسلمون علي سلاما ضعيفا وما لي لا أسمع فيكم صوت شمعون فقالوا : يا أبانا جئناك من عند أعظم الناس ملكا ولم ير مثله علما وحكما وخشوعا وسكينة ووقارا ولئن كان لك شبه فإنه يشبهك ولكنا أهل بيت خلقنا للبلاء إنه اتهمنا وزعم أنه لا يصدقنا حتى ترسل معنا بنيامين برسالة منك تخبره عن حزنك وما الذي أحزنك وعن سرعة الشيب إليك وذهاب بصرك وقد منع منا الكيل فيما يستقبل إن لم نأته بأخينا فأرسله معنا نكتل وإنا له لحافظون حتى نأتيك به