الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            في هذه السنة حج أسد الدين شيركوه بن شاذي مقدم جيوش نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام ، وشيركوه هذا هو الذي ملك الديار المصرية . وفيها أرسل زين الدين علي نائب قطب الدين ، صاحب الموصل ، رسولا إلى المستنجد يعتذر مما جناه من مساعدة محمد شاه في حصار بغداد ، ويطلب أن يؤذن له في الحج ، فأرسل إليه يوسف الدمشقي ، مدرس النظامية ، وسليمان بن قتلمش يطيبان قلبه عن الخليفة ويعرفانه الإذن في الحج ، فحج ودخل إلى الخليفة ، فأكرمه وخلع عليه . وفي منتصف صفر : فوض تدريس جامع السلطان إلى اليزدي مكان الشمس البغدادي .

            وفي هذه الأيام : منع المحدثون من قراءة الحديث في جامع القصر وسببه أن صبيانا من الجهلة قرءوا شيئا من أخبار [الصفات ] ثم أتبعوا ذلك بذم المتأولين وكتبوا على جزء من تصانيف أبي نعيم اللعن له والسب فبلغ ذلك أستاذ الدار فمنعهم من القراءة . وفي يوم الجمعة سلخ صفر : أرجف على الخليفة بالموت فانزعج الناس وماج البلد وعدم الخبز من الأسواق ثم وقع إلى الوزير بعافيته وطابت قلوب الناس ووقعت البشائر [والخلع ] فلما كانت صبيحة الأحد ثاني ربيع الأول أصبحت أبواب الدار كلها مغلقة إلى قريب الظهر وأغلق باب النوبي وباب العامة فتحقق الناس الأمر وركب العسكر بالسلاح فلما كان قريب الظهر فتحت الأبواب ودعي الناس إلى بيعة المستنجد بالله فأظهروا موت المقتفي . وظهر أقوام يتكلمون بالبدع ويتعصبون في المذاهب وأعانني الله تعالى عليهم وكانت كلمتنا هي العليا . وأذن لرجل يقال له أبو جعفر بن سعيد ابن المشاط فجلس في الجامع فكان يسأل فيقال له الم ذلك الكتاب كلام الله ؟ فيقول لا . ويقول في القصص هذا كلام موسى وهذا كلام النملة فأفسد عقائد الناس وخرج فمات عن قريب . وفي جمادى الآخرة : عزل قاضي القضاة أبو الحسن علي بن أحمد الدامغاني ورتب مكانه [عبد الواحد ] أبو جعفر الثقفي وخلع عليه وكتب له عهد وكان قد قيل لابن الدامغاني قم لابن الثقفي الصغير الذي ولي مكان ابن المرخم . فقال : ما جرت العادة أن يقوم قاضي القضاة لقاض . فقيل له قد قمت لابن المرخم فأنكر ذلك وشهد عليه العدول بأنه قام له فأخذوا ذلك عليه وعزل .

            وأخذ رجل معلم يقال له أبو المعمر عبد الرزاق بن علي الخطيب كان يعلم الصبيان بالمأمونية فصار يخبر المقتفي ، وتقدم إلى حاجب الباب بسماع قوله فكان يخشى ويتقى وصار له شرف فلما توفي المقتفي كتب إلى المستنجد يلتمس ما كان يفعله في زمان أبيه فقال الخليفة هذا الذي كان يخبر ؟ قالوا نعم ، فأمر بالقبض عليه فأخذ وعوقب إلى أن سال دمه وجيء به إلى بيته ليلا ليدلهم على دفين فقال احفروا ها هنا وها هنا فحفروا فلم يجدوا شيئا فقال إنما قلت ذلك من حرارة الضرب وأعادوه إلى الحبس . وفي هذه السنة : ولي ابن حمدون المقاطعات . وفيها : قبض على ابن الفقيه النائب بالمخزن وكان يشرف لولاية المخزن فقبض عليه صاحب المخزن وبذل ابن الصيقل الذي كان حاجب الباب أربعة آلاف دينار على أن يولى نقابة العباسيين فخوطب في ذلك نقيب النقباء فبذل خمسة آلاف فقبض على ابن الصيقل وطولب بما بذل فقرر عليه اثنا عشر ألفا فباع كل ما يملك . وفي رمضان : حدثت حادثة عجيبة وذلك أن مغربيا كان يلعب بالرمل ويحسب بالنجوم سكن حجرة في دربية سوق الأساكفة ظهرها إلى دار ابن حمدون العارض [فأظهر الزهادة ] فكان يخرج في الليل إلى الحارس فيقول افتح لي فقد لحقني احتلام ، ثم نقب أصول الحيطان وفرق التراب في الغرف حتى خرج إلى خزانة في الدار وفيها خزانة خشب ساج فنقل كل ما فيها من مال ومصاغ قوم ثلاثة آلاف دينار وخرج إلى الحارس فقال افتح لي وكان قد استعد ناقة ورفقة فخرج فركب وسار فما علم به حتى صار على فراسخ ثم أخذ مملوك لنضر بن القاسم التاجر وقالوا كان رفيق المغربي جيء به من رحبة الشام متهما بالعملة وبقتل المغربي وقيل إنه ساعد المغربي على ذلك فلما خرج قتله وأخذ المال . وفيها استعفى القاضي زكي الدين أبو الحسن علي بن محمد بن يحيى القرشي من القضاء بدمشق ، فأعفاه الملك نور الدين ، وولى مكانه القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري ، وكان من خيار القضاة وأكثرهم صدقة ، وله صدقات جارية بعده ، وكان عالما ، بارعا ، وإليه ينسب الشباك الكمالي الذي يجلس فيه الحكام في الجامع بعد صلاة الجمعة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية