الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة في جمادى الأولى ، أقيمت الجمعة في الجامع الذي بناه فخر الدولة بن المطلب بقصر المأمون غربي بغداد .

            وفيها رأيت بالموصل خروفين ببطن واحد ورأسين ورقبتين وظهرين وثماني قوائم كأنهما خروفان ببطن واحد ، وجه أحدهما إلى وجه الآخر ، وهذا من العجائب .

            وفيها انقض كوكب أضاءت له الأرض إضاءة كثيرة ، وسمع له صوت عظيم وبقي أثره في السماء مقدار ساعة وذهب . وفيها توفي القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري في سادس المحرم من هذه السنة ، وقد كان من خيار القضاة ، وأخص الناس بنور الدين الشهيد ، فوض إليه نظر الجامع ودار الضرب وعمارة الأسوار والنظر في المصالح العامة .

            ولما حضرته الوفاة أوصى بالقضاء لابن أخيه ضياء الدين بن تاج الدين الشهرزوري ، فأمضى ذلك السلطان الملك الناصر صلاح الدين ; رعاية لحق الكمال الشهرزوري ، مع أنه كان يجد عليه ; بسبب ما كان بينه وبينه حين كان صلاح الدين شحنة بدمشق ، وكان يعاكسه ويخالفه ، ومع هذا أمضى وصيته لابن أخيه ، فجلس في مجلس القضاء على عادة عمه وقاعدته ورسمه ، وبقي في نفس السلطان من تولية شرف الدين أبى سعد عبد الله بن أبي عصرون الحلبي ، وكان قد هاجر إلى السلطان إلى دمشق فوعده أن يوليه قضاءها ، فأسر بذلك إلى القاضي الفاضل ، فأشار القاضي الفاضل على الضياء أن يستعفي من القضاء فاستعفى فأعفي ، وترك له وكالة بيت المال ، وولى السلطان ابن أبي عصرون على أن يستنيب القاضي محيي الدين أبا المعالي محمد بن زكي الدين ، والأوحد ، عنه ففعل ذلك ، ثم بعد سنوات استقل بالحكم محيي الدين ; أبو حامد بن أبي عصرون عوضا عن أبيه شرف الدين ; بسبب ضعف بصره .

            وفي صفر من هذه السنة وقف السلطان الملك الناصر قرية حزم على الزاوية الغزالية ، ومن يشتغل بها بالعلوم الشرعية ، أو ما يحتاج إليه الفقيه ، وجعل النظر لقطب الدين النيسابوري مدرسها .

            وفي هذا الشهر تزوج السلطان صلاح الدين بالست خاتون عصمة الدين بنت معين الدين أنر ، وكانت زوجة الملك نور الدين محمود ، فأقامت بعده في القلعة محترمة مكرمة ، وولي تزويجها منه أخوها الأمير سعد الدين مسعود بن أنر ، وحضر القاضي ابن أبي عصرون العقد ، ومن معه من العدول ، وبات الناصر عندها تلك الليلة والتي بعدها ، ثم سافر إلى مصر بعد يومين من الدخول بها ، فركب يوم الجمعة قبل الصلاة فنزل بمرج الصفر ، ثم سافر فعشا قريبا من الصنمين ، ثم أجد السير حتى كان دخوله الديار المصرية يوم السبت سادس عشر ربيع الأول من هذه السنة في أبهة الملك . وقد تلقاه أخوه ونائبه الملك العادل سيف الدين أبو بكر إلى عند بحر القلزم ومعه من الهدايا شيء كثير ولا سيما المآكل المتنوعة ، وكان في صحبة السلطان العماد الكاتب ، ولم يكن ورد الديار المصرية قبل ذلك ، فشرع يذكر محاسنها ، وما اختصت به من بين البلدان ، ووصف الهرمين ، وشبههما بأنواع من التشبيهات ، وبالغ في ذلك حسب ما ذكر في " الروضتين " .

            وفي شعبان ركب السلطان الناصر بن أيوب إلى الإسكندرية فأسمع ولديه الأفضل عليا ، والعزيز عثمان على الحافظ السلفي ، وتردد بهما إليه ثلاثة أيام ; الخميس والجمعة والسبت رابع رمضان ، وعزم السلطان على الصيام بها ، وأمر بتجديد الأسطول وإصلاح مراكبه وسفنه وشحنه بالرجال والمقاتلة ، وأمرهم بغزو جزائر البحر ، وأقطعهم الإقطاعات الجزيلة ، وأرصد لصالح الأسطول من بيت المال ما يكفيه لجميع شئونه ، ثم عاد إلى القاهرة في أثناء رمضان فأكمل صومه بها .

            وفيها أمر الناصر صلاح الدين ببناء مدرسة للشافعية على قبر الإمام الشافعي ، وجعل الشيخ نجم الدين الخبوشاني مدرسها وناظرها .

            وفيها أمر ببناء المارستان بالقاهرة ، ووقف عليه أوقافا كثيرة . وفيها بنى الأمير مجاهد الدين قايماز نائب قلعة الموصل جامعا حسنا ورباطا ومدرسة ومارستانا متجاورات بظاهر مدينة الموصل وقد تأخرت وفاته إلى سنة خمس وتسعين وخمسمائة ، وله عدة مدارس وخانقاهات وجوامع غير ما ذكرنا ، وكان دينا خيرا فاضلا حنفي المذهب ، يذاكر في الأدب والأشعار والفقه ، كثير الصيام وقيام الليل - قدس الله روحه .

            وفيها أخرج المجذومون من أهل بغداد إلى ناحية منها ليتميزوا عن أهل العافية - نسأل الله العافية بفضله وكرمه - فرج بعد شدة يتعلق بالتاريخ

            بالقرب من جزيرة ابن عمر حصن منيع من أمنع المعاقل اسمه فنك ، وهو على رأس جبل عال ، وهو للأكراد البشنوية ، له بأيديهم نحو ثلاثمائة سنة ، وكان صاحبه هذه السنة أمير منهم اسمه إبراهيم ، وله أخ اسمه عيسى ، قد خرج منه ، وهو لا يزال يسعى في أخذه من أخيه إبراهيم ، فأطاعه بعض بطانة إبراهيم ، وفتح باب السر ليلا ، وأصعد منه إلى رأس القلعة نيفا وعشرين رجلا من أصحاب عيسى ، فقبضوا على إبراهيم ومن عنده ، ولم يكن عنده إلا نفر من خواصه ، وهذه قلة على صخرة كبيرة مرتفعة عن سائر القلعة ارتفاعا كثيرا ، وبها يسكن الأمير وأهله وخواصه ، وباقي الجند في القلعة تحت القلة ، فلما قبضوا على إبراهيم جعلوه في خزانة ، وضربه بعضهم بسيف في يده على عاتقه ، فلم يصنع شيئا ، فلما جعل في الخزانة وكل به رجلان ، وصعد الباقون إلى سطح القلة ، ولا يشكون أن القلعة لهم لا مانع عنها .

            ووصل من الغد بكرة الأمير عيسى ليتسلم القلعة ، وبينهما دجلة وكانت امرأة الأمير إبراهيم في خزانة أخرى ، وفيها شباك حديد ثقيل يشرف على القلعة ، فجذبته بيدها فانقلع ، وجند زوجها في القلعة لا يقدرون على شيء ، فلما قلعت الشباك أرادت أن تدلي حبلا ترفع به الرجال إليها ، فلم يكن عندها غير ثياب خام ، فوصلت بعضها ببعض ودلتها إلى القلعة ، وشدت طرفيها عندها في عود فأصعدت إليها عشرة رجال ، ولم يكن يراهم الذين على السطح .

            ورأى الأمير عيسى ، وهو على جانب دجلة ، الرجال يصعدون ، فصاح هو ومن معه إلى أولئك الذين على السطح ليحذروا ، وكانوا كلما صاحوا صاح أهل القلعة لتختلف الأصوات فلا يفهم الذين على السطح ، فينزلون ويمنعون من ذلك ، فلما اجتمع عندها عشرة رجال أرسلت مع خادم عندها إلى زوجها قدح شراب وأمرته أن يقرب منه كأنه يسقيه الشراب ويعرفه الحال ، ففعل ذلك ، وجلس بين يديه ليسقيه ، وعرفه الحال ، فقال : ازدادوا من الرجال ، فأصعدت عشرين رجلا وخرجوا من عندها ، فمد إبراهيم يده إلى الرجلين الموكلين به ، فأخذ شعورهما ، وأمر الخادم بقتلهما ، وكان إبراهيم عنده ، فقتلهما بسلاحهما ، فخرج واجتمع بأصحابه وأرادوا فتح القلعة ليصعد إليه أصحابه من القلعة ، فلم يجد المفاتيح ، وكانت مع أولئك الرجال الذين على السطح ، فاضطروا إلى الصعود إلى سطح القلة ليأخذوا أصحاب عيسى ، فعلموا الحال ، فجاءوا ووقفوا على رأس الممرق فلم يقدر أحد [ أن ] يصعد ، فأخذ بعض أصحاب إبراهيم ترسا وجعله على رأسه ، وحصل في الدرجة ، وصعد وقاتل القوم على رأس الممرق ، حتى صعد أصحابه فقتلوا الجماعة وبقي منهم رجل ألقى نفسه من السطح ، فنزل إلى أسفل الجبل فتقطع . فلما رأى عيسى ما حل بأصحابه عاد خائبا مما أمله ، واستقر الأمير إبراهيم في قلعته على حاله . ومن الحوادث فيها:

            أنه تقدم إلي بالكلام تحت منظرة الخليفة [بباب بدر] فتكلمت [يوم الأحد] ثاني المحرم وحضر أمير المؤمنين ثم تكلمت هناك يوم عاشوراء فامتلأ المكان [من وقت السحر فطلع الفجر] وليس لأحد طريق فرجع الناس وامتلأت الطرق بالناس [قياما يتأسفون على فوت الحضور] ، وقام من يتظلم في المجلس فبعث [أمير المؤمنين] في الحال من كشف ظلامته .

            وزفت ابنتي رابعة [ليلة الأربعاء] ثاني عشر المحرم إلى زوجها وكان زفافها في دار الجهة [المعظمة في درب الدواب وأحضرت الجهة وذلك] بعد أن جهزتها الجهة بمال كثير .

            وفي [يوم الخميس] حادي عشر صفر: دخل رجل إلى جامع المنصور ليأكل خبزا فمات في مكانه ومات آخر في باب البصرة وامرأة في تلك الساعة ودخل رجل من السواد إلى مسجد العتابيين [يومئذ] وترك حماره على الباب فمات الرجل ودخل بعض الحاج إلى بغداد يوم الأربعاء عاشر صفر ثم تتابعوا فدخل الأكثرون يوم الأحد ولم تجر لهم عادة بهذا التأخر وأخبروا بأشياء لقوها في دخول مكة قد ذكرنا بعضها في حوادث السنة .

            ونقصت دجلة في أول آب وهو أول صفر نقصانا ما رأينا مثله وخرجت جزائر كثيرة فيها ما عهدنا مثلها وكانت السفينة تجنح في وسط دجلة فينزلون فيحركونها . وفي أواخر آب هب ريح شديد البرد ليالي فنزل الناس من السطوح ثم عاد الحر فصعدوا فأصاب الناس زكام شديد عم ذلك الخلق .

            وفي [أول] ربيع الأول: خرج العسكر لقتال بني خفاجة . وفي يوم الاثنين سابع ربيع الأول: خرج أمير المؤمنين عند استواء طلوع الشمس إلى الكشك ثم عاد بعد الظهر إلى قصره] . وظهرت حمرة شديدة في السماء من المشرق من وقت طلوع الفجر إلى حين استواء الشمس ثم كانت تظهر عند غيبة الشمس من المغرب كذلك كأنها الشفق إلا أنها أشد حمرة لم نر مثلها كأنها الدم وكانت تتصاعد ويبقى تحتها من الغيم المضيء فتضيء له الأماكن [كأنه ضوء الشمس] وبقيت مدة ثم انقطعت ثم عادت تقل وتكثر أشهرا . وفي يوم الخميس ثامن جمادى الأولى: أذن في إقامة الجمعة بمسجد ابن المأمون بقصر عيسى فأقيمت فيه يومئذ .

            وفي يوم السبت غرة جمادى الآخرة: عبرت إلى جامع المنصور فوعظت فيه بعد العصر وعبر الناس من نهر معلى واجتمع أهل المحال فحزر الجمع مائة ألف ورجعنا إلى نهر معلى والناس ممتدون من باب البصرة كالشراك إلى الجسر وكان يوما مشهودا] .

            وجاء الخبر بنصر المسلمين على الإفرنج في غرة جمادى الآخرة [وخرج أمير المؤمنين يوم الثلاثاء رابع عشرين جمادى الآخرة أول وقت الضحى إلى الكشك وخرج الناس لرؤيته على ما جرت به العادة فبات في الكشك وخرج بكرة إلى الصيد فبقي الأربعاء والخميس ودخل الدار العزيزة قبل المغرب ثم تقدم إلي بالجلوس بباب بدر تحت المنظرة يوم الاثنين سلخ جمادى الآخرة فتكلمت فيه بعد العصر وأمير المؤمنين حاضر وجرى مجلس مستحسن تاب فيه جماعة وقصت فيه شعور وذكرت خروجه إلى الكشك في قصيدة أنشأتها وهي:


            يا سيد الخلق وعين الأكوان خليفة الله العظيم السلطان     يا شمس جود نورها في البلدان
            يا بدر تم تم لا عن نقصان     ظهرت للخلق ظهور البرهان
            عاشت به أرواح أهل الإيقان     زين بك البر وزينت أوطان
            صدت القلوب حين صادوا الغزلان     بحلمك الوافر بل بالإحسان
            والكشك قد حقر قدر الإيوان     هذا على التوحيد وضع البنيان
            بني الإله ودهم في الجثمان     الحجر والبيت لهم والأركان
            أصبحت كالروح ونحن أبدان     الشرع كالعين وأنت أجفان
            الجود غصن واحد يا بستان     هذا مديحي وهو قدر الإمكان
            وفي ضميري ضعف هذا الإعلان     عبيدكم لا يشترى بأثمان
            وقد ملكتم رقه بالإحسان     سميت نفسي مذ خدمت سلمان
            لكن لساني في المديح حسان

            وحسن ألفاظي تباهي سحبان]

            وفي بكرة الأربعاء ثاني رجب: حضر الناس على عادتهم دعوة أمير المؤمنين التي تكون في كل رجب [فحضر الوزير وأرباب الدولة والعلماء والمتصوفة] ونصب لهم سماط مستحسن وقرئت ختمة وتقدم إلي بالدعاء فدعوت [وأنشد ابن شبيب قصيدة يمدح فيها أمير المؤمنين وهذه كانت العادة كل سنة] ثم خرج قاضي القضاة [ومعظم] أرباب الدولة وخرجت معهم [وبات القوم على سماع الإنشاد وخلعت عليهم خلع وفرقت عليهم أموال] .

            وتكلمت يوم الخميس عاشر رجب بعد العصر تحت المنظرة وأمير المؤمنين حاضر والزحام شديد [ثم تناولنا أنا والقزويني كل ليلة جمعة فكان يوم مجلسي تغلق أبواب المكان بعد الظهر لشدة الزحام فإذا جئت بعد العصر فتح لي فزاحم معي من يمكنه أن يزاحم] .

            وفي شهر رجب: قارب بغداد بعض السلجوقية ممن يروم السلطنة وأرسل رسولا ليؤذن له في المجيء فلم يلتفت إليه [فجمع جمعا] ونهب مواضع فخرج إليه العسكر وجرت مناوشات في شعبان ورحل فرجع العسكر إلى بغداد ثم عاد فنهب مواضع وآذى



            قرى فعاد العسكر فخرج إليه وأمر عليهم شكر الخادم فأقاموا يراصدونه طول رمضان ثم رحل في شوال إلى ناحية خراسان فرجع العسكر .

            [وفي يوم الاثنين حادي عشر رمضان: تقدم إلي بالجلوس في دار ظهير الدين صاحب المخزن وحضر أمير المؤمنين وأذن للعوام في الدخول فتكلمت وأعجبهم حتى قال لي ظهير الدين قد قال أمير المؤمنين ما كأن هذا الرجل آدمي لما يقدر عليه من الكلام] .

            ومما جرى بعد النصف من رمضان أن رجلا من التجار باع متاعا له بألف دينار وترك المال في خان أنبار وجاء إلى بيته وليس معه في الدار إلا مملوك له أسود قد اشتراه قبل ذلك بأيام فقام المملوك في الليل فضربه بسكين في فؤاده وأخذ المفتاح ومضى إلى الخان أنبار فطرق باب الخان فقالت الخانية من أنت؟ قال أنا غلام فلان قد بعث بي لآخذ له شيئا من الخان أنبار فقالت والله ما أفتح لك حتى يجيء مولاك فرجع ليأخذ ما في البيت فاتفق أن حارس الدرب سمع صيحة الرجل وقت أن ضرب بالسكين فأمسك الغلام وبقي مولاه في الحياة يومين فوصى بقتل الغلام بعده فصلب المملوك بالرحبة بعد موت مولاه [يوم الخميس حادي عشرين رمضان] وأخذ مملوك آخر لبعض التجار من سيده ألف دينار وهرب فلم يسمع له خبر .

            وجاء حر شديد [بعد نصف رمضان فكان ذلك] في آذار فبقي أسبوعا على مثل حر حزيران أو أشد فأخبر المشايخ أنهم ما رأوا مثل هذا في هذا الوقت ثم عاد الزمان إلى عادته .

            وحدثني طلحة [بن مظفر] العلثي الفقيه أنه ولد عندهم بالعلث في رمضان [مولود] لستة أشهر فخرج له أربعة أضراس .

            وفي يوم الاثنين خامس عشرين رمضان: تقدم بجلوسي في دار صاحب المخزن فجلست وحضر أمير المؤمنين وأذن للعوام في الدخول فتكلمت بعد العصر إلى المغرب وبتنا في الدار تلك الليلة مع جماعة من الفقهاء فجرت مناظرات إلى نصف الليل .

            وفي يوم الجمعة العشرين من شوال: حضرت الصلاة بجامع الرصافة فلم يحضر الخطيب وقاربت العصر فصلى أكثر الناس الظهر وانصرفوا وأقمت مع جماعة ننتظر الخطيب فجاء قبيل العصر فخطب وصلينا وكان السبب في تأخره أن الذي كانت الجمعة نوبته صرف عن الخطابة ولم يعلم نائبه فتأخر فبعثوا إليه من باب البصرة فحضر فاختصر فقرأ ألهاكم التكاثر وهذا شيء لا يذكر الناس أنه جرى مثله على هذا الوصف .

            وفي يوم الجمعة خامس ذي القعدة: أذن في إقامة الجمعة بمسجد في شارع دار الدقيق من الجانب الغربي فأقيمت فيه وقد ذكرنا أنه أذن في إقامة الجمعة بمسجد ابن المأمون في جمادى الأولى فمن العجائب تجدد جامعين ببغداد في سنة واحدة] وفي [يوم الاثنين] ثامن ذي القعدة [بعد العصر] هبت ريح شديدة فأثارت ترابا عظيما وأزعجت الناس وبقيت كذلك ساعة جيدة ثم ذهبت . واتفق في هذا الشهر أن رجلا أمر بالمعروف فقصده بعض من أمره بخشبة فهرب الآمر فعاد الرجل إلى بيته والخشبة بيده فحين دخل الدار وقع فمات .

            ووصل الخبر في ذي القعدة بأن بلادا كثيرة زلزلت وخسف ببعضها وذكر فيها الري وقزوين .

            وكتب إلى بعض الوعاظ أن امرأة تقول كان رجل إذا رآني في الطريق مشى إلى جانبي وتعرض لي فقلت له أنا لا أوافق إلا على الحلال فتزوج بي عند الحاكم وقضيت معه مديدة يأتيني كما يأتي الرجل المرأة ثم عظمت بطنه وقال لي قد حبلت فاعملي لي دواء الإسقاط فعملت له فولد وقد حضرت المجلس أنا وهو فما حكمنا؟ فقال الواعظ هذا النكاح ما صح لأنه بالولادة انكشف أنه امرأة وتعجب الناس من حال هذا الخنثى الذي كان يأتي ويؤتى .

            وفي ليلة الاثنين ثاني عشرين ذي القعدة: دخل رجل إلى بيت أخته فذبحها [وهرب] وكأنه حدث عنها بما لا يصلح [وتحدث بعض جيراننا بباب المراتب أنه وقع في دارهم حائط فقام هو وجارية له يعزلون الآجر والجص فوجدت الجارية صندوقا لطيفا فيه منامية فيها دنانير في الدينار أربعة وخمسة وبين ذلك حب الحبة الواحدة كالزيتونة وأشياء وصفتها فأعطت منها بعض جيرانهم وسلمت الباقي إلى رجل كان يعرفها منذ جلبت وقالت اكتر ببعض هذا وتعال إلي في اليوم الفلاني حتى أخرج معك فمضى الرجل ولم يعد فلما يئست منه حدثت سيدها بذلك فجعل يتلهف بعد أن فات الأمر .

            ونزل رجل إلى دجلة يسبح وترك ثيابه وفيها ستون دينارا على الشاطئ فجاء قوم فأخذوها ومضوا فاتهم بها آخرين فأخذوا وأهينوا ثم طلبوا من كان قريبا منهم فإذا رجل قد أخذ الذهب وخرج ليسافر فوجدوه في الحربية قد نفق منه عشرة قراريط ففتشوه فأخذوه فقيل لصاحب المال طيب قلوب المتهمين فقد رد مالك فلم يفعل .

            ومما تجدد أن رجلا قال لطحان من أهل الكرخ أعطني كارة دقيق . فقال ما أفعل فقال والله ما أبرح حتى آخذ فقال الطحان وحق على الذي هو خير من الله ما أعطيك .

            فشهد عليه جماعة فحبس أياما ثم أخرج يوم السبت سابع عشرين ذي القعدة فضرب مائة سوط وسود وجهه وشهر في الغد وخلفه من يضربه بالخشب والعامة يرجمونه ثم أعيد إلى الحبس .

            وتقدم إلي بالجلوس بباب بدر فتكلمت بكرة الخميس ثالث ذي الحجة وحضر أمير المؤمنين وقام إلي رجل يوم عرفة في المجلس فتاب وقطع شعره وقال لي ثلاث أسابيع أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام كأنه في كل مجلس يأتي إليك فيقبل صدرك] . وفيها: أمر بإنشاء قلعة بجبل المقطم، وهي التي صارت دار السلطنة، ولم تتم إلا في أيام السلطان الملك الكامل ابن أخي صلاح الدين، وهو أول من سكنها.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية