واختلف الناس في "فرادى" هل هو جمع أم لا؟ والقائلون بأنه جمع اختلفوا في مفرده، فقال "فرادى جمع فرد وفريد وفرد وفردان" فجوز أن يكون جمعا لهذه الأشياء. وقال الفراء: "هو جمع فردان كـ سكران وسكارى، وعجلان وعجالى" . وقال قوم: هو جمع فريد كرديف وردافى، وأسير وأسارى، قاله ابن قتيبة: وقيل: هو جمع فرد بفتح الراء، وقيل بسكونها، وعلى هذا فألفه للتأنيث كألف سكارى وأسارى، فمن ثم لم ينصرف، وقيل: هو اسم جمع; لأن فردا لا يجمع على فرادى، وقول من قال: إنه جمع له فإنما يريد في المعنى، ومعنى فرادى: فردا فردا، فإذا قلت: جاء القوم فرادى فمعناه واحدا واحدا، قال الشاعر: [ ص: 45 ] الراغب،
1987 - ترى النعرات الزرق تحت لبانه فرادى ومثنى أثقلتها صواهله
ويقال: فرد يفرد فرودا فهو فارد وأفردته أنا، ورجل أفرد وامرأة فرداء كأحمر وحمراء، والجمع على هذا فرد كحمر، ويقال في "فرادى": فراد على زنة فعال فينصرف، وهي لغة تميم، وبها قرأ عيسى بن عمر وأبو حيوة: ولقد جئتمونا فرادى وقال وقرئ في الشاذ بالتنوين على أنه اسم صحيح، يقال في الرفع فراد مثل نوام ورجال وهو جمع قليل. انتهى. ويقال أيضا: "جاء القوم فراد" غير منصرف فهو كأحاد ورباع في كونه معدولا صفة، وهي قراءة شاذة هنا. وروى أبو البقاء: عن خارجة نافع كليهما أنهما قرآ "فردى" مثل سكرى اعتبارا بتأنيث الجماعة كقوله تعالى: " وترى الناس سكرى وما هم بسكرى " فهذه أربع قراءات: المشهورة فرادى، وثلاث في الشاذ: فرادا كرجال، فراد كأحاد، وفردى كسكرى. وأبي عمرو
قوله: كما خلقناكم في هذه الكاف أوجه، أحدها: أنها منصوبة المحل على الحال من فاعل "جئتمونا" ، فمن أجاز تعدد الحال أجاز ذلك من غير تأويل، ومن منع ذلك جعل الكاف بدلا من "فرادى" . الثاني: أنها في محل نصب نعتا لمصدر محذوف أي: مجيئنا مثل مجيئكم يوم خلقناكم، وقدره "منفردين انفرادا مثل حالكم أول مرة" والأول أحسن [ ص: 46 ] لأن دلالة الفعل على المصدر أقوى من دلالة الوصف عليه. الثالث: أن الكاف في محل نصب على الحال من الضمير المستكن في فرادى أي: مشبهين ابتداء خلقكم، كذا قدره مكي: وفيه نظر; لأنهم لم يشبهوا بابتداء خلقهم، وصوابه أن تقدر مضافا أي: مشبهة حالكم حال ابتداء خلقكم. أبو البقاء،
قوله أول مرة منصوب على ظرف الزمان والعامل فيه: خلقناكم، و "مرة" في الأصل مصدر لـ: مر يمر مرة، ثم اتسع فيها فصارت زمانا، قال "وهذا يدل على قوة شبه الزمان بالفعل" . وقال الشيخ: وانتصب "أول مرة" على الظرف أي: أول زمان، ولا يتقدر أول خلق، لأن أول خلق يستدعي خلقا ثانيا، ولا يخلق ثانيا إنما ذلك إعادة لا خلق. يعني: أنه لا يجوز أن تكون المرة على بابها من المصدرية، ويقدر أول مرة من الخلق لما ذكر. أبو البقاء:
قوله: وتركتم فيها وجهان، أحدهما: أنها في محل نصب على الحال من فاعل "جئتمونا" ، و "قد" مضمرة على رأي، أي: وقد تركتم. والثاني: أنها لا محل لها لاستئنافها، و "ما" مفعولة بـ "ترك" ، و "من" موصولة اسمية، ويضعف جعلها نكرة موصوفة والعائد محذوف أي: ما خولناكموه، و "ترك" هنا متعدية لواجد لأنها بمعنى التخلية، ولو ضمنت معنى صير تعدت لاثنين، و "خول" يتعدى لاثنين لأنه بمعنى أعطى وملك.
والخول: ما أعطاه الله من النعم، قال أبو النجم: [ ص: 47 ]
1988 - كوم الذرى من خول المخول
فمعنى خولته كذا: ملكته الخول فيه، كقولهم: مولته أي: ملكته المال، وقال والتخويل في الأصل: إعطاء الخول، وقيل: إعطاء ما يصير له خولا، وقيل: إعطاء ما يحتاج أن يتعهده من قولهم: فلان خال مال وخائل مال، أي: حسن القيام عليه. الراغب:
وقوله: وراء ظهوركم متعلق "بتركتم" ويجوز أن يضمن "ترك" هنا معنى صير فيتعدى لاثنين أولهما الموصول، والثاني: هذا الظرف فيتعلق بمحذوف أي: وصيرتم الترك الذي خولناكموه كائنا وراء ظهوركم.
قوله: وما نرى الظاهر أنها المتعدية لواحد فهي بصرية، فعلى هذا يكون "معكم" متعلقا بنرى، ويجوز أن يكون بمعنى علم، فيتعدى لاثنين، ثانيهما هو الظرف فيتعلق بمحذوف أي: ما نراهم كائنين معكم أي: مصاحبيكم، إلا أن أبا البقاء استضعف هذا الوجه وهو كما قال; إذ يصير المعنى: وما يعلم شفعاؤكم معكم، وليس المعنى عليه قطعا. وقال "ولا يجوز أن يكون –أي: معكم- حالا من الشفعاء، إذ المعنى يصير أن شفعاءهم معهم ولا نراهم" وفيما قاله نظر لا يخفى: وذلك أن النفي إذا دخل على ذات بقيد ففيه وجهان أحدهما: نفي تلك الذات بقيدها، والثاني نفي القيد فقط دون نفي الذات، فإذا قلت: "ما رأيت زيدا ضاحكا" فيجوز أنك لم تر زيدا البتة، ويجوز أنك رأيته من غير ضحك فكذا هنا، إذ التقدير: وما نرى شفعاءكم مصاحبيكم، يجوز أن لم يروا الشفعاء البتة ويجوز أن يروهم دون مصاحبيهم لهم، فمن أين يلزم أنهم يكونون معهم [ ص: 48 ] ولا يرونهم من هذا التركيب؟ وقد تقدم تحقيق هذه القاعدة في أوائل البقرة وفي قوله أبو البقاء: لا يسألون الناس إلحافا .
و "أنهم" ساد مسد المفعولين لـ "زعم" ، و "فيكم" متعلق بنفس شركاء، والمعنى: الذين زعمتم أنهم شركاء لله فيكم أي: في عبادتكم أو في خلقكم لأنكم أشركتموهم مع الله في عبادتكم وخلقكم. وقيل "في" بمعنى "عند" ولا حاجة إليه. وقيل: المعنى أنهم يتحملون عنكم نصيبا من العذاب أي: شركاء في عذابكم إن كنتم تعتقدون فيهم أنكم إذا أصابكم نائبة شاركوكم فيها.
قوله: "بينكم" قرأ نافع والكسائي في رواية وعاصم حفص عنه: "بينكم" نصبا، والباقون: "بينكم" رفعا. فأما القراءة الأولى ففيها سبعة أوجه، أحسنها: أن الفاعل مضمر يعود على الاتصال، والاتصال وإن لم يكن مذكورا حتى يعود عليه ضمير لكنه تقدم ما يدل عليه وهو لفظة "شركاء" ، فإن الشركة تشعر بالاتصال، والمعنى: لقد تقطع الاتصال بينكم فانتصب "بينكم" على الظرفية. الثاني: أن الفاعل هو "بينكم" وإنما بقي على حاله منصوبا حملا له على أغلب أحواله وهو مذهب وجعلوا من ذلك أيضا قوله الأخفش، يفصل بينكم فيمن بناه للمفعول، وكذا قوله تعالى: ومنا دون ذلك قال "كما جرى في كلامهم منصوبا ظرفا، تركوه على ما يكون عليه في أكثر الكلام" ثم قال: - في قوله ومنا دون ذلك- فدون في موضع رفع [ ص: 49 ] عنده، وإن كان منصوب اللفظ، ألا ترى أنك تقول: "منا الصالحون ومنا الطالحون ". الواحدي:
إلا أن الناس لما حكوا هذا المذهب لم يتعرضوا لبناء هذا الظرف بل صرحوا بأنه معرب منصوب، وهو مرفوع المحل، قالوا: وإنما بقي على نصبه اعتبارا بأغلب أحواله. وفي كلام الشيخ لما حكى مذهب ما يصرح بأنه مبني فإنه قال: وخرجه الأخفش على أنه فاعل ولكنه مبني حملا على أكثر أحوال هذا الظرف. وفيه نظر لأن ذلك لا يصلح أن يكون علة للبناء، وعلل البناء محصورة ليس هذا منها، ثم قال الشيخ: وقد يقال لإضافته إلى مبني كقوله: الأخفش ومنا دون ذلك وهذا ظاهر في أنه جعل حمله على أكثر أحواله علة لبنائه كما تقدم.
الثالث: أن الفاعل محذوف، و "بينكم" صفة له قامت مقامه، تقديره: لقد تقطع وصل بينكم، قاله ورده الشيخ بأن الفاعل لا يحذف، وهذا غير رد عليه، فإنه يعني بالحذف عدم ذكره لفظا، وأن شيئا قام مقامه فكأنه لم يحذف. أبو البقاء،
وقال "ويكون الفعل مسندا إلى شيء محذوف، أي: لقد تقطع الاتصال بينكم والارتباط ونحو هذا" ، وهذا وجه واضح، وعليه فسر الناس. ورده الشيخ بما تقدم. ويجاب عنه بأنه عبر بالحذف عن الإضمار لأن كلا منهما غير موجود لفظا. الرابع: أن "بينكم" هو الفاعل، وإنما بني لإضافته إلى غير متمكن كقوله تعالى: ابن عطية: إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ففتح [ ص: 50 ] "مثل" وهو تابع لـ "حق" المرفوع، ولكنه بني لإضافته إلى غير متمكن، وسيأتي في مكانه. ومثله قول الآخر:
1989 - تتداعى منخراه بدم مثل ما أثمر حماض الجبل
بفتح "مثل" مع أنها تابعة لـ "دم" ، ومثله قول الآخر:
1990 - لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة في غرون ذات أوقال
بفتح "غير" وهي فاعل "يمنع" ، ومثله قول النابغة:
1991 - أتاني أبيت اللعن أنك لمتني وتلك التي تستك منها المسامع
مقالة أن قد قلت سوف أناله وذلك من تلقاء مثلك رائع
فمقالة بدل من "أنك لمتني" وهو فاعل، والرواية بفتح تاء "مقالة" لإضافتها إلى أن وما في حيزها.
الخامس: أن المسألة من باب الإعمال، وذلك أن "تقطع" و "ضل" كلاهما يتوجهان على "ما كنتم تزعمون" كل منهما يطلبه فاعلا، فيجوز أن تكون المسألة من باب إعمال الثاني، وأن تكون من إعمال الأول، لأنه ليس هنا قرينة تعين ذلك، إلا أنك قد عرفت مما تقدم أن مذهب البصريين اختيار [ ص: 51 ] إعمال الثاني، ومذهب الكوفيين بالعكس، وقد تقدم تقرير ذلك في البقرة، فعلى اختيار البصريين يكون "ضل" هو الرفع لـ "ما كنتم تزعمون" واحتاج الأول لفاعل فأعطيناه ضميره فاستتر فيه، وعلى اختيار الكوفيين يكون "تقطع" هو الرافع لـ "ما كنتم تزعمون" ، وفي "ضل" ضميره فاعلا به، وعلى كلا القولين فـ "بينكم" منصوب على الظرف وناصبه "تقطع" .
السادس: أن الظرف صلة لموصول محذوف تقديره: تقطع ما بينكم، فحذف الموصول وهو "ما" وقد تقدم أن ذلك رأي الكوفيين، وتقدم ما استشهدوا به عليه من القرآن وأبيات العرب، واستدل القائل بذلك بقول الشاعر:
1992 - يديرونني عن سالم وأديرهم وجلدة بين الأنف والعين سالم
وبقول الآخر:
1993 - ما بين عوف وإبراهيم من نسب إلا قرابة بين الزنج والروم
تقديره: وجلدة ما بين، وإلا قرابة ما بين، ويدل على ذلك قراءة عبد الله ومجاهد " لقد تقطع ما بينكم " . والأعمش:
السابع: قال "لقد تقطع بينكم: لقد وقع التقطع بينكم، كما تقول: جمع بين الشيئين، تريد أوقع الجمع بينهما على إسناد الفعل إلى مصدره بهذا التأويل". انتهى. قوله: "بهذا التأويل" قول حسن: وذلك أنه لو أضمر في "تقطع" ضمير المصدر المفهوم منه لصار التقدير: تقطع التقطع بينكم، وإذا تقطع التقطع بينهم حصل الوصل، وهو ضد [ ص: 52 ] المقصود فاحتاج أن قال: إن الفعل أسند إلى مصدره بالتأويل المذكور. إلا أن الشيخ اعترض فقال: "وظاهره أنه ليس بجيد، وتحريره أنه أسند الفعل إلى ضمير مصدره فأضمره فيه، لأنه إن أسنده إلى صريح المصدر فهو محذوف، ولا يجوز حذف الفاعل، ومع هذا التقدير فليس بصحيح; لأن شرط الإسناد مفقود فيه وهو تغاير الحكم والمحكوم عليه"، يعني أنه لا يجوز أن يتحد الفعل والفاعل في لفظ واحد من غير فائدة لا تقول: قام القائم ولا قعد القاعد فتقول: إذا أسند الفعل إلى مصدره: فإما إلى مصدره الصريح من غير إضمار فيلزم حذف الفاعل، وإما إلى ضميره فيبقى تقطع التقطع، وهو مثل: قام القائم، وذلك لا يجوز مع أنه يلزم عليه أيضا فساد المعنى كما تقدم من أنه يلزم ما يحصل لهم الوصل، وهذا الذي أورده الشيخ وقررته من كلامه حتى فهم لا يرد; لما تقدم من قول الزمخشري: على إسناد الفعل إلى مصدره بهذا التأويل، وقد تقدم ذلك التأويل. الزمخشري
وأما القراءة الثانية ففيها ثلاثة أوجه، أحدها: أنه اتسع في هذا الظرف، فأسند الفعل إليه فصار اسما كسائر الأسماء المتصرف فيها، ويدل على ذلك قوله تعالى: ومن بيننا وبينك حجاب فاستعمله مجرورا بـ "من" وقوله تعالى فراق بيني وبينك ، مجمع بينهما ، شهادة بينكم . وحكى "هو أحمر بين العينين". وقال سيبويه: عنترة: [ ص: 53 ]
1994 - وكأنما أقص الإكام عشية بقريب بين المنسمين مصلم
وقال مهلهل:
1995 - كأن رماحنا أشطان بئر بعيدة بين جاليها جرور
فقد استعمل في هذه المواضع كلها مضافا إليه متصرفا فيه فكذا هنا، ومثله قوله:
1996 - . . . . . . . . . . . . . . . . . وجلدة بين الأنف والعين سالم
وقوله:
1997 - . . . . . . . . . . . . . . إلا قرابة بين الزنج والروم
وقوله:
1998 - ولم يترك النبل المخالف بينها أخا لاح [قد] يرجى وما ثورة الهند
يروى برفع "بينها" وفتحه على أنه فاعل لـ "مخالف"، وإنما بني لإضافته إلى مبني، ومثله في ذلك: أمام ودون كقوله:
1999 - فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها
2000 - ألم تر أني قد حميت حقيقتي وباشرت حد الموت والموت دونها
برفع "دون".
الثاني: أن "بين" اسم غير ظرف، وإنما معناها الوصل أي: لقد تقطع وصلكم. ثم للناس بعد ذلك عبارتان تؤذن بأن "بين" مصدر بان يبين بينا بمعنى بعد، فيكون من الأضداد أي: إنه مشترك اشتراكا لفظيا يستعمل للوصل والفراق كالجون للأسود والأبيض، ويعزى هذا لأبي عمرو وابن جني والمهدوي وقال والزهراوي، "وكان أبو عبيد: يقول: معنى تقطع بينكم: تقطع وصلكم، فصارت هنا اسما من غير أن يكون معها "ما". وقال أبو عمرو "والرفع أجود، ومعناه: لقد تقطع وصلكم"، فقد أطلقوا هؤلاء أن "بين" بمعنى الوصل، والأصل في الإطلاق الحقيقة. الزجاج:
إلا أن طعن فيه وزعم أنه لم يسمع من ابن عطية العرب "البين" بمعنى الوصل، وإنما انتزع ذلك من هذه الآية، أو أنه أريد بالبين الافتراق، وذلك مجاز عن الأمر البعيد، والمعنى: لقد تقطعت المسافة بينكم لطولها فعبر عن ذلك بالبين. قلت: فظاهر كلام يؤذن بأنه فهم أنها بمعنى الوصل حقيقة، ثم رده بكونه لم يسمع من ابن عطية العرب، وهذا منه غير مرض، لأن أبا عمرو وأبا عبيد وابن جني والزهراوي والمهدوي أئمة يقبل قولهم. وقوله: "وإنما انتزع من هذه الآية" ممنوع بل ذلك مفهوم من لغة والزجاج العرب، ولو لم يكن ممن نقلها إلا لكفى به، وعبارته تؤذن بأنه مجاز، ووجه [ ص: 55 ] المجاز كما قاله أبو عمرو أنه لما استعمل "بين" مع الشيئين المتلابسين في نحو: "بيني وبينك شركة، وبيني وبينك رحم وصداقة" صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمعنى الوصلة، وعلى خلاف الفرقة، فلهذا جاء لقد تقطع وصلكم" . وإذا تقرر هذا فالقول بكونه مجازا أولى من القول بكونه مشتركا، لأنه متى تعارض الاشتراك والمجاز فالمجاز خير منه عند الجمهور. الفارسي:
وقال أيضا: "ويدل على أن هذا المرفوع هو الذي استعمل ظرفا أنه لا يخلو من أن يكون الذي هو ظرف اتسع فيه، أو يكون الذي هو مصدر، فلا يجوز أن يكون هذا القسم لأن التقدير يصير: لقد تقطع افتراقكم، وهذا خلاف القصد والمعنى، ألا ترى أن المراد: وصلكم وما كنتم تتألفون عليه. فإن قلت: كيف جاز أن يكون بمعنى الوصل وأصله الافتراق والتباين؟ قيل: إنه لما استعمل مع الشيئين المتلابسين في نحو: "بيني وبينك شركة"، فذكر ما قدمته عنه من وجه المجاز إلى آخره. أبو علي
وأجاز أبو عبيد وجماعة قراءة الرفع. قال والزجاج "وكذلك نقرؤها بالرفع لأنا قد وجدنا أبو عبيد: العرب تجعل "بين" اسما من غير ما، ويصدق ذلك قوله تعالى: بلغا مجمع بينهما فجعل "بين" اسما من غير ما، وكذلك قوله: هذا فراق بيني وبينك قال: "وقد سمعناه في غير موضع من أشعارها" ثم ذكر ما ذكرته عن ثم قال: "وقرأها أبي عمرو بن العلاء، نصبا، وكان يعتبرها بحرف الكسائي "لقد تقطع ما بينكم". وقال [ ص: 56 ] عبد الله "والرفع أجود والنصب جائز، والمعنى: لقد تقطع ما كان من الشركة بينكم". الثالث: أن هذا كلام محمول على معناه إذ المعنى: لقد تفرق جمعكم وتشتت، وهذا لا يصلح أن يكون تفسير إعراب. الزجاج:
قوله: ما كنتم "ما" يجوز أن تكون موصولة اسمية أو نكرة موصوفة أو مصدرية، والعائد على الوجهين الأولين محذوف بخلاف الثالث، والتقدير: تزعمونهم شركاء أو شفعاء، فالعائد هو المفعول الأول و "شركاء" هو الثاني، فالمفعولان محذوفان اختصارا للدلالة عليهما إن قلنا: إن "ما" موصولة اسمية أو نكرة موصوفة. ويجوز أن يكون الحذف حذف اقتصار إن قلنا إنها مصدرية، لأن المصدرية لا تحتاج إلى عائد بخلاف غيرها، فإنها تفتقر إلى عائد فلا بد من الالتفات إليه وحينئذ يلزم تقدير المفعول الثاني، ومن الحذف اختصارا قوله:
2001 - بأي كتاب أم بأية سنة ترى حبهم عارا علي وتحسب
أي: وتحسب حبهم عارا علي.