الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          561 حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فأطال القراءة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه فأطال القراءة هي دون الأولى ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الأول ثم رفع رأسه فسجد ثم فعل مثل ذلك في الركعة الثانية قال أبو عيسى وهذا حديث حسن صحيح وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد وإسحق يرون صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات قال الشافعي يقرأ في الركعة الأولى بأم القرآن ونحوا من سورة البقرة سرا إن كان بالنهار ثم ركع ركوعا طويلا نحوا من قراءته ثم رفع رأسه بتكبير وثبت قائما كما هو وقرأ أيضا بأم القرآن ونحوا من آل عمران ثم ركع ركوعا طويلا نحوا من قراءته ثم رفع رأسه ثم قال سمع الله لمن حمده ثم سجد سجدتين تامتين ويقيم في كل سجدة نحوا مما أقام في ركوعه ثم قام فقرأ بأم القرآن ونحوا من سورة النساء ثم ركع ركوعا طويلا نحوا من قراءته ثم رفع رأسه بتكبير وثبت قائما ثم قرأ نحوا من سورة المائدة ثم ركع ركوعا طويلا نحوا من قراءته ثم رفع فقال سمع الله لمن حمده ثم سجد سجدتين ثم تشهد وسلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( ثم رفع رأسه فسجد ) وفي رواية للبخاري : ثم سجد سجودا طويلا ، ووقع عند مسلم من حديث جابر بلفظ : ثم رفع فأطال ثم سجد ، ففيه تطويل الرفع الذي يتعقبه السجود ، ولكن قال النووي : هي رواية شاذة مخالفة فلا يعمل بها ، أو المراد زيادة الطمأنينة في الاعتدال لا إطالته نحو الركوع .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح ما لفظه : وتعقب بما رواه النسائي وابن خزيمة وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو أيضا ففيه : ثم ركع فأطال حتى قيل : لا يرفع ، ثم رفع فأطال حتى قيل : لا يسجد ، ثم سجد فأطال حتى قيل : لا يرفع ، ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل : لا يسجد ، ثم سجد . لفظ ابن خزيمة من طريق الثوري عن عطاء بن السائب عن أبيه عنه ، والثوري سمع من عطاء قبل الاختلاط ، فالحديث صحيح ولم أقف في شيء من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا . وقد نقل الغزالي الاتفاق على ترك إطالته فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا كلام وإلا فهو محجوج بهذه الرواية ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .

                                                                                                          قوله : ( وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد وإسحاق يرون صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات ) المراد بالركعات الركوعات ، أي يرون في كل ركعة ركوعين وسجدتين ، وهو القول الراجح المعول عليه ، وقال الحنفية : إن في كل ركعة ركوعا واحدا كسائر الصلوات الثنائية ، واستدلوا على ذلك بحديث أبي بكرة الذي أشار إليه الترمذي وقد ذكرنا لفظه ، ففي [ ص: 117 ] رواية البخاري فصلى بنا ركعتين ، وفي رواية ابن حبان والحاكم فصلى بهم ركعتين مثل صلاتكم ، وللنسائي مثل ما تصلون . وحمله ابن حبان والبيهقي على أن المعنى كما تصلون في الكسوف ؛ لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل البصرة ، وقد كان ابن عباس علمهم أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان ، كما روى ذلك الشافعي وابن أبي شيبة وغيرهما . ويؤيد ذلك رواية أبي بكرة من طريق عبد الوارث عن يونس في صحيح البخاري في أواخر الكسوف أن ذلك وقع يوم مات إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                          وقد ثبت في حديث جابر عند مسلم مثله وقال فيه : إن في كل ركعة ركوعين ، فدل ذلك على اتحاد القصة وظهر أن رواية أبي بكرة مطلقة ، وفي رواية جابر زيادة بيان في صفة الركوع ، والأخذ بها أولى ، ووقع في أكثر الطرق وعن عائشة أيضا : أن في كل ركعة ركوعين ، وعند ابن خزيمة من حديثها أيضا أن ذلك كان يوم مات إبراهيم -عليه السلام- كذا في فتح الباري . واستدلوا أيضا بحديث النعمان بن بشير وقد تقدم تخريجه وفيه فجعل يصلي ركعتين . ورواه النسائي بلفظ فصلوا كأحدث صلاة صليتموها .

                                                                                                          والجواب أن هذا الحديث مطلق ، وفي رواية جابر وغيره زيادة بيان في صفة الركوع فالأخذ بها هو أولى كما عرفت .

                                                                                                          [ ص: 118 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية