الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 3360 ] [ 7 ] باب تغير الناس

الفصل الأول

5360 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الناس كالإبل المائة ، لا تكاد تجد فيها راحلة " . متفق عليه .

التالي السابق


[ 7 ] باب تغير الناس

أي : بتغير الزمان على ما هو المتبادر الموافق لمضمون أكثر أحاديث الباب ، أو المراد بالتغير اختلاف حالاتهم ومراتبهم في منازلاتهم الشاملة لتغير أزمنتهم ، وعليه ظاهر الحديث الأول من الفصل الأول ، فتأمل .

الفصل الأول

5360 - ( عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الناس " ) أي : في اختلاف حالاتهم وتغير صفاتهم ( " كالإبل المائة " ) قال الطيبي - رحمه الله تعالى - جل جلاله : اللام فيهما للجنس ، قال التوربشتي - رحمه الله تعالى - : الرواية فيه على الثبت كإبل مائة بغير ألف ولام فيهما ( " لا تكاد " ) أي : لا تقرب أيها المخاطب خطابا عاما ( " تجد فيها " ) أي : في مائة من الإبل ( " راحلة " ) أي : ناقة شابة ، قوية ، مرتاضة ، تصلح للركوب ، فكذلك لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة ، وحمل المودة وركوب المحبة ، فيعاون صاحبه ويلين له جانبه ، وهذا زبدة كلام الشارح الأول ، ومن تابعه من شراح المصابيح . وقال الخطابي : معناه أن الناس في أحكام الدين سواء لا فضل فيها لشريف على مشروف ، ولا لرفيع منهم على وضيع ، كإبل المائة لا يكون فيها راحلة ، قال الطيبي - رحمه الله - : على القول الأول لا تجد فيها راحلة صفة الإبل ، والتشبيه مركب تمثيلي ، وعلى الثاني هو وجه الشبه ، وبيان لمناسبة الناس للإبل ، قلت : ولا يخفى ظهور المعنى الأول ، فتدبر وتأمل ، وخلاصته : أن المرضي المنتخب من الناس الصالح للصحبة سهل الانقياد عسر وجوده ، كالنجيبة الصالحة للركوب التي لا توجد في الإبل الكثيرة القوية على الأحمال والأسفار ، فذكر المائة للتكثير لا للتحديد ، فإن وجود العالم العامل المخلص من قبيل الكيمياء ، أو من باب تسمية العنقاء ، ولذا قال بعض العرفاء :


أتمنى على الزمان محالا أن ترى ملتقاي طلعة حر



وقال الآخر :


وإذا صفا لك من زمانك واحد فهو المراد وأين ذاك الواحد



وكان يقول بعض أرباب الحال : هذا زمان قحط الرجال ، وروي أن سهلا التستري خرج من مسجد ورأى خلقا كثيرا في داخله وخارجه ، فقال : أهل لا إله إلا الله كثير ، والمخلصون منهم قليل ، وقد نبه سبحانه على هذا المعنى في آيات منها قوله تعالى : وقليل من عبادي الشكور ، ومنها : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ، ومنها قوله تعالى في وصف السابقين المقربين : ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ( متفق عليه ) ، ورواه الترمذي ، وهذا لفظ البخاري ، نقله ميرك عن التصحيح ، وفي الجامع بلفظ : إنما الناس كإبل مائة بالتنكير . رواه أحمد ، والشيخان ، والترمذي ، وابن ماجه .




الخدمات العلمية