الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب مخالفة الطريق في العيد والتعييد في الجامع للعذر

                                                                                                                                            1278 - ( عن جابر رضي الله عنه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق . } رواه البخاري ) .

                                                                                                                                            1279 - ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى العيد يرجع في غير الطريق الذي خرج فيه . } رواه أحمد ومسلم والترمذي ) .

                                                                                                                                            1280 - ( وعن ابن عمر رضي الله عنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في طريق آخر . } رواه أبو داود وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي هريرة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم ، وقد عزاه المصنف إلى مسلم ولم نجد له موافقا على ذلك ولا رأينا الحديث في صحيح مسلم . وقد رجح البخاري في صحيحه حديث جابر المذكور في الباب على حديث أبي هريرة وقال : إنه أصح . وحديث ابن عمر رجال إسناده عند ابن ماجه ثقات ، وكذلك عند أبي داود رجاله رجال الصحيح ، وفيه عبد الله بن عمر العمري وفيه مقال وقد أخرج له مسلم ، وقد رواه أيضا الحاكم .

                                                                                                                                            وفي الباب عن أبي رافع عند ابن ماجه ، وقد تقدم في باب الخروج إلى العيد ماشيا . وعن سعد بن أبي وقاص عند البزار في مسنده ، وقد تقدم أيضا هنالك .

                                                                                                                                            وعن بكر بن مبشر عند أبي داود قال : { كنت أغدو مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر ويوم الأضحى فنسلك بطن بطحان حتى نأتي المصلى فنصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم نرجع من بطن بطحان إلى بيوتنا } قال ابن السكن : وإسناده صالح وعن سعد القرظ وقد تقدم في باب الخروج إلى العيد ماشيا أيضا .

                                                                                                                                            وعن عبد الرحمن بن حاطب عند الطبراني في الكبير قال : قال { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأتي العيد يذهب في طريق ويرجع في آخر } وفي إسناده خالد بن إلياس وهو ضعيف .

                                                                                                                                            وعن معاذ بن عبد الرحمن التيمي عن أبيه عن جده عند الشافعي أنه { رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجع من المصلى في يوم عيد فسلك على النجارين من أسفل السوق ، حتى إذا كان عند مسجد الأعرج الذي هو موضع البركة التي بالسوق [ ص: 346 ] قام فاستقبل فج أسلم ، فدعا ثم انصرف } قال الشافعي : فأحب أن يصنع الإمام مثل هذا ، وأن يقف في موضع فيدعو الله مستقبل القبلة وفي إسناد الحديث إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى ، وثقه الشافعي وضعفه الجمهور . وأحاديث الباب تدل على استحباب الذهاب إلى صلاة العيد في طريق والرجوع في طريق أخرى للإمام والمأموم ، وبه قال أكثر أهل العلم كما في الفتح .

                                                                                                                                            وقد اختلف في الحكمة في مخالفته صلى الله عليه وسلم الطريق في الذهاب والرجوع يوم العيد على أقوال كثيرة . قال الحافظ : اجتمع لي منها أكثر من عشرين قولا . قال : قال القاضي عبد الوهاب المالكي : ذكر في ذلك فوائد بعضها قريب وأكثرها دعاوى فارغة ا هـ . قال في الفتح : فمن ذلك أنه فعل ذلك ليشهد له الطريقان ، وقيل : سكانهما من الجن والإنس .

                                                                                                                                            وقيل : ليسوي بينهما في مزية الفضل بمروره ، أو في التبرك به ، أو لتشم رائحة المسك من الطريق التي يمر بها ; لأنه كان معروفا بذلك . وقيل : لأن طريقه إلى المصلى كانت على اليمين ، فلو رجع منها لرجع إلى جهة الشمال فرجع من غيرها ، وهذا يحتاج إلى دليل . وقيل : لإظهار شعار الإسلام فيهما . وقيل : لإظهار ذكر الله تعالى . وقيل : ليغيظ المنافقين واليهود .

                                                                                                                                            وقيل : ليرهبهم بكثرة من معه ، ورجحه ابن بطال . وقيل : حذرا من كيد الطائفتين أو إحداهما ، وفيه نظر ; لأنه لو كان كذلك لم يكرره . قال ابن التين : وتعقب أنه لا يلزم من مواظبته على مخالفة الطريق المواظبة على طريق منها معين ، لكن في رواية الشافعي من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب مرسلا : { أنه صلى الله عليه وسلم كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الأعظم ويرجع من الطريق الآخر } وهذا لو ثبت لقوي بحث ابن التين .

                                                                                                                                            وقيل : فعل ذلك ليعمهم بالسرور به والتبرك بمروره ورؤيته والانتفاع به في قضاء حوائجهم في الاستفتاء أو التعليم أو الاقتداء أو الاسترشاد أو الصدقة أو السلام عليهم أو غير ذلك . وقيل : ليزور أقاربه الأحياء والأموات . وقيل : ليصل رحمه . وقيل : للتفاؤل بتغيير الحال إلى المغفرة والرضا .

                                                                                                                                            وقيل : كان في ذهابه يتصدق ، فإذا رجع لم يبق معه شيء فرجع من طريق آخر لئلا يرد من سأله ، وهذا ضعيف جدا مع احتياجه إلى الدليل . وقيل : فعل ذلك لتخفيف الزحام ، وهذا رجحه الشيخ أبو حامد وأيده المحب الطبري بما رواه البيهقي من حديث ابن عمر فقال فيه : " ليسع الناس " وتعقب بأنه ضعيف وبأن قوله : " يسع الناس " يحتمل أن يفسر ببركته وفضله ، وهو الذي رجحه ابن التين .

                                                                                                                                            وقيل : كان طريقه التي يتوجه منها أبعد من التي يرجع فيها ، فأراد تكثير الأجر بتكثير الخطا في الذهاب . وأما في الرجوع فليسرع إلى منزله وهذا اختيار الرافعي .

                                                                                                                                            وتعقب بأنه يحتاج إلى دليل ، وبأن أجر الخطا يكتب في الرجوع أيضا كما ثبت في حديث أبي بن [ ص: 347 ] كعب عند الترمذي وغيره ، فلو عكس ما قال لكان له اتجاه ، ويكون سلوك الطريق القريبة للمبادرة إلى فعل الطاعة وإدراك الفضيلة أول الوقت . وقيل : إن الملائكة تقف في الطرقات فأراد أن يشهد له فريقان منهم . وقال ابن أبي حمزة : هو في معنى قول يعقوب لبنيه { لا تدخلوا من باب واحد } وأشار إلى أنه فعل ذلك حذر إصابة العين .

                                                                                                                                            وأشار صاحب الهدي إلى أنه فعل ذلك لجميع ما ذكر من الأشياء المحتملة القريبة . انتهى . كلام الفتح .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية