الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في عودة المظاهر وبماذا يكون عائدا

                                                                                                                                                                                        واختلف في الكفارة هل تجب بالعودة أو تصح ولا تجب؟ واختلف في العودة ما هي؟ فقال في المدونة: العودة إرادة الوطء والإجماع عليه، وقال مرة: الوطء نفسه، وقال أيضا: الإجماع على الإمساك والوطء، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والطحاوي: إذا وطئها قبل الكفارة ثم مات أو ماتت فلا كفارة عليه، وإن كان قد أتى محرما في وطئها قبل الكفارة، وكذلك لو وطئها مرارا، ولا يجوز أن يطأ إلا بعد الكفارة، وذكره ابن القصار عن الليث، وقال الشافعي: هو أن يمسكها بعد القدرة على طلاقها، وقال داود: إعادة القول.

                                                                                                                                                                                        وقال مجاهد والثوري: تجب الكفارة بمجرد القول بالظهار.

                                                                                                                                                                                        ووجه هذا القول أن يقول: إن الظهار محرم بعد نزول الآية، فقد عفا الله عز وجل عمن قال ذلك قبل تحريمه، فمن تعدى وعاد فقال ذلك بعد العلم بأنه محرم كانت عليه الكفارة عن ذلك القول الذي هو منكر وزور، ووجه القول أنه يعود بإعادة القول أنه عفا الله عمن قال ذلك مرة، فإن عاد فقال ذلك مرة أخرى كانت الكفارة، وذهب مالك إلى أن الكفارة ليست للقول، [ ص: 2325 ] وإنما هي لمضمونه، والمراد به، وقد كان المراد به في أول الإسلام الطلاق، فالعودة أن ينوي الإمساك، ورأى مرة أن المراد به بعد نزول الآية تحريم الوطء مع بقاء العصمة، فالعودة أن ينوي الرجوع إلى الوطء، وتردد الأمر عنده مرة، هل المراد بالظهار ما كان في أول الإسلام، وهو الطلاق أو تحريم الوطء، فأمره أن يجمع على الوجهين جميعا الإمساك والوطء.

                                                                                                                                                                                        فعلى القول إن العودة الوطء تكون الكفارة قبل ذلك تبيح الوطء، ولا تجب بمنزلة من أراد أن يصلي نفلا، فإنه يقال له: أنت متطوع ويجب عليك إذا أردت ذلك أن تقدم قبله طهارة، فإن انثنى عزمه لم تجب عليه صلاة ولا طهارة، فكذلك المظاهر ليست الإصابة واجبة، فإن أراد ذلك وجب عليه أن يقدم الكفارة، فإن انثنى عزمه لم يكن عليه شيء، ورأى مرة أنه لا تجب بالنية حتى يعزم؛ لأن كثيرا ما تكون النية على وجه التدبير، وما يؤامر المرء به نفسه. [ ص: 2326 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية