الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          632 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول عند ربه قال أبو عيسى وهذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال أبو عيسى وروى أيوب وعبيد الله بن عمر وغير واحد عن نافع عن ابن عمر موقوفا وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف في الحديث ضعفه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وغيرهما من أهل الحديث وهو كثير الغلط وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن لا زكاة في المال المستفاد حتى يحول عليه الحول وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحق وقال بعض أهل العلم إذا كان عنده مال تجب فيه الزكاة ففيه الزكاة وإن لم يكن عنده سوى المال المستفاد ما تجب فيه الزكاة لم يجب عليه في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول فإن استفاد مالا قبل أن يحول عليه الحول فإنه يزكي المال المستفاد مع ماله الذي وجبت فيه الزكاة وبه يقول سفيان الثوري وأهل الكوفة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول ) اعلم أن المال المستفاد على نوعين : أحدهما : أن يكون من جنس النصاب الذي عنده ، كما إذا كانت له إبل فاستفاد إبلا في أثناء الحول .

                                                                                                          وثانيهما : أن يكون من غير جنسه كما إذا استفاد بقرا في صورة نصاب الإبل ، وهذا لا ضم فيه اتفاقا ، بل يستأنف للمستفاد حساب آخر ، والأول على نوعين : أحدهما : أن يكون المستفاد من الأصل كالأرباح والأولاد وهذا يضم إجماعا ، والثاني : أن يكون مستفادا بسبب آخر كالمشترى والموروث ، وهذا يضم عند أبي حنيفة ولا يضم عند مالك والشافعي وأحمد بن حنبل ، واستدل الأئمة الثلاثة بحديث ابن عمر المروي في هذا الباب وبآثار الصحابة -رضي الله عنهم- ، فروى البيهقي عن أبي بكر وعلي وعائشة موقوفا عليهم مثل ما روي عن ابن عمر -رضي الله عنه- ( وفي الباب عن سرى ) قال الحافظ في التقريب : بفتح أولها وتشديد الراء مع المد وقيل بالقصر ( بنت نبهان ) الغنوية صحابية لها حديث انتهى ، ولم أقف على حديثها .

                                                                                                          قوله : ( وهذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ) أي هذا الموقوف صحيح والحديث المرفوع ليس بصحيح . قال الحافظ في البلوغ بعد ذكر حديث ابن عمر المرفوع ما لفظه : والراجح وقفه . وقال في التلخيص بعد ذكر حديث ابن عمر -رضي الله عنه- المرفوع ما لفظه : قال الترمذي : والصحيح عن ابن عمر موقوف . وكذا قال البيهقي وابن الجوزي [ ص: 220 ] وغيرهما . وروى الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن مالك عن نافع عن ابن عمر نحوه . قال الدارقطني : الحنيني ضعيف والصحيح عن مالك موقوف . وروى البيهقي عن أبي بكر وعلي وعائشة موقوفا عليهم مثل ما روي عن ابن عمر قال : والاعتماد في هذا وفي الذي قبله على الآثار عن أبي بكر وغيره ، انتهى ما في التلخيص . وحديث ابن عمر المرفوع أخرجه الدارقطني والبيهقي .

                                                                                                          قوله : ( وقال بعض أهل العلم : إذا كان عنده مال تجب فيه الزكاة ففيه الزكاة ) أي إذا كان عنده مال سوى المال المستفاد ، وكان ذلك المال بقدر النصاب فيجب الزكاة في المال المستفاد ، ويضم مع ماله الذي كان عنده ويزكى معه إذا كان المال المستفاد من جنس ماله الذي كان عنده ، ولا يستأنف للمال المستفاد حساب آخر .

                                                                                                          فقوله : " تجب فيه الزكاة " صفة لقوله : " مال " والضمير في قوله : " ففيه الزكاة " راجع إلى المال المستفاد ( وبه يقول سفيان الثوري وأهل الكوفة ) وهو قول الحنفية . وأجابوا عن حديث الباب بأنه ضعيف ، قالوا : وعلى تسليم ثبوته فعمومه ليس مرادا للاتفاق على خروج الأرباح والأولاد ، فعللنا بالمجانسة ، فقلنا : إنما أخرج الأولاد والأرباح للمجانسة لا للتولد فيجب أن يخرج المستفاد إذا كان من جنسه ، وهو أدفع للحرج على أصحاب الحرف الذين يجدون كل يوم درهما فأكثر وأقل ، فإن في اعتبار الحول لكل مستفاد حرجا عظيما وهو مدفوع بالنص .

                                                                                                          قلت : لا شك في أن حديث الباب المرفوع ضعيف ، والراجح أنه موقوف وهو في حكم المرفوع . قال صاحب سبل السلام : له حكم الرفع ؛ لأنه لا مسرح للاجتهاد فيه انتهى . وقد عرفت أن اعتماد الشافعية وغيرهم في هذه المسألة على الآثار لا على الحديث المرفوع .

                                                                                                          [ ص: 221 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية