الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        633 18 - كتاب الصيام

                                                                                                                        [ ص: 7 ] ( 1 ) باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان

                                                                                                                        593 - ذكر فيه مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان ، فقال : " لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له " .

                                                                                                                        594 - وعن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 8 ] مثله .

                                                                                                                        595 - وعن ثور بن زيد الديلي ، عن عبد الله بن عباس ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان ، فقال : " لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فأكملوا العدد ( العدة ) ثلاثين " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        13716 - وهذا الحديث محفوظ لعكرمة ، عن ابن عباس ، وقد أوضحنا في " التمهيد " ، حال عكرمة ، ولم ترك مالك ذكره من هذا الموضع من كتابه ; إن كان كما ظن من زعم أن مالكا طرح اسمه من كتابه للذي بلغه فيه عن سعيد بن المسيب .

                                                                                                                        [ ص: 9 ] 13717 - وما أدري صحة ذلك ; لأنه ذكره في كتاب الحج من " الموطأ " ، وفي ذلك ما يوهن قول من قال : إنه قد طرح ذكر اسمه من كتابه ، والله أعلم .

                                                                                                                        [ ص: 10 ] 13718 - والذي أوجب قول القائل ، ما ذكرناه - والله أعلم - ، ما رويناه عن مالك أنه قيل له : أبلغك أن عبد الله بن عمر قال لنافع : يا نافع ، لا تكذب علي كما [ ص: 11 ] [ ص: 12 ] [ ص: 13 ] كذب عكرمة على ابن عباس .

                                                                                                                        13719 - قال أبو عمر : جعل مالك - رحمه الله - حديث ابن عباس بعد حديث ابن عمر ; لأنه عنده مفسر له ، ومبين لمعنى قوله : " فاقدروا له " في حديث ابن عمر .

                                                                                                                        13720 - وكان ابن عمر يذهب في معنى قوله : " فاقدروا " مذهبا خلافا لما ذهب إليه مالك في ذلك ، والذي ذهب إليه مالك هو الذي عليه جمهور العلماء ، [ ص: 14 ] وهو الصحيح ، وسنبين ذلك كله في هذا الباب بعون الله وفضله .

                                                                                                                        13721 - وما رواه ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : " فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " وقد رواه : أبو هريرة ، وأبو بكرة ، وحذيفة ، وطلق الحنفي ، وغيرهم .

                                                                                                                        [ ص: 15 ] 13722 - ولم يرو أحد - فيما علمت - " فاقدروا له " إلا ابن عمر وحده .

                                                                                                                        13723 - على أن عبد الرزاق قد روى عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهلال رمضان : " إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوما " .

                                                                                                                        13724 - ولم يقل مالك ، ولا عبيد الله بن عمر ، عن نافع في هذا الحديث : " ثلاثين يوما " .

                                                                                                                        13725 - ورواه ابن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر بلفظ حديث ابن عباس : " فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " .

                                                                                                                        13726 - والذي عليه جمهور أهل العلم أنه لا يصام رمضان إلا بيقين من خروج شعبان ، واليقين في ذلك رؤية الهلال أو إكمال شعبان ثلاثين يوما ، وكذلك لا يقضي بخروج رمضان إلا يقين مثله .

                                                                                                                        13727 - قال الله تعالى : فمن شهد منكم الشهر فليصمه [ البقرة : 185 ] يريد - والله أعلم - : ومن علم منكم بدخول الشهر علم يقين فليصمه ، والعلم اليقين : الرؤية الصحيحة الفاشية الظاهرة أو إكمال العدد .

                                                                                                                        [ ص: 16 ] 13728 - وكذلك في الشريعة أيضا ، شهادة عدلين أنهما رأيا الهلال ليلة الثلاثين ، فيصبح بذلك أن الشهر الماضي من تسع وعشرين .

                                                                                                                        13729 - وهذا عند بعضهم إذا لم تكن في السماء علة ، فهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " فاقدروا له " عند أكثر أهل العلم .

                                                                                                                        13730 - ولا خلاف أن الشهر العربي قد يكون ثلاثين يوما ويكون تسعة وعشرين .

                                                                                                                        13731 - وأما ابن عمر فله مذهب ذهب إليه في تأويل ما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " فاقدروا له " وذلك أنه كان يقول : إذا لم ير هلال رمضان ليلة ثلاثين من شعبان وكان صحوا ; فلا صيام لرمضان ، وإن لم يكن صحوا وكان في السماء غيم أصبح الناس صائمين ، وأجزأهم من رمضان - إن ثبت بعد - أن الشهر كان من تسع وعشرين .

                                                                                                                        13732 - وإلى هذا ذهب طاوس اليماني ، وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                        13733 - وروي مثل ذلك عن عائشة ، وأسماء ابنتي أبي بكر - رضوان الله عليهم .

                                                                                                                        13734 - وما أعلم أحدا ذهب مذهب ابن عمر في ذلك غيرهم .

                                                                                                                        13735 - حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : [ ص: 17 ] حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد .

                                                                                                                        13736 - وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن الجهيم ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، قالا : حدثنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واللفظ لحديث قاسم والمعنى سواء - : " إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له " . 13737 - قال نافع : فكان عبد الله بن عمر يبعث مساء ليلة ثلاثين يوما من شعبان من ينظر له الهلال ، فإن كان صحوا ورأوه صام ، وإن لم يروه لم يصم . وإن حال دونه سحاب أو قتر أصبح صائما .

                                                                                                                        13838 - وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه إذا كان سحاب أصبح صائما ، وإن لم يكن سحاب أصبح مفطرا .

                                                                                                                        13739 - وعن معمر ، عن ابن طاوس ، عن معمر مثله .

                                                                                                                        13740 - وقال أحمد بن حنبل : صيام يوم الشك واجب ، وهو يجزئ من رمضان إن ثبت أنه من رمضان .

                                                                                                                        13741 - وقال أهل اللغة : قوله عليه السلام " فاقدروا له " كقوله قدروا له ، يقال منه : قدرت وقدرت وأقدرته .

                                                                                                                        [ ص: 18 ] 13742 - وقال ابن قتيبة في قوله : " اقدروا له " : أي قدروا الشهر بالمنازل ، يعني منازل القمر .

                                                                                                                        13743 - قال أبو عمر : قد كان بعض كبار التابعين - فيما ذكر محمد بن سيرين - ذهب في هذا الباب إلى اعتباره بالنجوم ، ومنازل القمر ، وطريق الحساب .

                                                                                                                        13744 - قال ابن سيرين : كان أفضل له لو لم يفعل .

                                                                                                                        13745 - قال أبو عمر : قيل إنه مطرف بن عبد الله بن الشخير - والله أعلم - وكان مطرف ، من جلة تابعي البصرة العلماء الفضلاء الحلماء .

                                                                                                                        13746 - وقد حكى ابن سريج ، عن الشافعي أنه قال : من كان مذهبه [ ص: 19 ] الاستدلال بالنجوم ، ومنازل القمر ثم تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغم عليه جاز له أن يعتقد الصوم ويبيته ، ويجزئه .

                                                                                                                        137747 - قال أبو عمر : الذي عندنا في كتبه أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية فاشية ، أو شهادة عادلة ، أو إكمال شعبان ثلاثين يوما ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " .

                                                                                                                        13748 - وعلى هذا مذهب جمهور فقهاء الأمصار بالحجاز ، والعراق ، والشام ، والمغرب ، منهم : مالك ، والشافعي ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وعامة أهل الحديث إلا أحمد بن حنبل ، ومن قال منهم بقوله .

                                                                                                                        13749 - وسيأتي القول في صيام يوم الشك في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله .




                                                                                                                        الخدمات العلمية