الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              657 689 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن أنس ابن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركب فرسا فصرع عنه، فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، فصلينا وراءه قعودا، فلما انصرف قال: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائما فصلوا قياما، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد. وإذا صلى قائما فصلوا قياما، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون". قال أبو عبد الله: قال الحميدي: قوله: "إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا". هو في مرضه القديم، ثم صلى بعد ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسا والناس خلفه قياما، لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. [انظر: 378 - مسلم: 411 - فتح: 2 \ 173]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي توفي فيه بالناس وهو جالس.

                                                                                                                                                                                                                              هذا التعليق تقدم مسندا عن حديث عائشة.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري: وقال ابن مسعود: إذا رفع قبل الإمام يعود فيمكث بقدر ما رفع ثم يتبع الإمام.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 515 ] وهذا التعليق أسنده ابن أبي شيبة، فقال: حدثنا هشيم، أنا حصين، عن هلال بن يساف، عن أبي حيان الأشجعي - وكان من أصحاب عبد الله - قال عبد الله: لا تبادروا أئمتكم بالركوع ولا بالسجود، إذا رفع أحدكم رأسه والإمام ساجد فليسجد، ثم ليمكث قدر ما سبقه به الإمام.

                                                                                                                                                                                                                              وحدثنا ابن إدريس، عن حصين، عن هلال به نحوه.

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي من طريق ابن لهيعة أن عمر قال: إذا رفع أحدكم رأسه وظن أن الإمام قد رفع فليعد رأسه، وليمكث بقدر ما ترك، ثم قال: وروينا عن إبراهيم والشعبي أنه يعود فيسجد.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وكل هذا لأجل المتابعة. وحكى ابن سحنون عن أبيه نحوه أن سحنونا رفع قبل إمامه ولم يعلم رفع الإمام رأسه، فرجع سحنون يسجد القدر الذي كان مع الإمام. ومذهب مالك أن من خفض أو رفع قبل إمامه أنه يرجع فيفعل ما دام إمامه لم يفرغ من ذلك، وبه قال أحمد وإسحاق، والحسن والنخعي، وروي نحوه عن عمر، وقال ابنه: من ركع أو سجد قبل إمامه لا صلاة له. وهو قول أهل الظاهر، وقال الشافعي وأبو ثور: إذا ركع وسجد قبله فإن أدركه الإمام فيهما [ ص: 516 ] أساء ويجزئه. حكاه ابن بطال، قال: وشذ الشافعي فقال: إن كبر للإحرام قبل إمامه فصلاته تامة.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: هو أصح قوليه فيما إذا أحرم منفردا ثم نوى الاقتداء في أثناء صلاته.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري: وقال الحسن فيمن يركع مع الإمام ركعتين ولا يقدر على السجود: يسجد للركعة الآخرة سجدتين، ثم يقضي الركعة الأولى بسجودها. وفيمن نسي سجدة حتى قام: يسجد.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن أبي شيبة: حدثنا هشيم أنا يونس عن الحسن أنه كان يقول: إذا رفع رأسه قبل الإمام والإمام ساجد فليعد وليسجد. وقال مالك في مسألة الزحام: لا يسجد على ظهر أحد، فإن خالف يعيد. وقال الشافعي والكوفيون وأبو ثور: يسجد ولا إعادة.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر البخاري من حديث موسى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: دخلت على عائشة فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: بلى، ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أصلى الناس؟ "... الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وقد ذكر بعضه في باب الغسل والوضوء في المخضب. قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: تريبني رواية موسى هذا. قلت: ما يقول فيه؟ قال: صالح الحديث، قلت: يحتج بحديثه؟ قال: يكتب [ ص: 517 ] حديثه، قلت: هو ثقة ناسك، أخرج له الجماعة، وسلف بيان المخضب هناك.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ذهب لينوء) أي: لينهض بجهد ومشقة، وناء: سقط وهو من الأضداد.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: معنى لينوء، أي: تمايل ليتحامل على القيام.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: (عكوف) أي: لم يبرحوا في المسجد، والعكوف: الملازمة.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر البخاري أيضا من حديث عروة عن عائشة أنها قالت: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته وهو شاك... الحديث. ويأتي أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر أيضا من حديث ابن شهاب عن أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - ركب فرسا... الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في باب الصلاة في السطوح والخشب، من حديث حميد عن أنس، ويأتي إن شاء الله في باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة من حديث الزهري عن أنس أيضا. وسيأتي نحوه من حديث أبي هريرة أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وحاصل ما ذكره البخاري في الباب من الأحاديث والآثار وجوب متابعة الإمام في أفعاله، وأنها عقبه، فلو خالف وقارنه لم يضر إلا تكبيرة [ ص: 518 ] الإحرام، وكذا السلام عندنا على وجه، والأصح المنع، وإن سبقه بركن لم تبطل على الأصح مع ارتكاب الحرام بخلاف ركنين فإنها تبطل.

                                                                                                                                                                                                                              وعند ابن حزم: أنه لا يفعل شيئا قبل إمامه ولا معه، فإن فعل عامدا بطلت صلاته، لكن بعد تمام كل ذلك من إمامه، وعليه سجود السهو. وعند مالك فيما نقله ابن حبيب عنه: أنه يفعل المأموم مع الإمام إلا في الإحرام والقيام من اثنتين والسلام فلا يفعله إلا بعده.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة ومحمد وزفر والثوري: يكبر في الإحرام مع إمامه، وخالف أبو يوسف. احتج من جوز المقارنة بأن الائتمام امتثال لفعل الإمام وهو حاصل. واحتج من منع بأن الشارع جعل فعلهم عقب فعله؛ لأن الفاء للتعقيب، وإذا لم يتقدمه الإمام بالتكبير فلا يصح الائتمام به؛ لأنه محال أن يدخل المأموم في صلاة لم يدخل فيها إمامه.

                                                                                                                                                                                                                              وباقي أحكام الباب سبق مفرقا في الأبواب، ويأتي بعضه أيضا.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية