الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        597 حدثنا إسحاق قال أخبرنا أبو أسامة قال عبيد الله حدثنا عن القاسم بن محمد عن عائشة وعن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ح وحدثني يوسف بن عيسى المروزي قال حدثنا الفضل بن موسى قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم [ ص: 125 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 125 ] قوله : ( حدثني إسحاق ) لم أره منسوبا ، وتردد فيه الجياني ، وهو عندي ابن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه كما جزم به المزي ، ويدل عليه تعبيره بقوله " أخبرنا " فإنه لا يقول قط حدثنا بخلاف إسحاق ابن منصور وإسحاق بن نصر ، وأما ما وقع بخط الدمياطي أنه الواسطي ثم فسره بأنه ابن شاهين فليس بصواب لأنه لا يعرف له عن أبي أسامة شيء ، لأن أبا أسامة كوفي وليس في شيوخ ابن شاهين أحد من أهل الكوفة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال عبيد الله حدثنا ) فاعل قال أبو أسامة ، وعبيد الله قائل حدثنا ، فالتقدير حدثنا عبيد الله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن نافع ) هو معطوف على " عن القاسم بن محمد " . والحاصل أنه أخرج الحديث عن عبيد الله بن عمر من وجهين : الأول ذكر له فيه إسناد بن نافع عن ابن عمر والقاسم عن عائشة ، وأما الثاني فاقتصر فيه على الإسناد الثاني .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى يؤذن ) في رواية الكشميهني " حتى ينادي " ، وقد أورده في الصيام بلفظ " يؤذن " وزاد في آخره " فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر " قال القاسم : لم يكن بين أذانيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا ، وفي هذا تقييد لما أطلق في الروايات الأخرى من قوله إن بلالا يؤذن بليل ، ولا يقال إنه مرسل لأن القاسم تابعي فلم يدرك القصة المذكورة ، لأنه ثبت عند النسائي من رواية حفص بن غياث ، وعند الطحاوي من رواية يحيى القطان كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة فذكر الحديث قالت " ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا " وعلى هذا فمعنى قوله في رواية البخاري " قال القاسم " أي في روايته عن عائشة . وقد وقع عند مسلم في رواية ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثل هذه الزيادة ، وفيها نظر أوضحته في كتاب " المدرج " وثبتت الزيادة أيضا في حديث أنيسة الذي تقدمت الإشارة إليه ، وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الوقت الذي يقع فيه الأذان قبل الفجر هو وقت السحور ، وهو أحد الأوجه في المذهب واختاره السبكي في شرح المنهاج وحكى تصحيحه عن القاضي حسين والمتولي وقطع به البغوي ، وكلام ابن دقيق العيد يشعر به ، فإنه قال بعد أن حكاه : يرجح هذا بأن قوله إن بلالا ينادي بليل خبر يتعلق به فائدة للسامعين قطعا ، وذلك إذا كان وقت الأذان مشتبها محتملا لأن يكون عند طلوع الفجر فبين - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك لا يمنع الأكل والشرب بل الذي يمنعه طلوع الفجر الصادق ، قال : وهذا يدل على تقارب وقت أذان بلال من الفجر . انتهى . ويقويه أيضا ما تقدم من أن الحكمة في مشروعيته التأهب لإدراك الصبح في أول وقتها ، وصحح النووي في أكثر كتبه أن مبدأه من نصف الليل الثاني ، وأجاب عن الحديث في شرح مسلم فقال : قال العلماء معناه أن بلالا كان يؤذن ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه ، فإذا قارب طلوع الفجر نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب بالطهارة وغيرها ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر .

                                                                                                                                                                                                        وهذا - مع وضوح مخالفته لسياق الحديث - يحتاج إلى دليل خاص لما صححه حتى يسوغ له التأويل . ووراء ذلك أقوال أخرى معروفة في الفقهيات . واحتج الطحاوي لعدم مشروعية الأذان قبل الفجر بقوله : لما كان بين أذانيهما من القرب ما ذكر في حديث عائشة ثبت أنهما كانا يقصدان وقتا واحدا وهو طلوع الفجر فيخطئه بلال ويصيبه ابن أم مكتوم . وتعقب بأنه لو كان كذلك لما أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤذنا واعتمد عليه ، ولو كان كما ادعى لكان وقوع ذلك منه نادرا . وظاهر حديث ابن عمر يدل على أن ذلك كان شأنه وعادته ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية