الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        14519 - وأما قول مالك في الذي يريد أن يخرج في رمضان مسافرا فطلع له الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج ، فإنه يصوم ذلك اليوم .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        فإن العلماء اختلفوا في الذي يصبح في الحضر صائما في رمضان ثم سافر في صبيحة يومه ، وذلك هل له أن يفطر في ذلك اليوم في سفره أم لا ؟ .

                                                                                                                        14020 - فذهب مالك ، وأبو حنيفة وأصحابه ، والشافعي : إلى أنه لا يفطر ذلك اليوم .

                                                                                                                        14021 - وهو قول الزهري ، ويحيى بن سعيد ، والأوزاعي ، وابن ثور .

                                                                                                                        14022 - وكلهم قالوا : إن أفطر بعد خروجه ذلك اليوم فليس عليه إلا القضاء .

                                                                                                                        [ ص: 87 ] 14023 - وروي عن المخزومي ، وابن كنانة ، أنه يقضي ، ويكفر ، وليس قولهما هذا بشيء ، ولا له حظ من النظر ولا سلف من جهة الأثر .

                                                                                                                        14024 - وروي عن ابن عمر في هذه المسألة أنه يفطر في يومه ذلك إن شاء إذا خرج مسافرا .

                                                                                                                        14025 - وهو قول الشعبي ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                        14026 - قال أحمد : يفطر إذا برز عن البيوت .

                                                                                                                        14027 - وقال إسحاق : يفطر حين يضع رجله في الرحل .

                                                                                                                        [ ص: 88 ] 14028 - وهو قول داود .

                                                                                                                        14029 - وروي عن الحسن في رواية أنه لا يفطر ذلك اليوم إلا أن يشتد عليه العطش ، فإن خاف على نفسه أفطر .

                                                                                                                        14030 - وقال إبراهيم النخعي : لا يفطر ذلك اليوم .

                                                                                                                        14031 - ولم يختلف عن مالك في الذي يريد السفر ، أنه لا يجوز له أن يفطر في الحضر حتى يخرج .

                                                                                                                        14032 - واختلف أصحابه في إن أفطر قبل أن يخرج .

                                                                                                                        14033 - فذكر ابن سحنون ، عن ابن الماجشون ، أنه إن سافر فلا شيء عليه من الكفارة ، وإن لم يسافر فعليه الكفارة .

                                                                                                                        14034 - واحتج بما روي عن الحسن البصري ، قال : يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج .

                                                                                                                        14035 - وقال أشهب : لا شيء عليه من الكفارة ، سافر أو لم يسافر .

                                                                                                                        14036 - وقال سحنون : عليه الكفارة ، سافر أو لم يسافر ، وهو بمنزلة المرأة تقول : غدا تأتيني حيضتي ، فتفطر لذلك . ثم رجع إلى قول عبد الملك ، وقال : ليس مثل المرأة ; لأن الرجل يحدث السفر إذا شاء ، والمرأة لا تحدث الحيضة .

                                                                                                                        14037 - قال ابن حبيب : إن كان قد تأهب لسفره ، وأخذ في سبب الحركة فلا شيء عليه .

                                                                                                                        14038 - وحكي ذلك عن أصبغ ، وابن الماجشون .

                                                                                                                        [ ص: 89 ] 14039 - فإن عاقه عن السفر عائق ; كان عليه الكفارة .

                                                                                                                        14040 - قال أبو عمر : هذا ضعف من الذي قاله ; لأنه إن كانت حركته لسفر ، وتأهبه يبيح له الفطر ، وحكمه في ذلك حكم المسافر ، وقد وقع أكله مباحا ، وعذره قائم بالعائق المانع - فلا وجه للكفارة هنا ولا معنى .

                                                                                                                        14041 - وروى عيسى عن ابن القاصم ، أنه لا كفارة عليه ; لأنه متأول في فطره .

                                                                                                                        14042 - قال أبو عمر : هذا أصح أقاويلهم في هذه المسألة ; لأنه غير منتهك لحرمة الصوم ، وإنما هو متأول ، ولو كان الأكل مع نية السفر يوجب عليه الكفارة ; لأنه كان قبل خروجه - ما أسقطها عنه خروجه . وتأمل ذلك تجده كذلك إن شاء الله .

                                                                                                                        14043 - وقد روى إسماعيل بن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا عيسى بن ميناء قالون ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن المنكدر ، عن محمد بن كعب ، قال : أتيت أنس بن مالك في رمضان ، وهو يريد سفرا فأكل ، فقلت له : سنة ؟ فلا أحسبه إلا قال : نعم .

                                                                                                                        14044 - قال : وحدثنا علي بن المديني ، قال : حدثنا أبي ، عن زيد بن أسلم بإسناده مثله ، وقال : قلت له : سنة ؟ فقال : نعم . ثم ركب .

                                                                                                                        14045 - قال : وحدثنا به علي بن المديني ، وإبراهيم بن قرة ، عن الدراوردي ، عن زيد بن أسلم بإسناده ، وقال فيه : قلت له : سنة ؟ قال : لا ، ثم ركب .

                                                                                                                        14046 - واتفقوا في الذي يريد السفر في رمضان أنه لا يجوز له أن يبيت الفطر ; لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية ، وإنما يكون مسافرا بالنهوض في سفره أو الأخذ في أهبته . وليست النية في السفر كالنية في الإقامة ; لأن المسافر إذا نوى الإقامة [ ص: 90 ] كان مقيما في الحين ، لأن الإقامة لا تفتقر إلى عمل ، والمقيم إذا نوى السفر لم يكن مسافرا حتى يأخذ في سفره ويبرز عن الحضر ، فيجوز له حينئذ تقصير الصلاة وأحكام المسافر ، إلا من جعل تأهبه للسفر وعمله فيه كالسفر والبروز عن الحضر لزمه أن لا يجب عليه في أكله قبل خروجه .

                                                                                                                        14047 - وقد أجمعوا أنه لو مشى في سفره حتى تغيب بيوت القرية والمصر ، فنزل ، فأكل ، ثم عاقه عائق عن النهوض في ذلك السفر - لم تلزمه كفارة .




                                                                                                                        الخدمات العلمية