الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5943 - وعن حزام بن هشام ، عن أبيه ، عن جده حبيش بن خالد - وهو أخو أم معبد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أخرج من مكة خرج مهاجرا إلى المدينة ، هو وأبو بكر ، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهما عبد الله الليثي‌ ، مروا على خيمتي أم معبد ، فسألوها لحما وتمرا ليشتروا منها ، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ، كان القوم مرملين مسنتين ، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شاة في كسر الخيمة ، فقال : ( ما هذه الشاة يا أم عبد ؟ ) قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم . قال : ( هل بها من لبن ؟ ) قالت : هي أجهد من ذلك . قال : ( أتأذنين لي أن أحلبها ؟ ) قالت : بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها . فدعا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمسح بيده ضرعها . وسمى الله تعالى ، ودعا لها في شاتها ، فتفاجت عليه ، ودرت واجترت ، فدعا بإناء يربض الرهط ، فحلب فيه ثجا ، حتى علاها البهاء ثم سقاها حتى رويت ، وسقى أصحابه حتى رووا ، ثم شرب آخرهم ، ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء ، حتى ملأ الإناء ، ثم غادره عندها ، وبايعها ، وارتحلوا عنها . رواه في ( شرح السنة ) وابن عبد البر في ( الاستيعاب ) وابن الجوزي في كتاب ( الوفاء ) وفي الحديث قصة .

التالي السابق


5943 - ( وعن حزام ) : بكسر حاء مهملة فزاي ( ابن هشام عن أبيه ) ، أي هشام ولم يذكرهما المؤلف في أسمائه ( عن جده حبيش ) : بضم حاء مهملة وفتح موحدة وسكون تحتية فشين معجمة ، وفي نسخة بخاء معجمة فنون ثم سين مهملة والأول أصح على ما في جامع الأصول ، واقتصر عليه المصنف ( ابن خالد ) : قال المؤلف : حبيش بن خالد الخزاعي ، قتل يوم فتح مكة مع خالد بن الوليد ، روى عنه ابنه هشام ( وهو ) ، أي : حبيش ( أخو أم معبد ) ، أي : الخزاعية ، وهي عاتكة بنت خالد يقال : إنها أسلمت لما نزل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - في مهاجرته إلى المدينة ، ويقال : إنها قدمت المدينة فأسلمت ، والحديث المعروف بحديث أم معبد مشهور ذكره المؤلف . ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أخرج ) : بصيغة المفعول أي أمر بالخروج ( من مكة ) : أو صار أهل مكة سبب خروجه إذ لم يقع إخراج إهانة كما يشير إليه قوله : ( خرج ) ، أي : باختياره ( مهاجرا ) ، أي : من مكة لكفر أهلها ( إلى المدينة ) ، أي : وأهلها من الأنصار ومن انضم إليهم من المهاجرين الكبار ( هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ) : بضم فاء وفتح هاء ، ولم يذكره المؤلف ( ودليلهما ) ، أي : مرشد النبي والصديق في الطريق ( عبد الله الليثي ) : هو مولى أبي بكر الصديق ، هاجر معهما إلى المدينة ، وكان قد أسلم قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم ، كذا ذكره بعضهم ، ولم يذكره المؤلف ( مروا على خيمتي أم معبد ) ، بلفظ التثنية مضافا ( فسألوها لحما وتمرا ليشتروا منها ، فلم يصيبوا ) ، أي : لم يصادفوا ( عندها شيئا من ذلك ) ، أي : مما ذكر من اللحم والتمر أو من جنس المأكول ( وكان القوم مرملين ) ، أي : فاقدين الزاد في شرح السنة : المرمل من نفد زاده ، يقال : أرمل الرجل إذا ذهب طعامه ( مسنتين ) ، أي أصابهم القحط يقال : أسنت الرجل فهو مسنت ( فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شاة في كسر الخيمة ) : بفتح الكاف وسكون السين وبكسر أوله ، أي : جانبها . قال الطيبي : كسر الخيمة بكسر الكاف وفتحها جانب الخيمة . وفي القاموس : الكسر جانب البيت والشقة السفلى من الخباء ، أو ما يكسر ، ويثنى على الأرض منها ، والناحية ويكسر ( فقال : ( ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ ) قالت : شاة خلفها ) : بتشديد اللام أي تركها ( الجهد ) : بضم الجيم ويفتح أي الهزال ( عن الغنم ) ، أي : متخلفة عنها ( قال : ( هل بها من لبن ) ؟ أي بعضه ( قالت : ( هي أجهد من ذلك ) . والمعنى ليس فيها لبن أصلا ( قال : ( أتأذنين لي أن أحلبها ) : من باب نصر على ما في المصباح ، وفي القاموس الحلب ويحرك استخراج ما في الضرع من اللبن يحلب ويحلب ، وفي النهاية : حلبت الشاة والناقة أحلبها حلبا بفتح اللام . ( قال : بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبا ) : بفتحتين ويسكن اللام ، أي : لبنا محلوبا ( فاحلبها ) . قال صاحب المصباح : الحلب محركة يطلب على المصدر وعلى اللبن المحلوب ( فدعا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) ، أي : طلبها ( فمسح بيده ضرعها ، وسمى الله تعالى ، ودعا لها ) ، أي : لأم معبد ( في شاتها ) ، أي : في شأنها كما في نسخة أي : في حقها ( فتفاجت عليه ) ، بتشديد الجيم أي : فتحت ما بين رجليها للحلب ( ودرت ) : بتشديد الراء ، أي : أرسلت الدر بالفتح وهو اللبن ( واجترت ) ، بالراء المشددة . قال . الطيبي : الجرة ما يخرجه البعير من بطنه ليمضغه ثم يبلعه ( فدعا بإناء يربض الرهط ) ، بضم الياء وكسر الموحدة أي : يرويهم ويثقلهم حتى يناموا ويمتدوا على الأرض ، من ربض في المكان إذا لصق به وأقام ملازما له ( فحلب فيه ) ، أي : في الإناء ( ثجا ) ، أي : حلبا ذا سيلان ( حتى علاه ) ، أي : ظهر على الإناء ( البهاء ) ، أي بهاء اللبن ، [ ص: 3834 ] وهو بفتح الباء رغوته وهي بفتح الراء وضمها ، وحكي كسرها الزبد يعلو الشيء عند غليانه ، ( ثم سقاها ) ، أي : أم معبد ( حتى رويت ) ، ولعل الابتداء بها كرامة لها ، ولكونها صاحبة الشاة وترغيبا إلى إسلامها ( وسقى أصحابه ) ، أي : بعدها ( حتى رووا ) ، بضم الواو ( ثم شرب آخرهم ) ، أي في آخرهم لقوله : ( ساقي القوم آخرهم شربا ) ( ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء ) ، بفتح فسكون أي : بعد ابتداء بلا مكث ( حتى ملأ الإناء ، ثم غادره ) ، أي : تركه ( عندها ) ، أي معجزة تريها زوجها ( وبايعها ) ، أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( على الإسلام وارتحلوا عنها . رواه ) ، أي : البغوي ( في شرح السنة ) . أي بإسناده ( وابن عبد البر في الاستيعاب ، وابن الجوزي في كتاب الوفاء ، وفي الحديث قصة ) . أي طويلة ، وهي أنه لما ارتحل النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء أبو معبد يسوق أعنزا عجافا ، ورأى في البيت لبنا ، فقال : من أين هذا ؟ فقالت : مر بنا رجل مبارك ، وذكرت من وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - ونعته بعبارة فصيحة ، فقال أبو معبد : هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر . بمكة ، ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا ، وأصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت ، ولا يدرون من صاحبه وهو يقول :


جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلا بالهدى واهتديت به
فقد فاز من أمسى رفيق محمد فيا لقصي ما زوى الله عنكم به
من فعال لا تجارى وسؤدد ليهن بني كعب مقام فتاتهم
ومقعدها للمؤمنين بمرصد سألوا أختكم عن شاتها وإناثها
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد فغادرها رهنا لديها لحالب
ترددها في مصدر ثم مورد

قال محي السنة : الصوت الذي سمعوا بمكة صوت بعض مسلمي الجن أقبل من أسفل مكة ، والناس يتبعونه ويسمعون الصوت وما يرونه حتى صرخ بأعلى مكة قالت أسماء : فلما سمعنا عرفنا حيث وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن وجهه إلى المدينة . وقال ابن عبد البر : فلما بلغ حسان بن ثابت ذلك جعل يجاوب الهاتف وهو يقول :


لقد خاب قوم غاب عنهم نبيهم وقدس من يسري إليهم ويغتدي
ترحل عن قوم فضلت عقولهم وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا عما يتهم وهادية كل مهتد
لقد نزلت منه على أهل يثرب ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مسجد
وإن قال في يوم مقالة غائب فتصديقه في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده بصحبته من يسعد الله يسعد
ليهن بني كعب مقام فتاتها ومقعدها للمؤمنين بمرصد

.




الخدمات العلمية