الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5972 - وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه - رضي الله عنه - أن رجلا من قريش دخل على أبيه علي بن الحسين ، فقال : ألا أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : بلى حدثنا عن أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - ! قال : لما مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبرئيل فقال : يا محمد ! إن الله أرسلني إليك تكريما لك ، وتشريفا لك ، خاصة لك يسألك عما هو أعلم به منك ، يقول : كيف تجدك ، قال : أجدني يا جبرئيل ! مغموما ، وأجدني يا جبرئيل ! مكروبا ) . ثم جاءه اليوم الثاني ، فقال له ذلك ، فرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رد أول يوم ، ثم جاءه اليوم الثالث ، فقال له كما قال أول يوم ، ورد عليه كما رد عليه ، وجاء معه ملك يقال له : إسماعيل على مائة ألف ملك ، كل ملك على مائة ألف ملك ، فاستأذن عليه ، فسأله عنه ، ثم قال : هذا ملك الموت يستأذن عليك . ما استأذن على آدمي قبلك ، ولا يستأذن على آدمي بعدك . فقال : ائذن له ، فأذن له ، فسلم عليه ، ثم قال يامحمد ! إن الله أرسلني إليك ، فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضت ، وإن أمرتني أن أتركه تركته فقال : وتفعل يا ملك الموت ؟ قال : نعم ، بذلك أمرت ، وأمرت أن أطيعك ، قال : فنطر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبرئيل - عليه السلام - فقال جبرئيل : يا محمد ! إن الله قد اشتاق إلى لقائك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لملك الموت : ( امض لما أمرت به ) فقبض روحه ، فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاءت التعزية سمعوا صوتا من ناحية البيت : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفا من كل هالك ، ودركا من كل فائت ، فبالله فاتقوا ، وإياه فارجوا ، فإنما المصاب من حرم الثواب . فقال علي : أتدرون من هذا ؟ هو الخضر - عليه السلام - رواه البيهقي في ( دلائل النبوة ) .

التالي السابق


5972 - ( وعن جعفر ) ، أي : الصادق ( ابن محمد ) : الباقر ( عن أبيه ) ، أي : محمد ( أن رجلا من قريش دخل على أبيه ) ، أي : أبي محمد ( علي بن الحسين ) ، بدل أو بيان لأبيه ، والمراد به زين العابدين ( فقال ) ، أي : علي بن الحسين - رضي الله عنهم - ( ألا أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال ) ، أي : الرجل ( بلى حدثنا عن أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - . قال ) ، أي : علي بن الحسين مرسلا فإنه من أجلاء التابعين ( لما مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل ) ، أي : للعيادة والرسالة ( فقال : ( يا محمد ! إن الله أرسلني إليك تكريما لك وتشريفا لك ) ، أي : تعظيما ( خاصة لك ) ، أي : في قوله ( يسألك ) ، أي : الله سبحانه ( عما هو أعلم به منك ) ، أي : فإنه أقرب إلى المريد من حبل الوريد ( ويقول : كيف تجدك ) ؟ أي من الأحوال ( قال : ( أجدني يا جبريل مغموما ) ، أي : مهموما ( وأجدني يا جبريل مكروبا ) ، أي : محزونا وإنما أشكو بثي وحزني إلى الله ، وأقول في كل حال : الحمد لله ، ( ثم جاءه اليوم الثاني ) ، أي جبريل ( فقال له ذلك ) ، أي ما سبق من السؤال ( فرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رد أول يوم ) ، أي من بيان الحال ( ثم جاءه اليوم الثالث ، فقال له كما قال أول يوم ) ، أي أسبقه حقيقة أو إضافة ( ورد عليه كما رد عليه ) ، أي فيما تقدم ( وجاء معه ملك ) ، أي : في هذا اليوم أو يوما آخر ( يقال له : إسماعيل على مائة ألف ملك ) ، أي حاكم ( كل ملك على ألف مائة ملك ) ، أي أمير ( فاستأذن عليه ) ، أي بالدخول ( فسأله ) ، أي جبريل ( عنه ، ثم قال ) ، أي : فقال أو بعد تأمل قال ( جبريل : هذا ملك الموت يستأذن عليك ) . أي بالدخول ( ما استأذن على آدمي قبلك ) ، أي : من الأنبياء ( ولا يستأذن على آدمي بعدك ) ، أي : من الأولياء بالأولى ( فقال ) ، أي : لجبريل ( ائذن له ) فأذن له فسلم عليه ) ، أي فرد عليه ( ثم قال : يا محمد ! إن الله أرسلني إليك ) ، أي : حتى أعرض الأمر عليك ( فإن أمرتني ، أن أقبض روحك قبضت ، وإن أمرتني أن أتركه تركته ) : والروح يذكر ويؤنث ، وفي نسخة بترك الضميرين ( فقال : وتفعل ) ، أي : أوتفعل مأموري ( يا ملك الموت ) . قال : نعم ، بذلك ) ، أي : بتخييرك ( أمرت وأمرت أن أطيعك ) ، أي فيما اخترت به ، وهذا أولى من قول الطيبي قوله : وأمرت عطف على قوله بذلك أمرت أي : بقبض روحك من العطف المخصص للمعطوف عليه . ( قال ) ، أي : علي بن الحسين ( فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل - عليه السلام - ) ، أي كالمستشير إليه ( فقال جبريل : يا محمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك ) ، أي : وإلا لما أرسل إلى موجب عنائك ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لملك الموت : ( امض ) : بكسر همز الوصل والضاد أي : انفذ ( لما أمرت به ) . ولا تتوقف فيه . قال الطيبي : وإلى هاهنا ذكره ابن الجوزي في كتاب الوفاء ، وذكر بعده فقال جبريل - عليه السلام - : السلام عليك يا رسول الله ، هذا آخر موطئي الأرض إنما كنت حاجتي في الدنيا فقبض روحه ، إنا لله وإنا إليه راجعون . ( فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاءت التعزية ) ، أي : من كل ناحية البيت ( سمعوا صوتا من ناحية البيت : السلام .

[ ص: 3858 ] عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، إن في الله ) ، أي : في كتابه ( عزاء ) : بفتح العين أي تسلية ( من كل مصيبة ) : إلى قوله تعالى : وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة أو في ثوابه عوضا من كل محنة وبلية . قال صاحب النهاية : وفي الحديث : من لم يتعز بعزاء الله . قيل : أراد بالتعزي في هذا الحديث التسلي والتصبر عند المصيبة ، وأن يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . قال الطيبي : فعلى هذا يجوز أن يقدر مضاف في قوله : في الله أي إن في لقاء الله تعالى تسليا وتصبرا من كل مصيبة ، وأن يراد إن في الله تسلية على التجريد أي الله معز ومسل نحو قوله : وفي الرحمن للضعفاء كاف ، ويؤيده القرينتان يعني قوله : ( وخلفا ) : بفتحتين أي : عوضا ( من كل هالك ، ودركا ) : بفتح الدال والراء أي : تداركا ( من كل فائت ) ، وما أحسن من قال من أرباب الحال ، شعر :


لكل شيء إذا فارقته خلف وليس لله إن فارقت من عوض



( فبالله ) ، أي : فإذا كان الأمر كذلك فبعونه وحوله وقوته ( فاتقوا ) ، أي : الجزع والفزع إشارة إلى قوله تعالى : واصبر وما صبرك إلا بالله وفي بعض النسخ موافقا لما في الحصن الحصين : فثقوا بكسر المثلثة وتخفيف القاف المضمومة أي : فاعتمدوا به إيماء إلى قوله تعالى : وتوكل على الحي الذي لا يموت . ( وإياه فارجوا ) ، أي لا ترجوا سواه فإنه لا إله إلا الله ، أو من عنده فارجوا الثواب . ( فإنما المصاب ) ، أي : في الحقيقة ( من حرم الثواب ) . بصيغة المفعول أي : من منع المثوبة بسبب قلة الصبر في قضية المصيبة ، والصبر المعتبر عند المولى هو الذي يكون عند الصدمة الأولى ، هذا وقال الطيبي : الفاء في قوله : فبالله جواب للشرط ، وبالله حال قدمت على عاملها اختصاصا ، كما في قوله تعالى : ( فإياي فاعبدون أي إذا كان الله معزيا وخلفا ودركا ، فخصوه بالتقوى مستعينين به ، والفاء في فاتقوا وردت لتأكيد الربط ، كذا في قوله : فارجعوا ، وتقديم المفعول ليس لإرادة التخصيص ، بل لتتعادل به القرينة في اقتران الفاء . قلت : لا منافاة بين إرادة الاختصاص المفيد للإخلاص ، وحصول التعادل بين اقتران التماثل .

( فقال علي ) ، أي : زين العابدين ، أو علي بن أبي طالب ( أتدرون من هذا ) ؟ أي صاحب الصوت ( هذا هو الخضر - عليه السلام - ) . بفتح الخاء وكسر الضاد ، وقيل بكسر وسكون ، وفي تهذيب الأسماء : يجوز إسكان الضاد مع فتح الخاء وكسرها . قال الطيبي : وفيه دلالة بينة على أن الخضر - عليه السلام - حي موجود . ( رواه البيهقي ) . أي الحديث بكامله ( في دلائل النبوة ) . وقد علمت أن صدر الحديث إلى قوله : فلما توفي ، ذكره ابن الجوزي في كتابه ( الوفاء ) وأما ما بعده ، فقد ذكره ابن الجزري في الحصن ولفظه : ولما توفي - صلى الله عليه وسلم - عزتهم الملائكة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفا من ملك فائت ، فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإنما المحروم من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . رواه الحاكم في مستدركه عن جابر ، ثم قال : ودخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح ، فتخطى رقابهم فبكى ، ثم التفت إلى الصحابة فقال : إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وعوضا من كل فائت ، وخلفا من كل هالك ، فإلى الله فأنيبوا وإليه فارغبوا ، ونظره إليكم في البلاء فانظروا ، فإنما المصاب من لم يجبر وانصرف ، فقال أبو بكر وعلي : هذا الخضر - عليه السلام - رواه في المستدرك من حديث أنس . قال ميرك : وليس بصحيح ، وقال العسقلاني : هذا الحديث واهي الإسناد أي ضعيف بخصوص هذا السند ، لكن إذا انضم إلى غيره يتقوى ويترقى إلى درجة الحسن ، فاندفع ما قال الخضري في حاشية المشكاة من أن هذا الحديث موضوع ، رواه عبد الله بن محرز ، عن يزيد الأصم ، عن زين العابدين ، وابن محرز متروك كما في مقدمة مسلم اه . ولا يخفى أنه لا يستلزم من كون أحد الرواة متروكا كون الحديث موضوعا ، لا سيما إذا جاء

[ ص: 3859 ] [ 10 ] الحديث من طريق آخر ، بل وتعدد طرقه ، فلا يشك في كونه ثابتا ، ولا يضر عدم كونه صحيحا إذ لا يتعلق به حكم شرعي ، مع أن أكثر الأحكام إنما ثبت بالأحاديث الحسان لقلة الصحاح حيث لا معارض ، والله أعلم .




الخدمات العلمية