nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون
استئناف ابتدائي ، وهذه الآية تشير إلى ما حصل للمنافقين عند الاستنفار لغزوة
تبوك ، فيكون المراد بالمخلفين خصوص من تخلف عن غزوة
تبوك من المنافقين .
ومناسبة وقوعها في هذا الموضع أن فرحهم بتخلفهم قد قوي لما استغفر لهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - وظنوا أنهم استغفلوه فقضوا مأربهم ثم حصلوا الاستغفار ظنا منهم بأن معاملة الله إياهم تجري على ظواهر الأمور .
فالمخلفون هم الذين تخلفوا عن غزوة
تبوك استأذنوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - فأذن لهم وكانوا من المنافقين ، فلذلك أطلق عليهم في الآية وصف المخلفين بصيغة اسم المفعول لأن النبيء خلفهم ، وفيه إيماء إلى أنه ما أذن لهم في التخلف إلا لعلمه بفساد قلوبهم وأنهم لا يغنون عن المسلمين شيئا كما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=47لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا
وذكر فرحهم دلالة على نفاقهم لأنهم لو كانوا مؤمنين لكان التخلف نكدا عليهم ونغصا كما وقع للثلاثة الذين خلفوا فتاب الله عليهم .
والمقعد هنا مصدر ميمي أي بقعودهم .
و ( خلاف ) لغة في ( خلف ) . يقال : أقام خلاف الحي بمعنى بعدهم ، أي ظعنوا ولم يظعن . ومن نكتة اختيار لفظ خلاف دون خلف أنه يشير إلى أن قعودهم كان
[ ص: 281 ] مخالفة لإرادة رسول الله حين استنفر الناس كلهم للغزو ، ولذلك جعله بعض المفسرين منصوبا على المفعول له ، أي بمقعدهم لمخالفة أمر الرسول .
وكراهيتهم الجهاد بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله خصلة أخرى من خصال النفاق لأن الله أمر بذلك في الآية المتقدمة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله الآية ، ولكونها خصلة أخرى جعلت جملتها معطوفة ولم تجعل مقترنة بلام التعليل مع أن فرحهم بالقعود سببه هو الكراهية للجهاد .
وقولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81لا تنفروا في الحر خطاب بعضهم بعضا وكانت غزوة
تبوك في وقت الحر حين طابت الظلال .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81قل نار جهنم أشد حرا مستأنفة ابتدائية خطاب للنبيء - صلى الله عليه وسلم - والمقصود قرع أسماعهم بهذا الكلام .
وكون نار جهنم أشد حرا من حر القيظ أمر معلوم لا يتعلق الغرض بالإخبار عنه . فتعين أن الخبر مستعمل في التذكير بما هو معلوم تعريضا بتجهيلهم لأنهم حذروا من حر قليل ، وأقحموا أنفسهم فيما يصير بهم إلى حر أشد . فيكون هذا التذكير كناية عن كونهم واقعين في نار جهنم لأجل قعودهم عن الغزو في الحر ، وفيه كناية عرضية عن كونهم صائرين إلى نار جهنم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81لو كانوا يفقهون تتميم ، للتجهيل والتذكير ، أي يقال لهم ذلك لو كانوا يفقهون الذكرى ، ولكنهم لا يفقهون ، فلا تجدي فيهم الذكرى والموعظة ، إذ ليس المراد لو كانوا يفقهون أن نار جهنم أشد حرا لأنه لا يخفى عليهم ولو كانوا يفقهون أنهم صائرون إلى النار ولكنهم لا يفقهون ذلك .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى مَا حَصَلَ لِلْمُنَافِقِينَ عِنْدَ الِاسْتِنْفَارِ لِغَزْوَةِ
تَبُوكَ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُخَلَّفِينَ خُصُوصُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ
تَبُوكَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ .
وَمُنَاسَبَةُ وُقُوعِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ فَرَحَهُمْ بِتَخَلُّفِهِمْ قَدْ قَوِيَ لَمَّا اسْتَغْفَرَ لَهُمُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَظَنُّوا أَنَّهُمُ اسْتَغْفَلُوهُ فَقَضَوْا مَأْرَبَهُمْ ثُمَّ حَصَّلُوا الِاسْتِغْفَارَ ظَنًّا مِنْهُمْ بِأَنَّ مُعَامَلَةَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ تَجْرِي عَلَى ظَوَاهِرِ الْأُمُورِ .
فَالْمُخَلَّفُونَ هُمُ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ
تَبُوكَ اسْتَأْذَنُوا النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَذِنَ لَهُمْ وَكَانُوا مِنَ الْمُنَافِقِينَ ، فَلِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ فِي الْآيَةِ وَصْفُ الْمُخَلَّفِينَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ لِأَنَّ النَّبِيءَ خَلَّفَهُمْ ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ مَا أَذِنَ لَهُمْ فِي التَّخَلُّفِ إِلَّا لِعِلْمِهِ بِفَسَادِ قُلُوبِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَا يُغْنُونَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا كَمَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=47لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا
وَذِكْرُ فَرَحِهِمْ دَلَالَةٌ عَلَى نِفَاقِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لَكَانَ التَّخَلُّفُ نَكَدًا عَلَيْهِمْ وَنَغْصًا كَمَا وَقَعَ لِلثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ .
وَالْمَقْعَدُ هُنَا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أَيْ بِقُعُودِهِمْ .
وَ ( خِلَافَ ) لُغَةٌ فِي ( خَلْفَ ) . يُقَالُ : أَقَامَ خِلَافَ الْحَيِّ بِمَعْنَى بَعْدَهُمْ ، أَيْ ظَعَنُوا وَلَمْ يَظْعَنْ . وَمِنْ نُكْتَةِ اخْتِيَارِ لَفْظِ خِلَافٍ دُونَ خَلْفَ أَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ قُعُودَهُمْ كَانَ
[ ص: 281 ] مُخَالَفَةً لِإِرَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ حِينَ اسْتَنْفَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ لِلْغَزْوِ ، وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ ، أَيْ بِمَقْعَدِهِمْ لِمُخَالَفَةِ أَمْرِ الرَّسُولِ .
وَكَرَاهِيَتُهُمُ الْجِهَادَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَصْلَةٌ أُخْرَى مِنْ خِصَالِ النِّفَاقِ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِذَلِكَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ ، وَلِكَوْنِهَا خَصْلَةً أُخْرَى جُعِلَتْ جُمْلَتُهَا مَعْطُوفَةً وَلَمْ تُجْعَلْ مُقْتَرِنَةً بِلَامِ التَّعْلِيلِ مَعَ أَنَّ فَرَحَهُمْ بِالْقُعُودِ سَبَبُهُ هُوَ الْكَرَاهِيَةُ لِلْجِهَادِ .
وَقَوْلُهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ خِطَابُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَكَانَتْ غَزْوَةُ
تَبُوكَ فِي وَقْتِ الْحَرِّ حِينَ طَابَتِ الظِّلَالُ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ خِطَابٌ لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَقْصُودُ قَرْعُ أَسْمَاعِهِمْ بِهَذَا الْكَلَامِ .
وَكَوْنُ نَارِ جَهَنَّمَ أَشَدَّ حَرًّا مِنْ حَرِّ الْقَيْظِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ لَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ . فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْخَبَرَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّذْكِيرِ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ تَعْرِيضًا بِتَجْهِيلِهِمْ لِأَنَّهُمْ حَذِرُوا مِنْ حَرٍّ قَلِيلٍ ، وَأَقْحَمُوا أَنْفُسَهُمْ فِيمَا يَصِيرُ بِهِمْ إِلَى حَرٍّ أَشَدَّ . فَيَكُونُ هَذَا التَّذْكِيرُ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِهِمْ وَاقِعِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ لِأَجْلِ قُعُودِهِمْ عَنِ الْغَزْوِ فِي الْحَرِّ ، وَفِيهِ كِنَايَةٌ عُرْضِيَّةٌ عَنْ كَوْنِهِمْ صَائِرِينَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=81لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ تَتْمِيمٌ ، لِلتَّجْهِيلِ وَالتَّذْكِيرِ ، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ الذِّكْرَى ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ، فَلَا تُجْدِي فِيهِمُ الذِّكْرَى وَالْمَوْعِظَةُ ، إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ أَنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى النَّارِ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ذَلِكَ .