الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 156 ] ( 14 ) باب صيام الذي يقتل خطأ أو يتظاهر

                                                                                                                        632 - قال مالك : أحسن ما سمعت فيمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في قتل خطأ أو تظاهر ، فعرض له مرض يغلبه ويقطع عليه صيامه - أنه إن صح من مرضه وقوي على الصيام فليس له أن يؤخر ذلك . وهو يبني على ما قد مضى من صيامه .

                                                                                                                        وكذلك المرأة التي يجب عليها الصيام في قتل النفس خطأ إذا حاضت بين ظهري صيامها - أنها إذا طهرت لا تؤخر الصيام ، وهي تبني على ما قد صامت .

                                                                                                                        وليس لأحد وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كتاب الله أن يفطر إلا من علة : مرض ، أو حيضة . وليس له أن يسافر فيفطر .

                                                                                                                        [ ص: 157 ] 14350 - قال مالك : وهذا أحسن ما سمعت في ذلك .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        14351 - وروى ابن القاسم عن مالك في غير " الموطأ " ، قال : من أفطر يوما في السفر بعذر ولم يصله استأنف ، وإن وصله بنى ، وإن سافر لا يفطر ، وإن أفطر استأنف ، وإن مرض في سفره مرضا - لم يجب عليه السفر - من حر أو برد واستيقن أنه من غير السفر بنى إذا صح .

                                                                                                                        14352 - قال أبو عمر : قوله : " أحسن ما سمعت " يدل على علمه بالخلاف في هذه المسألة ، والذي أراد - والله أعلم - الرجل يمرض بين ظهري شهري التتابع في الظهار أو القتل أو الكفارة من رمضان .

                                                                                                                        14353 - وأما الحائض فلا أعلم فيها خلافا أنها إذا طهرت فلم تؤخر ، ووصلت بأي صيامها بما سلف منه ، إلا أنها لا شيء عليها غير ذلك وتستأنف البناء ، وليس عليها أن تسقط إلا أن تكون طاهرا قبل الفجر ، فتترك صيام ذلك اليوم عالمة بطهرها ، فإن فعلت استأنفت عند جماعة العلماء .

                                                                                                                        14354 - وأما اختلافهم في المريض الذي قد صام عن شهري التتابع بعضها قضى قولين .

                                                                                                                        14355 - أحدهما ما قال مالك في سن البناء .

                                                                                                                        14356 - ومن قال بذلك سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، والحسن ، [ ص: 158 ] والشعبي ، وعطاء ، ومجاهد ، وقتادة ، وطاوس .

                                                                                                                        14357 - وذكر ابن أبي شيبة ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب والحسن أنهما قالا : يعتد بما صام إذا كان له عذر .

                                                                                                                        14358 - وسائرهم قال : المريض يبني إذا برأ ، ووصل ذلك ولم يفرط كما وصفنا في الحائض .

                                                                                                                        14359 - والقول الثاني : يستأنف الصيام .

                                                                                                                        14360 - وممن قال ذلك سعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، والحكم بن عتيبة ، وعطاء الخراساني .

                                                                                                                        14361 - قال : معمر : سألت عطاء الخراساني ؟ فقال : كنا نرى أنه مثل شهري رمضان ، حتى كتبنا فيه إلى أحد الناس من أهل الكوفة ; فكتبوا إلينا أنه يستقبل .

                                                                                                                        14362 - وذكر عبد الرزاق عن الثوري مثله .

                                                                                                                        14363 - وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، والحسن بن حي ، وأحد قولي الشافعي ، وله قول آخر ، وهو يبني .

                                                                                                                        14364 - وقول ابن شبرمة : يقضي ذلك اليوم وحده إن كان عذر غالب كصوم رمضان .

                                                                                                                        14365 - قال أبو عمر : حجة من قال : يبني ؛ لأنه معذور في قطع التتابع بمرضه ، ولم يتعذر ، وقد تجاوز الله عن غير المعتمر .

                                                                                                                        [ ص: 159 ] 14366 - وحجة من قال : يستأنف لأن التتابع فرض لا يسقط بعذر ، وإنما يسقط فيه المأثم قياسا على الصلاة ؛ لأنها ركعات متتابعات ، فإذا قطعها عذر استأنف ولم يبن .




                                                                                                                        الخدمات العلمية